الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل الخامس مراعاة أحوال المخاطبين]
الأصل الخامس: مراعاة أحوال المخاطبين المتلقي هو الطرف الثاني من البعد الإنساني في العملية الاتصالية، وهو المتأثر بعملية الإقناع، وقد يكون الضحية عندما تكون الرسالة الإعلامية غير نزيهة، وقد يكون هو المستفيد عندما تكون الرسالة شريفة، وقد يكون فردا أو جمهورا، وقد ظهرت كثير من النظريات الاتصالية التي تعنى بالمتلقي، وبعضها قال بحتمية التأثير ، مثل نظرية المؤثر والاستجابة (لبافلوف)(1) ولكن هذه الحتمية أثبتت الدراسات الاتصالية فشلها في الواقع؛ وذلك لأن الاستجابة عند الإنسان وإن كانت تشكل بدوافع وظروف فسيولوجية مثل الجوع والعطش وكفاءة وظروف الأعضاء من حيث صحتها ومرضها، إلا أن الاستجابة أكثر تعقيدا عند الإنسان؛ لأنها تتشكل بفعل الدوافع الفسيولوجية، ودوافع اجتماعية، وفطرة قد تأخذ شكل المعايير والقيم التي تحكم حياة الأفراد وتحكم عليها (2) ولذلك لا يمكن أن تكون الاستجابة حتمية عند الإنسان، وقد أثبت الواقع ذلك، فوسائل الإعلام الشيوعية التي طبقت هذا النموذج لم تفلح في إقناع الناس، على الرغم من أهميتها على قنوات الاتصال أكثر من نصف قرن من الزمان في تلك البلدان.
ولذلك ظهرت كثير من نظريات الاتصال التي تؤكد على أهمية
(1) جي. إي. براون، أساليب الإقناع وغسيل الدماغ، ترجمة عبد اللطيف الخياط، ط / 1، (الرياض، دار الهدى للنشر والتوزيع، 1408 هـ)، ص:113.
(2)
انظر تفصيلا في هذا الجانب عند:
د. عبد الحليم محمد السيد، علم النفس الاجتماعي والإعلامي، (الدمام: دار الإصلاح، 1979م) ، ص:27.
المتلقي ودوره الفعال في عملية الاتصال، وأصبح يقال على الاتصال: العملية الاتصالية، واهتم الدارسون في حقل الإعلام بمفهوم رجع الصدى، ومفهوم التعرض والانتقاء، والإدراك الانتقائي، والتذكر الانتقائي (1) وظهرت كثير من النظريات الحديثة التي تعتبر المتلقي فعالا في عملية الإقناع والاقتناع ، لعل أهم هذه النظريات على سبيل المثال لا الحصر: نظرية إعداد الخطة الإعلامية ، ونظرية إشباع الحاجات، ونموذج الاعتماد، ونظرية الاحتمالية.
ومثل هذه الظنون التي ظهرت في النصف الأخير من القرن العشرين كان الهدي النبوي قد توصل إلى مخاطبة الناس من خلال مؤهلات الاستجابة، ومن ذلك:
1 -
مراعاة الفروق الفردية: ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد أسلوب التكرار في حديثه وفي خطبه حتى يتمكن السامع من إدراك ما يرمي إليه.
2 -
مخاطبة عقل الإنسان ووجدانه وأشواقه والاهتمام بكل ملكاته: يدرك ذلك من ينظر في مضمون خطب الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
الرحمة بالمخاطبين: في خطبة الصفا مع عناد المجتمع الجاهلي، والرحمة بجماعة المسلمين ومراعاة ظروفهم الاجتماعية الجديدة في أول خطبة جمعة صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، ومراعاة أحوال المخاطبين النفسية في خطبة فتح مكة.
4 -
الاهتمام بالخلفية الفكرية والثقافية للجمهور المتلقي: في خطبة
(1) د. سمير محمد حسين، الإعلام والاتصال بالجماهير والرأي العام، مرجع سابق، ص: 63-98.
الصفا، وفي خطبة فتح مكة، وفي خطبة حجة الوداع.
5 -
الثقة بالجمهور المتلقي: واحترامهم وتحميلهم مسؤولية حمل البلاغ في خطبة غزوة تبوك، وفي خطبة حجة الوداع.
6 -
مراعاة الحالة النفسية للمخاطبين: في جميع خطب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك تلافيا لما يعرف بالتشويش السيكولوجي في الدراسات الاتصالية، ففي حين أن التشويش الآلي يحدث في الوسيلة، والدلالي يحدث في مضمون الرسالة؛ فإن التشويش السيكولوجي يحدث في إطار القائم بالاتصال، والمستقبل للرسالة، أي في البعد الإنساني، وقد يحدث قبل وأثناء وضع الفكرة في رمز معين، أو أثناء استقبال الرسالة وبعد فك رموزها (1) وتمثل العوامل النفسية أثناء صياغة الرسالة أو استقبالها؛ ولذا فإن الرسالة الفعالة هي القادرة على تغيير الوظائف النفسية؛ بحيث يستجيبون بوضوح، ويسلكون السلوك المرغوب فيه من قبل القائم بالاتصال؛ لأن أساس الإقناع الفعال يكمن في تعديل البنية النفسية الداخلية للأفراد؛ بحيث تقودهم إلى الاستجابة والاتجاه إلي السلوك المرغوب فيه.
وفي إطار هذه الأصول التي يؤكدها هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاتصال ، وتوصلت التجارب الإنسانية إلى فاعليتها في عملية الإقناع بالأفكار، فإنه ينبغي عند التخطيط للاتصال الناجح مراعاة أن يحدد المرسل أو المصدر هدفه من الاتصال؛ لأن تحديد الهدف يعني تحديد الوقت والجمهور المتلقي والمكان والزمان ومحتوى الرسالة وشكلها وأسلوب صياغتها، ثم يجب عليه
(1) د. انشراح الشال، مدخل في علم الاجتماع الإعلامي، مرجع سابق، ص:54.
- وانظر م. دي شور س بال روكاخ، نظريات الإعلام، ترجمة د. محمد ناجي الجوهر، ط / 1، (أربد في الأردن: دار الأمل، 1994م) ، ص:315.
أن يضع نفسه مكان المتلقي حتى يتمكن من مخاطبته وإشباع حاجاته المادية والمعنوية في إطار الالتزام بشرع الله والسنن والآيات التي تحكم الحياة الاجتماعية وتحكم عليها؛ حتى يتسنى له أن يقيم علاقات اتصالية ناجحة وفعالة مع الجمهور المتلقي الذي يتعرض له أو يتلقى رسائله، كما يجب على المصدر أن يركز على الخبرات المشتركة بينه وبين المتلقي، ويتجنب البدء بنقاط الاختلاف، وأن يكون على خبرة واسعة بالظرف الاتصالي وبيئة الاتصال الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية المرتبطة بالإطار الاجتماعي العام للمجتمع.
كما ينبغي على القائم بالاتصال في الإعلام الإسلامي أن يراعي اختيار الوسائل المناسبة للمقاصد الحسنة، حتى يتم التأثير والهدف النهائي من الاتصال، ويتم عن طريقه تغيير معلومات المستقبل واتجاهاته ثم سلوكه.
فرجل الاتصال الناجح هو الذي يخطط لذلك كله، واضعا في ذهنه الجمهور المستهدف، والهدف من الاتصال، والرسالة الفعالة المؤثرة ، والتأثير المطلوب؛ حتى يتحقق الهدف المرحلي، الذي بدوره يحقق جزءا من الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بأهداف المجتمع الإسلامي وغاياته السامية سعيا لتحقيق غاية الغايات وهي رضا الله سبحانه وتعالى، وأداء الأمانة والوفاء بواجب البلاغ المبين.