المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المقوم الثالث التلازم بين الحرية والمسؤولية] - الجوانب الإعلامية في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم

[سعيد بن علي ثابت]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[الفصل الأول الدلالات والمعاني والمفاهيم الإعلامية في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[توطئة الفصل الأول]

- ‌[الدلالات والمعاني والمفاهيم الإعلامية في خطبة الصفا]

- ‌[الدلالات والمعاني الإعلامية في أول خطبة جمعة للرسول صلى الله عليه]

- ‌[الدلالات والمعاني الإعلامية في خطب الغزوات]

- ‌[الدلالات والمعاني الإعلامية في خطبة حجة الوداع]

- ‌[الفصل الثاني مقومات منهج الخطاب الإعلامي في خطب الرسول صلى الله]

- ‌[المقوم الأول الثقة بالمصدر]

- ‌[المقوم الثاني العلم]

- ‌[المقوم الثالث التلازم بين الحرية والمسؤولية]

- ‌[المقوم الرابع عالمية الإعلام الإسلامي]

- ‌[المقوم الخامس التلازم بين المعنى الحق والشكل الجميل]

- ‌[الفصل الثالث أصول الإقناع في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الأصل الأول المصدر المقنع]

- ‌[الأصل الثاني الهدف من الإقناع]

- ‌[الأصل الثالث الرسالة المقنعة]

- ‌[الأصل الرابع الوسيلة المناسبة]

- ‌[الأصل الخامس مراعاة أحوال المخاطبين]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[قائمة المراجع]

الفصل: ‌[المقوم الثالث التلازم بين الحرية والمسؤولية]

[المقوم الثالث التلازم بين الحرية والمسؤولية]

المقوم الثالث: التلازم بين الحرية والمسؤولية في الإعلام الإسلامي إن القدرة على التعبير عما في الضمير من خصائص الإنسان الكبرى ، قال الله تعالى:{خَلَقَ الإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3 - 4](1) .

قال البيضاوي: (البيان هو التعبير عما في الضمير، وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي، وتعرف الحق وتعلم الشرع)(2) .

والحرية في اللغة: قيل من الحر خلاف العبد، وقيل: الحرية من حرَّ يحِرُّ حَرًّا أي بمعنى السخونة والشدة والمعاناة، وقيل: الحرية بمعنى الشرف والطيب الكريم الأصل، فالحر من الناس أخيارهم وأفضلهم ومن الأشياء أفضلها، والحقيقة أن هذه المعاني الثلاثة متقاربة، فهي في الأول تعني رفع القيد الذي يمنع الإنسان من الوصول إلى غايته ، كما تعني الخلوص من الصفات الدخيلة على الفطرة السوية، والخلوص من قيد عبودية غير الله ومن الذل، والإنسان يحتاج إلى معاناة حقيقية، حتى يحقق كرامته وعزته وسعادته في الدارين من خلال حرية الإرادة والاختيار اللذين ينسجمان مع أصل فطرته وكينونته، ومع نواميس الكون من حوله عندما يعبّد نفسه في حركته في هذه الحياة لله تعالى حتى يكون حرا وطيبا وكريما.

في الاصطلاح الإعلامي تقترب كثيرا من معناها في اللغة، (فهي إرادة الإنسان وقدرته على الاختيار والانتفاع بحرية الاتصال المحكم بشتى وسائل الإعلام وهو عطاء إلهي فطر الإنسان عليه حتى يكون عبدا لله بالحرية والاختيار، كما هو عبد له بالفطرة والاضطرار وفق الممكن من العلم

(1) سورة الرحمن، آية: 3-4.

(2)

البيضاوي، تفسير البيضاوي، جـ 2، (بيروت: دار الكتب العلمية 1408هـ) ، ص:451.

ص: 109

والقدرة على ممارسة هذا الحق انطلاقا من مسؤولية التكريم والاستخلاف وواجب البلاغ المبين، وطلبا للاستجابة والإقناع بالحق والتفاهم والتعاون على الخير في إطار عقيدة الإيمان بالله الواحد الأحد لتحقيق غايته الحقيقية) (1) .

وهذا التعريف يبين مدى التلازم بين الحرية في الرؤية الإسلامية وبين المسؤولية الإعلامية، إذ الحرية في الإسلام ليست إلزامية قسرية من خارج الذات الإنسانية، وإنما هي تنبع من ضمير الإنسان المؤمن، كما أن ضوابط المسؤولية لا تكون أمام سلطة خارجية أو قانون وإنما تكون أمام الخالق سبحانه، قال الله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18](2) . كما أن الحوار الفكري والنقد والتقويم البناء ينبغي أن يلتزم الخطاب الإعلامي فيه بالمعيار الإسلامي انطلاقا من قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36](3) . ومن هنا فإنه لا رأي في قضايا الأمة الكلية لفاسق ولا باغ ولا فاجر ولا مرتد.

كما أنه لا حرية لغير المسلمين في نقد النظام الإداري والسياسي أو الإعلامي الإسلامي وتقويمه، ولا حرية لهم في الدعوة إلى تعدد الأديان في المجتمع الإسلامي باسم حرية القول؛ لأن هذه الحرية المزعومة مرفوضة في الشريعة الإسلامية (4) .

(1) انظر: كتابي الحرية الإعلامية في ضوء الإسلام، مرجع سابق، ص: 10، 54.

(2)

سورة ق، آية:18.

(3)

سورة الأحزاب، آية:36.

(4)

انظر مزيدا من التفاصيل في هذا الجانب عند د. محمد بن سعود البشر، ضوابط الحرية في الإعلام الإسلامي، الناشر ومكان النشر بدون، 1414هـ) ، ص:43.

- وانظر: كتابي الحرية الإعلامية في ضوء الإسلام، مرجع سابق، ص:142.

ص: 110

إن الحرية مرتبطة بالمسؤولية، والمسؤوليات مهما تنوعت وتعددت منه في النهاية تصب في نهر المسؤولية الدينية التي تمنع رجل الإعلام الإسلامي من مجرد السباق المحموم من أجل السبق في الأخبار بغض النظر عن صحتها وأهميتها للمجتمع (1) كما تعطيه القوة والمنعة ليشق طريقه في الإقناع العقلي والأشياء الوجدانية السامية بعيدا عن الإثارة بهدف الإثارة فقط، ويظهر لنا ذلك جليا في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانت بداية خطبه تبدأ بالاستهلال والبداية المثيرة للانتباه، ولكن بعد هذه الاستمالة يقول الحق كاملا للناس في إطار المسؤولية التي يحملها وهي مسؤولية البلاغ المبين، وقد صرح بذلك في خطبة الصفا فحق دلالتها مبدأ البشارة والنذارة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، وفي النص الآخر:«أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا» (2) .

وظهر ذلك أيضا ضمنا في نماذج خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى ، وغني عن البيان تأثر الإعلام بالحرية المسؤولة حيث ترتبط نظريات الإعلام والاتصال بالجماهير وبناء الرأي العام بمفهوم الحرية والمسؤولية، فليس هناك نظريات محايدة ولا نظم محايدة، وإنما هناك حرية مرتبطة بمسؤولية، وكلما كانت الضوابط التي تصونها حقيقية ومنسجمة مع طبيعة الإنسان والفكر والحياة كلما أثمرت في حياة الناس، وأصبحت حقا لكل إنسان، وليست حرية القوي فقط أو الغني فقط، أو حرية الفوضوية التي لا تقيم وزنا لقيمة، فينعدم الأمن، فالحرية الحقة مرتبطة بكينونة الإنسان وفطرته ومسؤوليته في هذه الحياة، وهي إحدى الكرامات التي أكرم الله بها الإنسان، وهي

(1) انظر تفصيلا مفيدا في هذا الجانب عند د. مرعي مدكور، الصحافة الإخبارية، المسؤولية الإسلامية للمندوب الصحفي، (القاهرة: دار الصحوة، 1405هـ) ، ص:185.

(2)

انظر نص خطبة الصفا، ص: 14 من هذه الدراسة.

ص: 111

خلوص القلب من كل رق ومن كل عبودية إلا عبودية الله الواحد الأحد.

ولا يمكن لها أن تثمر في حياة الناس إلا في إطار هداية الوحي بشقيه والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 112