الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفرق بينها وبين الكذب عمدًا ــ وذلك في الصورتين الأخريين ــ بالقرينة.
الفرق بين المجاز والكذب
أجمعوا على أنه لابد للمجاز من علاقة وقرينة، وإنما اختلفوا في القرينة: أركن هي أم شرط؟
ولا ريب أن الخبر إذا كان فيه مجازٌ صحيح العلاقة، ظاهر القرينة= يكون المعنى الظاهر الراجح منه هو المعنى المجازي، فإذا كان المعنى المجازي هو الواقع؛ فالخبر صدق حتمًا.
والنظر هنا في أمور:
الأول: إذا تجوَّز المخبر في نفسه ولم ينصب قرينة، فلا ريب أن ذلك لا يكون مجازًا؛ لفقد القرينة التي هي ركن أو شرط، وهل يكون حينئذٍ كذبًا؟
لا ريب أنه عند فقد القرينة يكون المعنى الظاهر الراجح غير المعنى المجازي، وأنه إذا كان ذاك الظاهر الواضح غير مطابق للواقع كان الخبر كذبًا، وقد ذكر علماء البيان في بحث الاستعارة أنها مجاز علاقته المشابهة، وأنها مبنية على دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به، وأن هذه الدعوى مبنية على تأويلٍ، وهو جعل أفراد المشبه به نوعين، على ما هو مشروح في كتب البيان.
وبعد أن ذكر السكاكي في «المفتاح» ذلك، ذكر
(1)
أن الاستعارة تفارق
(1)
راجع للنقول الآتية: «فيض الفتاح» (ج 4/ص 151 وما بعدها).
الدعوى الباطلة؛ لبناء الدعوى فيها ــ أي في الاستعارة ــ على التأويل، وتفارق الكذب بنصب القرينة المانعة عن إرادة الظاهر.
وشارحه العلامة القطب الشيرازي فسر الباطل بما يكون على خلاف الواقع، وفسر الكذب بما يكون على خلاف ما في الضمير.
وذكر السيد الجرجاني في «شرح المفتاح» أن المراد بالدعوى الباطلة الجهل المركب، قال:«وصاحبه مصرٌّ على دعوى، متبرئ عن التأويل، فضلًا عن نصب القرينة، وأن المراد بالكذب الكذب العمد، وصاحبه لا ينصب القرينة، بل يروج ظاهره، لكن لا مانع من قصد التأويل في ذهنه» .
نقل هذا عبد الحكيم في حواشي «المطول» ، ثم قال:«لا وجه لتخصيص مفارقة الاستعارة بهذين؛ فإنها تفارق الدعوى الباطلة مطلقًا .. بالتأويل، وعن الكذب مطلقًا، سواء كان عمدًا أو خطأ، بنصب القرينة» .
وقال عبد الحكيم قبل ذلك: «الأظهر عندي أن الاستعارة من حيث المعنى تشابه الدعوى الباطلة، ومن حيث اللفظ تشابه الكلام الكاذب، فتبين الفرق بأن مبنى معناها على التأويل، بخلاف الدعوى الباطلة، وأن مبنى لفظها على نصب القرينة، بخلاف الكذب» .
وذكر بعد ذلك قولهم: «رأيت اليوم حاتمًا» ، وما ذكره بعضهم من أن الاستعارة فيه مبنية على دعوى جعل المرئي عين حاتم الطائي، وقوله:«فإن المقصود من قولك: رأيت اليوم حاتمًا، أنه عين ذلك الشخص، لا أنه فرد من الجواد» .
وتعقبه عبد الحكيم قائلًا: «إن كان لا عن قصدٍ فهو غلط، وإن كان
قصدًا فإن كان بإطلاقه عليه ابتداءً فهو وضع جديد، وإن كان بمجرد ادعاء من غير تأويل فهو دعوى باطلة، وكذب محض، فلا بد من التأويل».
أقول: تفسير هذا أنك إذا رأيت رجلًا اسمه زيدٌ مثلًا، فأخبرت عن ذلك قائلًا:«رأيت اليوم حاتمًا» ، فلك أربع أحوال:
الأولى: أن تكون أردت أن تقول: «رأيت اليوم زيدًا» ، فسبق لسانك بغير قصد إلى قولك:«حاتمًا» ، فهذا هو الغلط.
الثانية: أن تكون وضعت لزيدٍ هذا الاسم «حاتم» ، كما تضع هذا الاسم لولدك مثلًا، فهذا وضع جديد.
الثالثة: أن تكون ادعيت أن زيدًا هو حاتم الطائي عينه، بدون تأويل، فهذه دعوى باطلة، وكذبٌ محضٌ.
الرابعة: أن تكون شبهت زيدًا بحاتم الطائي، وتأولت في لفظ «حاتم» ، فجعلته كأنه موضوع للجواد، سواء كان ذلك الرجل المعهود من طيء أو غيره. فهذه ــ إذا صحبتها القرينة ــ هي الاستعارة.