الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل الثالث الرسالة المقنعة]
الأصل الثالث: الرسالة المقنعة لقد بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى، وتلا عليهم آيات ربه، وعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، ففتح الله به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا، وأنار به السبيل، وأقام به الحجة؛ ولذا فإن أي رسالة لا تداني رسالة المعصوم صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4](1) .
فكلما كانت الرسالة الاتصالية قريبة إلى الحق في مضمونها ملتزمة به في شواهدها كلما كانت ملبية لحاجات الناس المادية والمعنوية، فالثابت في الدراسات الإعلامية أن الإعلام فكرة ومنهاج ، وأن الرسالة هي العمود الفقري للعملية الإعلامية، وتزداد أهميتها كلما كان مضمونها على الحقائق الثابتة والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والأحكام السديدة، والمتتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطابه الاتصالي بالناس في خطبه كلها يدرك بجلاء ظهور هذه السمات في مضمونها وبلاغة صياغتها، والدراسات الإعلامية تؤكد فاعلية الرسالة متى توفر فيها شرطان أساسيان:
الأول: مضمون الرسالة: أي المعاني والأفكار التي تطرحها (2) - القائم على الحق والحجة والرهبة.
والثاني: صياغة الرسالة: ونعني بذلك وضعها في (كود معين)
(1) سورة النجم، آية:3.
(2)
عصام سليمان، المدخل للاتصال الجماهيري، مرجع سابق، ص:67.
واختيار الرموز ذات الدلالة الفعالة في الإقناع بالرسالة التي لها دلالة مشتركة بين القائم بالاتصال والمتلقي، وقد تكون في الغالب لغوية أو رسوم بيانية أو رسوم كاريكاتيرية أو حركة حرة أو إشارة أو غير ذلك، ثم طريقة المعالجة أو أسلوب التقديم، وإذا تتبعنا خطب الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن هناك قواعد محدودة لصياغة الرسالة أو الخطاب الاتصالي ، وأن هناك أيضا فروقا أساسية بين قواعد صياغة الرسالة الإعلامية الموجهة لأمة الدعوة كما جاء مثلا في خطبة الصفا راعى الرسول صلى الله عليه وسلم فيها إعراض المجتمع القرشي في ذلك الوقت ودرجات هذا الإعراض فساق من الشواهد والحجج المناسبة وفاصلهم على مبدأ العقيدة والتوحيد.
بينما إذا نظرنا إلى خطبة أول جمعة وما بعدها من الخطب نجد أنها موجهة غالبا لأمة الإجابة، ولذلك كانت شواهدها وحججها وغايتها تختلف عن خطبة الصفا مراعاة لأحوال المخاطبين وهم أمة الإجابة ، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الاتصال كان يطبق منهج القرآن في مخاطبة الناس، فقد كان من أهم نتائج دراسة الدكتور سيد محمد الساداتي الموسومة بوظيفة الإخبار في سورة الأنعام أن هناك قواعد لمخاطبة أمة الإجابة وأخرى لأمة الدعوة وذلك انطلاقا من طبيعة كل منهما (1) .
وتؤكد بعض الدراسات الإعلامية أنه يجب الالتزام بعدة قواعد لنجاح عملية الإقناع بالرسالة ومنها:
1 -
وضوح الرسالة وبعدها عن الرمزية والغموض: الذي يجعل العبارة تحتمل أكثر من معنى فيظهر ما يعرف بالتشويش الدلالي الذي يعد من معوقات الإقناع (2) .
(1) د. سيد محمد الساداتي، وظيفة الإخبار في سورة الأنعام، مرجع سابق، ص:569.
(2)
انظر د. عبد الغفار رشاد، دراسات في الاتصال، مرجع سابق، ص:180.
- وانظر نموذج ولبور شرام، عند الدكتورة انشراح الشال، مدخل في علم الاجتماع الإعلامي، (القاهرة: مكتبة. . . 1985م) ، ص:51.
وقد بلغ من وضوح الخطاب النبوي في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اقتنع به القريب والبعيد، ففي فتح مكة «قام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه» (1) .
وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أهمية وضوح الرسالة وفاعليتها في عملية الإقناع، فقد جاء في مقدمة صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» (2) .
2 -
الشرح والتوضيح الوافي: فالرسالة تحتاج إلى التوضيح الوافي لنجاح عملية الإقناع بها؛ ولذا كان أهم أساليب الخطاب الاتصالي النبوي التكرار، وقد ظهر أن للخطبة الواحدة أكثر من رواية بل إن بعض الخطب التي تضمنت تعاليم الإسلام مثل خطبة حجة الوداع كرر كثيرا من مضامينها في خطبة اليوم التالي خطبة يوم النحر بمسجد الخيف في منى (3) .
3 -
العرض المناسب: وتتعدد قوالب العرض بحسب طبيعة الرسالة وطبيعة الوسيلة المستخدمة لنقل رسالة معينة ، وبناء على ذلك يقوم القائم بالاتصال باختيار كم المعلومات ونوعها وترتيبها ويراعي عند ذلك الأمور التالية:
(1) انظر نص خطبة فتح مكة، ص: 4، من هذه الدراسة.
(2)
أخرجه الإمام مسلم، صحيح مسلم، مرجع سابق، جـ1، ص: 11، (المقدمة ب النهي عن الحديث بكل ما سمع) .
(3)
انظر دلالات خطبة حجة الوداع، ص: 79، من هذه الدراسة.
1 -
الالتزام بالدليل والبرهان والحجج القوية: التي تضيف إلى الموضوع ثقلا ورجوحا، وتختلف مصادر الاستشهاد تبعا لطبيعة الجمهور المستهدف، فمصادر الاستشهاد في خطبة الصفا شيء وفي خطبة حجة الوداع شيء آخر، ففي الأولى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب مجتمعا لا يقيم للوحي وزنا، ولذلك لم يستشهد بآية من كتاب الله ، وإنما أقام على الدليل العقلي، وجعلهم إذا أعرضوا عن دعوته تناقضوا مع ما يسلمون به عقليا ومنطقيا في مجتمعهم الذي أجمع على أنه صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين والحكم العدل، أما خطبة أول جمعة وخطب الغزوات وخطبة الفتح وخطبة حجة الوداع فكان الجمهور المتلقي جماعة المسلمين ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسوق الشواهد والحجج من آيات الله والوحي بشقيه.
ب - الابتعاد عن المواجهة بالمجادلة: إن مما ينفر الناس اعتراض أفكارهم وآرائهم وتسفيههم وغالبا ما تكون المجادلة المنطقية مخاصمة ومشاحنة لحاجة معرفتها عند المناطقة إلزام الخصم بالحجة ولذا يضعف فيها الإقناع. وقد أتبعت الحكمة بالحسن في قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1) إبعادا لها عن مجادلة المناطقة لأن من المناسب في عملية الإقناع الدخول بمدخل الرفق واللين وخاصة إذا كان الهدف من الرسالة دعوة الناس للدخول في دين الله.
جـ - أن يكون الموضوع مرتبا ترتيبا منطقيا بحيث يصل المتلقي إلى النتيجة في النهاية التي تهدف إليها عملية الإقناع، وهذا ما تؤكد عليه دراسات الإقناع (2) .
(1) سورة النحل، آية:125.
(2)
انظر عبد الله محمد الوشن، كيف تقنع الآخرين، مرجع سابق، ص:31.
وانظر د. محمد محمد البادي، الأسس النظرية للإقناع، مرجع سابق، ص:253.