الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المقوم الرابع عالمية الإعلام الإسلامي]
المقوم الرابع: عالمية الإعلام الإسلامي في الواقع المعاش نظام إعلامي دولي جديد في طور التكوين، وهو يختلف عن النظام الإعلامي العالمي القديم، الذي جاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أي في أعقاب المناداة بحرية الإعلام كبديل لحرية البحار إبان عهد الاستعمار، وهو النظام الإعلامي العالمي الذي تنازعته الثنائية للنظامين الإعلاميين، النظام الليبرالي الغربي، وتمثله الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوربا واليابان وكندا وأستراليا، والنظام الاشتراكي الذي يمثله الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا وكوبا والصين، أي أن النظام الجديد هو النظام الإعلامي الدولي الذي تبلور في أعقاب سقوط النظام الشيوعي عالميا، بعد إفلاس التجربة السوفيتية والصينية وغيرها، ولذا لم يبق في الساحة الإعلامية إلا النظام الليبرالي الغربي الذي يهيمن عليه النموذج الأمريكي، والحقيقة أن هذا النظام الإعلامي العالمي سواء أكان النظام الإعلامي الاستعماري أو نظام السيطرة الثنائية الذي هيمن بعد الحرب العالمية الثانية، أو نظام القطب الواحد السائد في الواقع المعاش، كل هذه النظم تنطلق عالميتها من خلال معيار القدرة على الهيمنة والانتشار، بينما أثبت التحليل الإعلامي لخطب النبي صلى الله عليه وسلم أن في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاتصال معيارا لعالمية الإعلام غير معيار القدرة على الانتشار ، ألا وهو معيار الاهتمام بالإنسانية جمعاء انطلاقا من عالمية الإسلام ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنذير العام منذ بداية دعوته، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1 - 2](1) لذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتصال
(1) سورة المدثر، الآيتان: 1، 2.
على المستوى الدولي منذ أيام الدعوة الأولى في عهدها المكي، فخرج إلى الحبشة أناس لم يكونوا من المستضعفين الفارين بدينهم من أمثال جعفر بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، وإنما خرجوا للدعوة وللاتصال بالناس خارج الجزيرة العربية، وقد أثمر هذا الاتصال فأسلم نجاشي الحبشة، وجاء وفد الحبشة إلى مكة وهم قرابة عشرين رجلا، فلما فرغوا من مسألة الرسول صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه، فلما قاموا اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبا أحمق منكم، فقالوا سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه (1) فأنزل الله تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52](2) إلى قوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55](3) وفي خطبة حجة الوداع أسقط الرسول صلى الله عليه وسلم النظام الإعلامي الجاهلي، وأحل مكانه النظام الإعلامي الإسلامي، الذي هو كما بين سابقا جزء من النظام العام في المجتمع الإسلامي، وعندما سار الرسول صلى الله عليه وسلم لإزاحة النظام الجاهلي الروماني المهيمن على العالم في ذلك الوقت، بين الرسول في غزوة تبوك لجيشه الذي تجمع من جزيرة العرب المسلمة لأول مرة لحرب الروم ، وكسر قيد النظام الجاهلي الروماني وهيمنته
(1) انظر ابن كثير، تفسير ابن كثير، جـ 3، (بيروت: دار القرآن الكريم، 1402هـ) ، ص:18.
(2)
سورة القصص، آية:52.
(3)
سورة القصص، آية:55.
على النظام الإعلامي الدولي في ذلك الوقت، وكذا فإن غزوة تبوك - وإن لم يكن فيها نزال أو طعان - إلا أنها كانت قوة إعلامية ضخمة، أفسحت المجال أمام الاتصال الإسلامي العالمي ، حتى يسمعه الناس ولذلك نلاحظ دخول كثير من أهل الكتاب في أطراف الجزيرة في ذمة الدولة الإسلامية عندما وجدوا في الاتصال الإسلامي عملية الاهتمام بالإنسان في كل مكان، وعندما وجدوا فيه أيضا مخاطبة الإنسان وفق طبيعته التي فطره الله عليها، فهو إعلام واقعي يراعي واقع الإنسان وواقع الحياة.
ولا يخفى على المهتمين بالإعلام عدا العاملين في حقله تأثر الإعلام بالنظام العالمي والواقع المعاصر، حيث تعاني دول العالم الثالث ومنها المجتمع الإسلامي من الغبن في حق الاتصال، فهي سوق استهلاكية للنظام الإعلامي العالمي، ولا تسوق شيئا في السوق حرة يهيمن عليها القادر على الانتشار لقوته وهيمنته السياسية وقدرته المالية الضخمة، كما تعاني أيضا من الظلم في حق الخصوصية حيث تطورت آلية الاتصال وارتبطت شبكات الاتصال بنظام المعلومات (1) وهو ما نلمسه واضحا في حياتنا اليومية من التواصل الإخباري بالفاكس إلى الاتصال بالأقمار الصناعية ، وما نشاهده على شاشاتها من معلومات وأخبار لا تتسم بالأهمية للأمة، ولا بالإيجابية للبناء والتطور في مجتمعنا الإسلامي، ولا تقيم وزنا للقيم المرعية في المجتمع الإسلامي، ولا تعترف بخصوصية الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي ينعكس ذلك على قرارات ومواقف الرأي العام الذي سيأتي انعكاسا لهذه
(1) انظر: د. ر. مانيكان، تدفق المعلومات بين الدول المتقدمة والنامية، ترجمة فائق فهيم، (الرياض: دار العلوم، 1403هـ) ، ص:145.
- وانظر: سعد أديب، الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، مجلة الدراسات الإعلامية، (القاهرة: المركز العربي، 7 يناير 1994م) ، ص:15.
الثقافة الوافدة.
وتؤكد الدراسات الإعلامية أن مواد التغطية في أعداد مجلة " تايم" على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1990م تتناول في معظمها الأحداث والكوارث والجرائم والاضطرابات وعدم الاستقرار والفوضى وإبراز المظاهر السلبية والرشوة والفساد والقصور في التنمية والتطور مع تفجر العنف، وهذه التغطية مع التواضع الشديد في المساحة بالنسبة للمساحة الكلية التي تشغلها أحداث بقية العالم تعكس مشاعر غير ودية وصور زائفة تعزز العنصرية وعدم الثقة (1) .
والبديل هو النظام الإعلامي الإسلامي القائم على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في اتصاله بالناس، والذي ظهرت دلالاته في التحليل الإعلامي لخطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا التطبيق ليس بالأمر العسير، فالمملكة العربية السعودية قدمت للناس في عالمنا الإسلامي أنموذجا للحكم بشريعة الإسلام وإقامة الحدود وعلاقة الدين بالدولة، وأثبتته عمليا، وبينما كان العالم كله يتجادله ولا يزال يتمارى حول إمكانية قيام نظام إعلامي عالمي جديد حسمت المملكة العربية السعودية هذا الجدال وأصدرت سياسة إعلامية جديدة، تصلح أن تكون أساسا متينا لنظام إعلامي عالمي جديد (2) يعرف لله حقه، وللإنسان حده وقدره ، انطلاقا من عالمية الإعلام الإسلامي وفلسفته الأخلاقية التي نستلهم أسسها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في فتح مكة يوم أعلن نهاية النظام الجاهلي بكل جزئياته، وخطبة حجة الوداع التي أرسى فيها دعائم النظام الإسلامي ودفن فيها إلى الأبد النظام الجاهلي.
(1) د. راجية أحمد قنديل، أحداث العالم الثالث في التغطية الإعلامية الدولية، مجلة الدراسات الإسلامية، (القاهرة: العدد 63، 1991م) ، ص: 73-92.
(2)
د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مقدمة السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية، (الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1404هـ) ، ص: 7، 8.