الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّريف وهي ثيّبٌ، كما قدَّمت ذلك في كل منهما مِنَ الباب الثَّالث (1).
[ابنته فاطمة]:
وأما فاطمة (2)، فمولدها في ربيع الآخر سنة سبع عشرة، وماتت كما تقدَّم قريبًا.
وحجَّت أمُّهُنَّ صُحبَةَ شيخنا في سنة خمس عشرة، وكذا حجَّت بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين بمفردها، وجاورت ومعها سبطها المشارُ إليه وهو صغيرٌ.
وحدَّثت بحضور شيخنا، قرأ عليها الفُضلاءُ، وكانت تحتفل بذلك، وتُكرم الجماعة. وقد خرَّجتُ لها "أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا"، قرأتُها عليها بحضورِهِ أيضًا. وكان أسلف لها بالإعلام بذلك على سبيل المُداعبة بقوله: قد صِرْتِ شيخةً، إلى غير ذلك ممّا يثقُلُ على النِّساء. وكانت كثيرةَ الإمداد لشيخنا العلَّامة ابن خضر، وهو الذي كان يقرأ لها "البخاري" في رجب وشعبان مِنْ كلِّ سنةٍ بالمدرسة، وتحتفل يومَ الختم بأنواعٍ مِنَ الحلوى والفاكهة وغير ذلك، ويهرعُ الكبارُ والصغار لحضور هذا اليوم، وهو قُبَيْل رمضان، بين يدي صاحب التَّرجمة. ولما مات ابن خضر قرأه لها سبطُها سنة واحدة في حياة جدِّه، وكان في أوائل ما لَبسَ زيَّ الفُقَهاء، واستمر حتى الآن.
ولم تزل على جلالتها وتصوُّنها لم تُضْبط لها هفوةٌ ولا زلَّةٌ؛ بل مات كلُّ أولادها (بين يديها)(3) فصبرت واحتَسبَت، إلى أن ماتت بعد أن كانت مِنْ مدَّةٍ أوقفت ما بقيَ مِنْ أملاكها على سبطها وذرِّيَّته. وكذا كانت رغِبَتِ له عن رزقةٍ باسمها.
وكان شيخُنا رحمه الله كثيرَ التَّبجيل لها والتَّعظيم، لا سيما وهي
(1) 1/ 500 و543.
(2)
مترجمة في الضوء اللامع 12/ 88.
(3)
ما بين قوسين ساقط مِنْ (ب).
عظيمةُ الرَّغبة فيه، بحيث إنَّه لما تسرَّى وغضبت أمُّها الست سارة، كنت معه في ذلك أخفَّ حالًا مِنْ أمِّها، وبلغني أنَّها حينئذٍ عَتِبَتْهُ. فاعتذر بميله للأولاد الذكور، فدعت عليه أن لا يُرْزَقَ ولدًا عالمًا، فتألم لذلك، وخشي مِنْ دُعائها، وقال لها: أحرقتِ قلبي، أو كما قال. حكاه لي سبطُها، وقال: إنَّها كانت مجابةَ الدُّعاء، وإنها رأت ليلةَ القدر عيانًا.
وكانت وفاتُها في يوم الثلاثاء ثاني عشري (1) في ربيع الأول سنة سبع (2) وستين وثماني مائة، وصُلِّيَ عليها بجامع المارداني، ودُفِنتْ بتربة سلفها بالقرب مِنْ الجامع المذكور عند أولادها، ولم تخلف بالنِّسبة لما كان في حوزتها إلَّا اليسير، لكونها كانت ذا عيال وحشمة، ولها مكارمُ، بحيث لا تزال تستدين وتنفقُ وتهَبُ وتعطي سِبطَها العطاءَ الجزيل، وولد ابن أختها، وسبط أختها، ومَنْ يدخلُ إليها مِنَ العجائز وغيرهن ممن يلُذْنَ بالرُّؤساء ونحوهم. ولو عاشت قليلًا، لانكشف الحال، ولكن جمَّلَ اللَّه ولطف، وما شك أنَّ ذلك حصل ببركةِ زوجها، بل مِنْ بركته أَنَّها خُطِبَتْ غير مرَّة، وأرسل لها القاضي علم الدين البُلقيني على يد ولده أبي البَقاء رحمهم الله المهر، ذاكرًا أنَّه إنما قصد صونَ بيته (3)، بجلالتها وما أشبه ذلك، فأقام عندَها المهرُ مدَّة، ويقال: إنَّها لم تكن تأبى ذلك، لكن عصمها اللَّه تعالى ببركة زوجها.
ولي في ذلك شائبة عمل، فإنِّي عند سماع ذلك حصل عندي انزعاجٌ كبير مِنْ أجل ما كان بين الشيخين رحمهما اللَّه تعالى، لا سيما وتزويجه بها يؤدي إلى سكناه بمنزله وغير ذلك، فاجتمعتُ به. وكان رحمه الله سليم الباطن، فخيَّلته بأمور أبديتُها له، فصرَّح لي بالرجوع، ولم أجد عنده هو كبير اكتراث بذلك، وإنَّما الوسائطُ هم الآفاتُ.
وبالجملة، فأراد اللَّه تعالى بها خيرًا، فإنها إن شاء اللَّه تعالى تكونُ
(1) في (أ): "عشر".
(2)
"سبع" ساقطة مِنْ (أ).
(3)
في (أ): "بيتها".