الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأقول مستعينًا بالله عز وجل: قد أشار إلى الجواب عن هذا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه قال: "لا ترْمِ أحدًا
…
". فبيَّن أن التقدير: "لا تقفُ أحدًا".
ولكن "أحدًا" حُذِف، وحَذْف المفعول إذا كان عامًّا شائع ذائع في القرآن وغيره.
وأشار بقوله مرةً: "لا تقل" إلى أن {تَقْفُ} ضُمِّن معنى "تقل"، وإذا ضُمِّن الفعل معنى فعل آخر كانت التعدية وعدمها تابعة لذلك الفعل الآخر.
وقد ذكر ابن هشام قاعدة التضمين في أواخر "المغني"
(1)
، وذكر من أمثلتها قول الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235]، وزعم أن {تَعْزِمُوا} ضُمِّن معنى تنووا، وإلا لعُدِّي بـ "على".
أقول: والأولى أن يُضمَّن معنى تعقدوا. وبذلك يُستغنى عما قيل: إن التقدير "ولا تعزموا على عقدِ عقدة النكاح" فحذف الجار والمضاف.
وذكروا أن التضمين يقدر بأن يصاغ من الفعل المطوي حالًا، وعليه فالتقدير هنا:"ولا تقفُ قائلًا ما ليس لك به علم". وقد قال الله عز وجل في قصة الإفك: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [النور: 15].
فصل
إذا لم تطمئن نفسك بأن معنى الآية إنما هو النهي عن عَضْه الناس وبَهْتهم، وترجح عندك معنى آخر يصلح لأن يستدل به المنكرون، فدونك أجوبة عن ذلك:
(1)
(ص 762 - 764).
الأول: أن كلمة {عِلْمٌ} في الآية الأولى، و {تَعْلَمُونَ} في الثانية، يحتمل أن يكون مرادًا به ما يعم اليقين والظن الغالب، نحو دليل من شأنه ذلك، والقرينة على ذلك معرفة المخاطبين أن عامة مصالح الدنيا ــ ومنها ما يتعلق بالدين ــ إنما تقوم على اعتماد الظن الغالب، وأن الله عز وجل لم يبعث رسوله ليُحرِج العباد ويُضيِّق عليهم، بل قد عرفوا قبل نزول الآية التوسعة في ذلك، وفي أمور الدين أيضًا، كإيجاب اتباع الدلائل الظنية من الكتاب ومن كلام الرسول.
كيف ولولا ذلك لكانت الآيتان مانعتين عن العمل بهما أنفسهما؛ لأن دلالتهما ظنية.
وقد قال تعالى في سياق الآية الثانية: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].
وقال تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 68].
وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80].
وهذه كلها أقوال لم يقم عليها دليل من شأنه أن يفيد الظن الغالب.
الثاني: كلمة "ما" في قوله تعالى: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} عامة،
فتخصَّص بأدلة العمل بأخبار الثقات، ولاسيما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كيف وقد خصصت بغير ذلك من النصوص إجماعًا، وذلك بجواز أو إيجاب العمل بالظن الغالب في أشياء، كالدلائل الظنية من الكتاب والسنة المعلومة، والقضاء بالشهادة، وعمل العامي بفتوى المجتهد، والاعتماد في الصلاة والصوم على الأذان، واشتراء الأشياء ممن هي في يده مع احتمال أنه سرقها أو غصبها مثلًا، واشتراء اللُّحمان مع احتمال أنها ميتة أو لحم ما لا يحل، وقتل من نراه مع العدو في صفهم إذا لم نعرف أنه مسلم، والرأي في الحرب مع ما فيه من المخاطرة بالمسلمين، وغير ذلك.
وشكك بعضهم في هذا بأن للخصم أن يقول: إنما أقبل من هذا ما ثبت وجوب العمل به بدليل قاطع، كالدلائل الظنية من القرآن، ولا أجيز تخصيص الدلائل الظنية من القرآن إلا بدليل قاطع، أو بما قام على وجوب العمل به دليل قاطع.
أقول: لا حاجة للمناقشة مع هذا، بل يكفينا هنا ما يأتي.
الثالث: أن العمل بخبر الثقة ــ ولاسيّما الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ ثابت بحجج تفيد العلم، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وعليه فالعمل به اتباعٌ للعلم. أولا ترى أن القاضي إذا قضى في الأموال مثلًا بشهادة عدلين، فقد قضى بما أنزل الله عز وجل قطعًا، وإن كان صدق الشاهدين مظنونًا فقط. فهكذا مَن عمل بخبر الثقة فيما قامت الحجة القطعية على وجوب العمل بخبر الثقة من
(1)
جنسه، والله أعلم.
(1)
في الأصل: "في".
[ص 57] فصل
وأما قول الله عز وجل: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} فإنها في موضعين من القرآن.
الأولى: في سورة يونس: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)
…
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [31 - 36].
وينبغي النظر في معناها. فأول النظر في معنى قول العرب: "أغنى".
وجدناهم يقولون: "غني زيدٌ"، بمعنى صار ذا غنى، أي: حصل له من المال ما يُعدُّ في العرف غِنًى.
ويقولون: "غني بكذا عن كذا"، مثل:"غني الطفل بالطعام عن اللبن"، أي: اجتزأ به واكتفى.
ثم يقولون:
1 -
أغنى الله زيدًا، أي: جعله ذا غنى، أي: آتاه من المال ما يُعدُّ في العرف غنى.
2 -
أغنى الله الطفل بالطعام عن اللبن. هذا بمنزلة: أشبع الله الطفل بالطعام ــ في الإسناد.
3 -
أغنى الطفلَ الطعامُ عن اللبن. وهذا بمنزلة: أشبع الطفلَ الطعامُ ــ في الإسناد.
[ص 58] ووجدناهم قالوا: "أغْنِ شرَّك عني". وأرى أصله من باب: "أغنى الله الطفل بالطعام عن اللبن". وأصله هكذا: (أغْنِ) ني (عن) دفْعِ (ي) شرَّك بدفعِك (شرَّك). فخذفوا مفعول "أغنِ"، والمضاف المجرور بـ "عن" ومفعوله، وضمَّنوا "أغنِ" معنى ادفَعْ، فاستغْنَوا بذلك عن "بدفعك".
هذا، وأكثر ما يحتاج الإنسان إلى أن يُغنيه عنه غيره: دفع المضار، إذ جلب المصالح دفعٌ لما يقابلها من المضار، فلهذا كثر هذا التركيب في الكلام، فتجده في القرآن في أكثر من ثلاثين موضعًا، تارة من باب "أغنى الله الطفل بالطعام"، وتارة من باب:"أغنى الطفلَ الطعامُ".
فمن الأول قول الله عز وجل: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101].
وقوله سبحانه: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 67].
وقوله تبارك وتعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].
وقوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [إبراهيم: 21].
وقوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [المؤمن: 47].
وقوله عز وجل: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية: 18 - 19].
وقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان: 41].
وقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10].
ومن الثاني قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116].
[ص 59] وقوله عز وجل في خطاب أهل النار: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات: 30 - 31].
وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 6 - 7].
فروع
الأول: قد علمت أن العرب نطقت بهذا الاستعمال، وجعلت لـ "أغنى عن" مفعولًا، قالوا:"أغْنِ عني شرَّك".
وقال الشاعر: .................... ............ الحِماما
(1)
وفي "الصحيح"
(2)
قصة عثمان في الصحيفة التي عُرِضت عليه، فقال:"أغْنِها عنّا".
وقد صرح بالمفعول في بعض هذه الآيات، وأصرحها آية الجاثية:
(1)
تمام البيت:
لعمرك والمنايا غالباتٌ
…
وما تُغني التميماتُ الحِمامَا
وهو لصخر الغي الهذلي في "شرح أشعار الهذليين"(1/ 287)، ولأبي مثلم الهذلي في "لسان العرب"(غنا).
(2)
البخاري (3111).
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غافر: 47]، وهو في كثير من الآيات لفظ "شيء" إما منصوبًا، وإما مجرورًا بـ "من" المؤكدة للعموم.
هذا هو الذي ينبغي اعتماده. وبعضهم يحمل لفظ "شيء" في كثير من الآيات على أنه مفعول مطلق، ويفسر بـ "شيئًا من الإغناء"، وهو تكلف لا ضرورة إليه.
وهو في كثير من الآيات اسم استفهام مقدم، كقوله عز وجل:{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 11]، وقوله حكايةً عن الكافر حين يرى العذاب:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة: 28]، وقوله سبحانه:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 1 - 2].
فـ "ما" في هذه الآيات استفهامية بمعنى "أي شيء"، والاستفهام إنكاري فيه معنى النفي.
ولا حاجة إلى جعل كلمة "ما" في الآيات نافية، لأن الفعل يخلو عن المفهوم، فإما أن يُدَّعى قصْرُه أو يُقدَّر، وكلاهما خلاف الأصل.
وكذلك في قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 5]، والمعنى: أي شيء من الكفر، كما يأتي في التي بعدها.
وقوله سبحانه: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]. والمعنى: أي شيء من الرجس وهو الكفر؛ فإن قبلها: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي} الآية.
فأما قوله تعالى: {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات: 31]، وقوله:{وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 7] فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
الثاني: كلمة "عن" ومجرورها ثابتة في أكثر الآيات، وتُرِكت في بعضها، والذي يترجح تقديرها؛ لتجري الآيات على وتيرة واحدة.
ففي قوله تعالى: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} أي عنهم، أي الكفار المتقدم ذكرهم قبلُ، أو {عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} كما في الآية الأخرى، أو "عن المكذبين المتبعين أهواءهم"؛ لأن قبلها {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} .
وإذا قلنا بتقديره في {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} فتقديره: "عن المستظل به".
وفي {وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} يقدر: "عن آكله".
الثالث: اضطربت الأقاويل في كلمة "من" التي تجيء في هذا التركيب في نحو قوله تعالى: {لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية: 19].
والذي يترجح حملها على ما بينته آية "المؤمن": {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} . فيقال في {لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} : إن تقدير المعنى: "لن يغنوا عنك شيئًا من أمر الله"، وفي آيتي "يوسف":"شيئًا من قضاء الله"، وفي آية "التحريم":"شيئًا من عذاب الله" وكذلك في آية "آل عمران".
وعلى هذا فالظاهر أن يقدر في آيتي "المرسلات" و "الغاشية": "شيئًا" أي: ولا يُغني عن المستظلِّ به شيئًا من اللهب، ولا يُغني عن آكله شيئًا من