الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي إِنْكَارِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا قَبْلَ نُزُولِ الْمَنِيَّةِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَهْلُ قِبْلَتِنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَاتِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى مَنْ شَاهَدَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، لَمْ يَخْتَلِفُوا وَلَمْ يَشُكُّوا وَلَمْ
يَرْتَابُوا أَنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ خَالِقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِيَانًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالَقَهُ؟ عز وجل، قَبْلَ نُزُولِ الْمَنِيَّةِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَا أَنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ خَالِقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَفَهَّمُوا الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَا تُغَالِطُوا فَتَصُدُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا دَوادُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ
⦗ص: 549⦘
: " كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينَ، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] فَقَالَتْ رضي الله عنها: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ
⦗ص: 550⦘
الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عَظْمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ، قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] قَرَأْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِيُّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ} [المائدة: 67] قَرَأْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَبُو مُوسَى، قَالَا: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا دَوادُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَثَنَا أَبُو مُوسَى
⦗ص: 551⦘
، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ قَالَ وَاحِدَةً مِنْهُمْ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: أَمْهِلِينِي وَلَا تَعْجَلِينَ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، قَالَ:«إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنَ، رَآهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، وَسَادًّا عَظْمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» ، قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] قَرَأْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] قَالَتْ
⦗ص: 552⦘
: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] زَادَ بُنْدَارٌ، وَأَبُو مُوسَى فِي خَبَرِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَتْ: " لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ، لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37]
وَثَنَا بُنْدَارٌ، بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ
⦗ص: 553⦘
لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37] قَالَ لَنَا أَبُو مُوسَى فِي خَبَرِ عَبْدِ الْأَعْلَى بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَيْنَا خَبَرَ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها نَحْوُهُ، وَكَذَا قَالَ لَنَا فِي خَبَرِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، فَأَمَّا بُنْدَارٌ: فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْنَا حَدِيثَ يَزِيدَ بِتَمَامِهِ، لَيْسَ فِي خَبَرِ يَزِيدَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا قَوْلُهَا: لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَأَحْسِبُ أَنَّ أَبَا مُوسَى إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ نَحْوَهُ إِلَى قَوْلِهِ:{مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 64] ، دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَدْرَجَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْخَبَرِ مُتَّصِلًا، وَمَيَّزَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ الْمُتَّصِلِ، فَرَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، لَيْسَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ ذِكْرُ مَسْرُوقٍ
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ، رضي الله عنها تَقُولُ: " أَعْظَمُ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَالَ: ثَلَاثَةً، مَنْ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا رَآهُ؟ قَالَتْ: لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ مَرَّةً بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَمَرَّةً سَادًّا أُفُقَ السَّمَاءِ
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ثَلَاثٌ مَنْ قَالَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكِ} [المائدة: 67] الْآيَةَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]
⦗ص: 556⦘
وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] فَقَالَ مَسْرُوقٌ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَوْ لَمْ يَقُلْ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَنَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«رَأَيْتُ جِبْرِيلَ، نَزَلَ فِي الْأُفُقِ، عَلَى خَلْقِهِ وَهَيْئَتِهِ، أَوْ خَلْقِهِ وَصُورَتِهِ سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ لَفْظَةٌ، أَحْسِبُ عَائِشَةَ تَكَلَّمَتْ بِهَا فِي وَقْتِ غَضَبٍ، كَانَتْ لَفْظَةٌ أَحْسَنَ مِنْهَا يَكُونُ فِيهَا دَرَكًا لِبُغْيَتِهَا، كَانَ أَجْمَلَ بِهَا، لَيْسَ يَحْسُنُ فِي اللَّفْظِ: أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: أَوْ قَائِلَةٌ، فَقَدْ أَعْظَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِرْيَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَمَاعَاتٌ مِنَ النَّاسِ الْفِرْيَةَ عَلَى رَبِّهِمْ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَكَلَّمُ الْمَرْءُ عِنْدَ الْغَضَبِ بِاللَّفْظَةِ الَّتِي يَكُونُ غَيْرُهَا أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ مِنْهَا، أَكْثَرُ مَا فِي هَذَا أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَبَا ذَرٍّ، وَابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَدِ اخْتَلَفُوا: هَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لَمْ يَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ، وَقَدْ أَعْلَمْتُ فِي مَوَاضِعَ فِي كُتُبِنَا أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ عِلْمًا، وَالْإِثْبَاتُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعِلْمَ، لَمْ تَحْكِ
⦗ص: 557⦘
عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَبَّرَهَا أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَبَّهُ عز وجل وَإِنَّمَا تَلَتْ قَوْلَهُ عز وجل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] وَمَنْ تَدَبَّرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَوُفِّقَ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ، عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيَتَيْنِ مَا يَسْتَحِقُّ مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ الرَّمْيَ بِالْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ، كَيْفَ بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ؟ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] قَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُثْبِتُ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالِقَهُ عز وجل، قَدْ يَحْتَمِلُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] عَلَى مَا قَالَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ لِمَوْلَاهُ عِكْرِمَةَ «ذَاكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نَوَّرَهُ، إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ» ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي، أَيْ:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أَبْصَارُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ وَالْأَظْهَرَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الْإِبْصَارَ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَبْصَارِ جَمَاعَةٍ، لَا أَحْسِبُ غَرِيبًا يَجِيءُ مِنْ طَرِيقِ
⦗ص: 558⦘
اللُّغَةِ أَنْ يَقُولَ لِبَصَرِ امْرِئٍ وَاحِدٍ أَبْصَارٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَصَرِ امْرِئٍ وَاحِدٍ بَصَرٌ، وَلَا سَمِعْنَا غَرِيبًا يَقُولُ: لِعَيْنِ امْرِئٍ وَاحِدٍ بَصَرَيْنِ، فَكَيْفَ أَبْصَارٌ وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّ الْأَبْصَارَ تَرَى رَبَّنَا فِي الدُّنْيَا لَكِنَّا قَدْ قُلْنَا الْبَاطِلَ وَالْبُهْتَانَ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى رَبَّهُ دُونَ سَائِرِ الْخَلْقِ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ الْأَبْصَارَ قَدْ رَأَتْ رَبَّهَا فِي الدُّنْيَا، فَكَيْفَ يَكُونُ يَا ذَوِي الْحِجَا مَنْ يُثْبِتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى رَبَّهُ، دُونَ سَائِرِ الْخَلْقِ مُثْبِتًا أَنَّ الْأَبْصَارَ قَدْ رَأَتْ رَبَّهَا، فَتَفَهَّمُوا يَا ذَوِي الْحِجَا هَذِهِ النُّكْتَةَ تَعْلَمُوا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَأَبَا ذَرٍّ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لَمْ يُعْظِمُوا الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَا خَالَفُوا حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا ذِكْرُهَا:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] ، فَلَمْ يَقُلْ أَبُو ذَرٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ يُثْبِتُ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالِقَهُ عز وجل أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَرَى رَبَّهُ فِيهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ خَالَفَتْهُمْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى رَبَّهُ، لَمْ يُخَالِفْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ
⦗ص: 559⦘
يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] وَإِنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَقُولُ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فَكَلَّمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَابْنُ عُمَرَ مَعَ جَلَالَتِهِ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِهِ وَفِقْهِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ يَلْتَمِسُ عِلْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرْسِلُ إِلَيْهِ لَيَسْأَلَهُ، هَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ عِلْمًا مِنْهُ بِمَعْرِفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقْتَبَسُ هَذَا مِنْهُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِثْبَاتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى رَبَّهُ، وَبِيَقِينٍ يَعْلَمُ كُلُّ عَالِمٍ أَنَّ هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِالْعُقُولِ، وَالْآرَاءِ وَالْجِنَانِ وَالظُّنُونِ، وَلَا يُدْرَكُ مِثْلُ هَذَا الْعِلْمِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ النُّبُوَّةِ، إِمَّا بِكِتَابٍ أَوْ بِقَوْلِ نَبِيٍّ مُصْطَفًى، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:«رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ» بِرَأْيٍ وَظَنٍّ، لَا وَلَا أَبُو ذَرٍّ، لَا وَلَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، نَقُولُ كَمَا قَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ لَمَّا ذُكِرَ اخْتِلَافُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا عَائِشَةُ عِنْدَنَا أَعْلَمُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَقُولُ: عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ عَالِمَةٌ فَقِيهَةٌ، كَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَنْ يُرْزَقَ الْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ، وَهَذَا الْمَعْنِيُّ مِنَ الدُّعَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ كَانَ الْفَارُوقُ رضي الله عنه يَسْأَلُهُ عَنْ بَعْضِ مَعَانِي
⦗ص: 560⦘
الْقُرْآنِ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ، وَأَقْدَمُ صُحْبَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ قَدْ أَعْظَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ شَيْئًا نَفَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها، وَالْعُلَمَاءُ لَا يُطْلِقُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَإِنْ غَلَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ خَالَفَ سُنَّةً أَوْ سُنَنًا مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَبْلُغِ الْمَرْءَ تِلْكَ السُّنَنُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ مَنْ يُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَنْفِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ فَتَفَهَّمُوا هَذَا لَا تُغَالِطُوا ذِكْرُ حِكَايَةِ مَعْمَرٍ: سَمِعْتُ عَمِّي يَحْكِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي خَبَرٍ لَيْسَ إِسْنَادُهُ مِنْ شَرْطِنَا
حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ
⦗ص: 561⦘
، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ، نَزْعُمُ أَوْ نَقُولُ:«إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ» ، قَالَ: فَكَبَّرَ كَعْبٌ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ فَرَآهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِقَلْبِهِ، وَكَلَّمَهُ مُوسَى
قَالَ مُجَالِدٌ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَخْبَرَنِي مَسْرُوقٌ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَيْ أُمَّتَاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ قَطُّ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ تَقُولُ قَوْلًا، إِنَّهُ لَيَقِفُ مِنْهُ شَعْرِي، قَالَ: قُلْتُ: رُوَيْدًا، قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهَا: {وَالنَّجْمُ إِذَا هَوَى} [النجم: 1]، إِلَى قَوْلِهِ: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
⦗ص: 562⦘
أَدْنَى} [النجم: 9] فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَتِهِ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْخَمْسَ مِنَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَذَبَ، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَعْمَرٍ، فَقَالَ:«مَا عَائِشَةُ عِنْدَنَا بِأَعْلَمَ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ أَسْتَحِلُّ الِاحْتِجَاجَ بِخِلَافٍ أَصْلِيٍّ، وَاحْتَجَجْتُ بِمِثْلِ مُجَالِدٍ، لَاحْتَجَجْتُ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ قَاطِبَةً، قَدْ خَالَفُوا عَائِشَةَ رضي الله عنها، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا كَانُوا يُثْبِتُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى رَبَّهُ، مَرَّتَيْنِ فَاتِّفَاقُ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ الِاحْتِجَاجَ بِمِثْلِ مُجَالِدٍ أَوْلَى مِنَ انْفِرَادِ عَائِشَةَ بِقَوْلٍ لَمْ يُتَابِعْهَا صَحَابِيُّ يَعْلَمُ، وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا مِنَ التَّابِعَاتِ، وَقَدْ كُنْتُ قَدِيمًا أَقُولُ: لَوْ أَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا
⦗ص: 563⦘
كَانَتْ تَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهَا ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، لَعَلِمَ كُلُّ عَالِمٍ يَفْهَمُ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَبِّي قَبْلَ أَنْ يَرَى رَبَّهُ، عز وجل، ثُمَّ تَسْمَعُ غَيْرَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى رَبَّهُ، بَعْدَ رُؤْيَتِهِ رَبَّهُ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا الْجِنْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَمْلَيْتُهَا فِي ذِكْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ