المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العلم والمقبلين علي الحديث النبوي بخصوصه إقبالًا كلِّيًّا. كلّ ذلك - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ٣

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[إحسانه للغرباء]

- ‌[برُّه لأهل مكة والمدينة:]

- ‌[برُّه بشيوخه:]

- ‌[ستره:]

- ‌[صبره على الطلبة]

- ‌[عاريته للكتب]

- ‌[اهتمامه بطلبته]

- ‌[استجلاب الخواطر]

- ‌[تواضعه:]

- ‌[انبساطه:]

- ‌[رغبته في العلم:]

- ‌[أدبه مع العلماء:]

- ‌[تهجده:]

- ‌[صومه:]

- ‌[تلاوته للقرآن:]

- ‌[عيادته المرضى:]

- ‌[محبته للصالحين:]

- ‌[اتباعه للسنَّة:]

- ‌[خوفه مِن اللَّه:]

- ‌[جمعه بين العلم والعمل:]

- ‌[برنامجه اليومي:]

- ‌[أوصافه الخِلْقيَّة:]

- ‌الباب الثامنفي سَرْد جماعةٍ ممَّن أخذ عنه دراية أو رواية

- ‌ مرضه

- ‌[مَنْ عاد ابن حجر في مرضه]:

- ‌[جنازته]:

- ‌[المنامات التي رؤيت له]:

- ‌[وصيته]:

- ‌[زوجاته وبنوه وذريته]

- ‌[زوجته أنس خاتون]:

- ‌[ابنته زين خاتون]:

- ‌[ابنته فرحة]:

- ‌[ابنته غالية]:

- ‌[ابنته رابعة]:

- ‌[ابنته فاطمة]:

- ‌[سبط ابن حجر]:

- ‌[سُرِّيَّتُه خاص ترك]:

- ‌[ابنه محمد]:

- ‌[أبناء محمد ابن الحافظ ابن حجر]:

- ‌حوراء

- ‌جويرية

- ‌لطيفة

- ‌حسين

- ‌[علي]:

- ‌[ومن زوجاته]:

- ‌[زوجته ليلى الحلبية]:

- ‌[خدمُه]:

- ‌الباب العاشرفيما علمته من مراثي أُدباء العصر فيه مرتبًا لهم على حروف المعجم

- ‌[رثاء البقاعي لابن حجر]:

- ‌الخاتمة

- ‌[كتب السيرة النبوية]:

- ‌[مناقب الأئمة الأربعة]

- ‌[سيرة الملوك والسلاطين]

- ‌آخر الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر

- ‌فهرس المصادر والمراجع الواردة في الكتاب

الفصل: العلم والمقبلين علي الحديث النبوي بخصوصه إقبالًا كلِّيًّا. كلّ ذلك

العلم والمقبلين علي الحديث النبوي بخصوصه إقبالًا كلِّيًّا. كلّ ذلك قصدًا للتنويه بالمكتوب بسببه، ورجاءً لبلوغ قصده وأربه. وكذا نوَّه بذكر أصغر خدامه مصنف "الجواهر"[بغير ما أوردته أيضًا مما](1) لا أتشاغل ببثِّه هُنا.

ويا لهفي على فراقه إلى أن ألقاه. فماذا فقدت مِنْ علم وحلمٍ وتواضع وإنصاف وبذل وبشاشة وأوصاف لا أُدرِكُ الإحاطة بها. وإذا تأمَّلت آخر قصيدة في الفصل الخامس مِنَ الباب الذي قبلَه (2)، علمتَ شدَّة تواضُعه وهضْمَ نفسِه إلى الغاية رحمةُ اللَّه عليه.

[انبساطه:]

وأما انبساطه، لا سيما في محالّ النُّزه، فمعلوم. وربما لعب الشَّطرنج، لكن في النادر جدًّا، بحيثُ لم يضبط عنه غير المرَّة والمرتين، مع كونه عاليةً فيه، يلعبُه استدبارًا. فممَّا ضبط عنه لعبُه به مع الشهاب الرِّيشي أحد جماعته بالمناوات بعد أن خطمه رخًّا (3). وزعم العالية محمد الحلوائي الملقب البُخْش، وهو مِنْ مدة تزيد على ثلاثين سنة عالية، أنَّه لعبه معه مرة سبع دسوت، فضله صاحبُ التَّرجمة بثلاثة منها، وتساويًا في باقيها، واللَّه أعلم.

وكان يلعبه مع صهره الشهاب بن مكنون في أوقات راحته. وحكى لي سبطه أنَّه لعبه بعد سنة آمد مع بعض المعتبرين. قال: وأظنه البدر بن الأمانة.

ورأيت بخطِّ بعض الأعيان مِنْ الحلبيين -كما أسلفته في الباب الثاني (4) - ما نصُّه:

وأما لطائفه وملاطفته للطلبة والإحسان إليهم، فلا تكاد تُوصف، وقد كنتُ أسمع به وبأوصافه، فلما شاهدته رأيتُه فوق ذلك.

(1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

(2)

ص 886، ومطلعها:

بني علي قد تفاقم وزره

فليس على مِنْ خاض في عرضه وزر

(3)

الرخ: مِنْ أدوات الشطرنج. قال في "القاموس".

(4)

1/ 322.

ص: 1029

كانت مُسائلة الرُّكبان تخبرني

عن أحمد بن عليٍّ أحسنَ الخبرِ

لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ

أُذني بأحسَنَ ممَّا قد رأى بصري

قلت: ومن حكاياته اللطيفة التي سمعتُها مِنْ لفظه: ما حكاه لنا عن الشَّريف البدر النَّسَّابة عم الذي أخذنا عنه، وكان مِنْ جماعته، أنَّه كان شيخ البيبرسية وناظرها، فرافع فيه الصُّوفية إلى السُّلطان، فبرز أمرُهُ بالتوجُّه لقاضي الشرع، فحضر إليه القاصدُ، فاعتذر ابن أخيه بضعفه، فلم يقل منه ذلك، وألزموه بإخراجه ومجيئه لمجلس الشرع، فحملوه، فلما جاء (1) وقع مغشيًّا عليه، فرش عليه ماء الورد، فما (2) أفاق، فقال القاضي للصُّوفية: أنتم تدَّعُون أنَّه لا يُنفق عليكم، فهو يعتذر عَن ذلك بماذا؟ فقالوا: يدَّعي العمارة، فقال لهم: أليس هو شيخ المكان؟ قالوا نعم، فقال لهم: أليس شرطُ الواقف أن يكون الشَّيخُ ناظرًا؟ قالوا: نعم، فقال لهم: إنَّ الناظر يتصرَّف كيف شاء، ولا حُكْمَ لكم عليه، فقام الشَّريف حينئذٍ سريعًا، وقال: باللَّه يا مولانا قاضي القُضاة [قل لهم](3)، فكانت مِنَ اللَّطائف، وسمع الدَّعوى عليه.

ونحو ذلك ما حكاه أيضًا عن مَنِ ادُّعِيَ عليه بمسطور، فجحد أن يكون هذا هو المكتب عليه المسطور، فتغافل القاضي عَنِ المدَّعى عليه معظمَ النَّهار، ثم نادى: يا فلان، للاسم المكتوب في المسطور الذي أنكره المدَّعى عليه، فبادر إلى الجواب غفلةً منه، فقال للمدَّعي: قم فادَّع عليه.

قلت: وقد بلغنا عن القاضي بكَّار أنَّه دخل عليه بعضُ أُمنائه (4) وهو مخرَّقُ الثِّياب، فقال له: بعثتني لأحفظ تركة فلان، فصنع بي جارُه هذا، فأمر بإحضاره، فأحضر، فقال له: أنت صنعت هذا بأميني؟ قال: نعم، فقال للأعوان: خُذوه، فأخذوه فسقط ميتًا، فدهِشَ القاضي، فقال له أمناؤه، لا تخف، فقد مات اليوم هكذا مرَّتين! فاستوى الرَّجُلُ جالسًا، وقال: كذبوا

(1)"جاء" ساقطة مِنْ (ب).

(2)

في (أ): "فلما".

(3)

ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ)، وفي (ب):"قل له".

(4)

في (ب): "أبنائه".

ص: 1030

واللَّه ما مِتُّ إلَّا السَّاعة، وعاد فرقد! فجعل بكَّارُ يرشُّ عليه الماءَ وَرْدٍ ويُشمُّه الكافُورَ، ويرْفُق به ويعِدُه، إلى أن قام، فصرفه وأقبل إلى (1) أعوانه، فقال: هدَّدتموه وجرَّرْتُموه، فلو وافق أجله؟

ومنها ما أثبته، قال: دخل أبو محمد بن حمدون النَّديم مع المعتضد الزَّلَّاقة، فأمر بلقاط الرُّطَب، فلما قُدِّمَ إليه، قال للقَيِّم: ما اسم هذا اللون مِنَ الرُّطب؟ قال بَرْشُوما يا أمير المؤمنين، فأمر به فضُرِبَ ستمائة سوط، وطرح في جانب البستان، فلما قُدِّم الطَّعام، كان فيما قُدِّمَ المغمومة، فقال: يا ابن حمدون، ما اسم هذا اللَّون مِنَ الطَّبيخ؟ قال: المسرورة يا أمير المؤمنين: فقال: مَنْ علَّمك هذا؟ قال: المطروح في جانب البستان.

وسمعته يحكي عَنْ بعضهم، قال إذا تزوج الشَّيخ شابَّة، فرح صبيان الخِطَّة.

وعن بعض الولاة المغفَّلين أنَّه أُتي بمخنَّث، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مخنَّث يُنْكَحْ كما تُنْكَحُ المرأةُ، فقال: هو يبذلُ نفسَه وأحظُرُها أنا عليه؟! اذهب يا ابن أخي فارتَدْ لاستك!.

وعن بعض المصحِّفين ممَّن قرأ كتاب بعض الولاة لنائب له في جهةٍ مِنْ جهاته، وفيه أمرُه بأن يُحصي مَنْ قِبَلَه مِنَ المُخَنَّثين، قالها بالخاء، فكادوا أن يهلكوا، لكن فرَّجَ اللَّه عنهم بالاطلاع على تصحيف اللَّفظة. قلت: ويُقال: إنَّه لم يطَّلع على تصحيفها إلَّا بعد الفعل، ولذلك قال بعضُ الشعراء:

ما رأينا ضربةً مِنْ بطلٍ

بحسام برأت ألف قَلَمْ

بل رأينا نُقْطَةً مِنْ قَلَمٍ

في سِجِلِّ نكَّسَتْ ألفَ عَلَمْ

وكان رحمه الله إذا سمع مِنْ يصخب في البحث يحكي حكايةً فيها أن الصَّوابَ مع الأسَدِّ لا مع الأشَدِّ.

ومن لطيف حكاياته مما سمعتُه منه، قال: بينما جماعة بمصر -وأظنُّ أنَّه حكى لنا أنَّه كان فيهم- إذ جاء إليهم شخص، ولعله نشأ ببادية بعيدة وهو مذعور، وقد رأى البُلقيني وهو يدِّرسُ في حلقته بالبرقوقية، فقال:

(1) في (ب، ط): "على".

ص: 1031

رأيتُ اليوم عجبًا، وما سلَّمني مِنْ القتل إلا اللَّه تعالى! كنتُ بالقاهرة، فطلعتُ الجامع الذي بناه السلطان -يعني البرقوقية- فأجدُ خَلقًا قد ملؤوا إيوانها (1) الكبير، وشخصٌ في صدر المكان يصيحُ عليهم، وهم يضاربونه بأجمعهم، إلى أن تعبوا مِنَ الكلام، ثم قام كلُّ واحدٍ منهم إلى نعلٍ، فأخذه، وجئتُ قبل تمام الوقعة!.

ثم يحكي عقبها سواء حكاية أظن أنها قديمة تُشبهها، وهي أن آخرَ مثلُ الأول قال: دخلتُ جامعًا، فأجِدُ شخصًا على مكانٍ مرتفع وبيده سيفٌ وهو يشتمُ مَنْ بينَ يديه ويحتدُّ عليهم، وهم سكوتٌ، وربما بكى بعضُهم مِنْ شدَّة الخوف، إلى أن تعِبَ، فنزل إليهم والسَّيف في يده، فقاموا إليه بأجمعهم ليقاتلوه، وفارقتهم قبل تمام الوقعة!.

وحكى لنا أيضًا أنَّ شخصًا سمع الخطيب يقول: حديث "لا يدخل الجنَّة قتات"، فشرع يبكي وينتحبُ، فسأله مَنْ بجانبه: لماذا؟ فقال: أنا حِرْفتي بيعُ القتِّ، وقد قال الخطيب ما سمعتَ! فقال: إنَّما معناه النَّمام.

قلت: وهذه الحكاية رأيتها في ترجمة الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد اللَّه بن الحبَّال، قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعته يقول: كنَّا يومًا نقرأ على شيخٍ جزءًا، فقرأنا قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يدخُلُ الجنَّة قتَّات". وكان في الجماعة رجلٌ يبيعُ القتَّ، وهو علفُ الدَّوابِّ، فقام وبكى، وقال: أتوب إلى اللَّه مِنْ بيع القتِّ، فقيل له: ليس هو الذي يبيع القتَّ، ولكنَّه النَّمَّام الذي ينقُلُ الحديثَ مِنْ قومٍ إلى قومٍ، فسكن بكاؤه، وطابت نفسُه.

وحكى لنا أيضًا أن بعضهم جلس ليبُول، فوقف بالقرب منه شخصٌ، فقال له: منعتني نفع بولتي بوقوفك، فإنَّ الحياء منك يمنعني (2) مِنْ إخراج الريح.

قلت: وهذا مرويٌّ عن حُميد بن هلال، فروى الحسن بن قتيبة المدائني عن الحسن بن دينار -أحد الضعفاء- قال: حدثنا حميد بن هلال،

(1) في (ط): "أبوابها"، تحريف.

(2)

في (ب، ط): "منعني".

ص: 1032

قال: ذهب رجلٌ يبول، فتبعه رجلٌ، فقال له: حرمتني بركة بولي. قال (1): وما بركةُ البَوْلِ؟ قال: الفَسْوَةُ والضَّرطَةُ!.

وقد روى سعيد بن منصور في "سننه" مِنْ طريق سوادَةَ بن هانىء، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا خرج رجلان جميعًا لإهراقة الماء، فليتنحَّ أحدُهما عَنْ صاحبه، فإن الرَّجُلَ يتنفَّسُ.

وحكى لنا أيضًا أن بعض أهل البوادي رُؤي في الصَّيف وهو يغتسِلُ، فصار كلَّما غطَسَ ورفع رأسه، حلَّ عُقدَةً مِنْ خيطٍ كان معه، وأنه كرَّر ذلك مرارًا، فسُئِلَ عَنْ سبب ذلك، فقال: كنتُ في الشِّتاء كلَّما وجبَ عليَّ غُسلٌ، عقدت عُقدَةً، فأنا في هذا الوقت أُوفي بجميع ما عليَّ مِنْ ذلك!

وحكى لنا غيرَ مرَّةٍ عن ناصر الدين بن صُغَيْر الطبيب (2) أنَّ الصَّفدي قال له: لو جلست على دُكَّان عطَّار، لارتفقت بذلك. فقال له: يا مولانا، هؤلاء النِّساء، إن لكم يكنِ الطبيبُ يهوديًّا شيخًا مائل الرَّقبة، سائل اللُّعاب، لم يكن لهُنَّ عليه إقبالٌ.

ومما سمعته يحكيه -مما في ظني أنَّه عزاه لبعض التَّواريخ، وأهابُ تسميته قبل الوقوف عليها- أن ثلاثةً مِنَ الحُدبان كانوا إخوةً في الشكل والطُّول (3) والهيئة واللُّبس، أحبَّ بعضُ النَّاس مبيتهم عنده بداره للتَّفرُّج على هيئتهم وسماع ألفاظهم، ففعل ذلك، وعند تمام الأرب منهم أدخلهم في شونةٍ (4) عنده ممتلئة تبنًا ليبيتوا بها، فانهار عليهم التِّبْنُ، فأصبحوا لا حياة بهم، فخيف مِنْ غائلة ذلك، فأعمَلَتْ جاريةً مِنْ جوار المنزل الحيلة في إخراجهم بأن أرغَبَتْ بعض السَّقَّائين، وقالت له: عندنا شخصٌ أحدبُ توفي

(1) في (أ): "قلت"، والمثبت مِنْ (ب)، حيث كتبت الحكاية بهامشها بخط المصنف.

(2)

هو ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن صغير، ولد سنة 691 هـ وتوفي سنة 749 هـ مترجم في الدرر الكامنة 4/ 190 - 191 نقلًا عن أعيان العصر للصفدي، وفيهما الحكاية. وترجمه الصفدي أيضًا في الوافي بالوفيات 1/ 258 باختصار.

(3)

"والطول" ساقطة مِنْ (ب).

(4)

قال في القاموس: الشَّوْنَة: مخزن الغلَّة.

ص: 1033

بسقوط التِّبْنِ عليه، ولا نحبُّ العلمَ به خوفًا مِنْ غائلته. فهل لك أن تُعمل الفكر في إلقائه في البحر ولك دينارٌ؟ فقال: نعم، فأخذه ولفَّه في عباءته، وألقاه على ظهر الجمل إلى أن وصل به إلى البحر في السَّلامة، فألقاه فيه ورجع، فبادرت قبل مجيئه لإخراج الثَّاني، وقالت له عندما رام أخذَ جُعْلِه: هذا هو قد سَبَقَكَ! فما شكَّ في صِدقها، لكونه -كما قدَّمنا- شبيهًا له، وأخذه ففعل به ما فعل بالثَّاني. وهكذا فعلت بالثالث، وقاسى غلبة في ذلك!.

هذا معنى ما سمعتُه، وهي هزليَّةٌ، وتمامها، وهو غاية في الظَّرفِ، لكن الغالب الظَّنِّ أنَّها مُفتَعَلَةٌ: أن السَّقاء عند فراغه مِنَ الثالث وطلوعه مِنْ البحر، وجد بعضَ الحُدْبَانِ وهو ماشٍ بين يديه ومعه إبريقٌ كأنه كان يتوضَّأ، فأدركه بعزم قويٍّ (1) واقتلعه مِنَ الأرض قائلا له: إلى متى تتبعُني في هذا اليوم، قد مسكتُك، ولم يزل به حتى ألقاه في البحر وهو يصيح، فلا قوة إلا باللَّه، وأستغفر اللَّه تعالى مِنْ حكاية مثل هذا.

وكذا سمعته غير مرة يحكي أنَّ بعضهم حكى أنَّ بعض البلدان يتشجَّر النَّعنع حتَّى يعمَل مِنْ خشبه السَّلالم، فقال له بعضُهم: أغربُ مِنْ هذا زوجُ حمام راعِبِيٍّ، يبيضُ في كلِّ نيفٍ وعشرين يومًا بيضتين، فأنتزعهما مِنْ تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين، فإذا انتهت مدَّةُ الحضان، تفقَّسَت الصنجتان عن طَشْتٍ وإبريقٍ أو سطلٍ وكرنيب. قال: وإنَّما أراد الثاني المبالغة، مشيرًا إلى كذِبِ الأول.

قلت: وهاتان الحكايتان رأيتهما في ترجمة صاحب "الأغاني" أبي الفرج علي بن الحسين بن محمَّد بن أحمد بن الهيثم الأصبهاني.

وقريبُ الشَّبَه مِنْ هذا: أنَّ بعض الجماعة مِمَّن يُعْرَفُ بالمجازفة مِنْ الحلبيين [حكى أنَّ عندهم بحلب](2) مِنْ اجتمع مِنْ أولاده الذُّكور تسعة

(1)"قوي" ساقطة مِنْ (أ).

(2)

ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط).

ص: 1034

وثلاثون وتكملة الأربعين (1) أنثى، فقال بعضُ الحاضرين: وأغربُ مِنْ هذا. . . وشرع يحكي شيئًا، وكان ذلك بين يدي صاحب التَّرجمة، فضحك وقام إلى الصلاة، قصدًا لقطع ذلك.

ومما أثبته قال: رفع رجلٌ قُصَّةً إلى القاضي الفاضل بخطٍّ ضعيف، رافعها اسمه شعيب، فكتب عليها {يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} ويا خطه:{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91]. فانظر لنا مَنْ يقرأ ما تكتب، أو يكتُبُ ما نقرأ، والسلام.

وممَّا سمعته أنَّ خطيبًا [ببعض القرى](2) استضافَ شخصًا، فأقام عنده أيامًا، ثم قال له الخطيبُ: لي مدَّةٌ إصلِّي بأهل هذه القرية، وقد أشكل عليَّ مِنَ القرآن مواضع، فأحبُّ أن أسألك عنها، فقال: سل، فقال: في الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ} . فما الكلمة التي بعدها. هل هي سبعين أو تسعين؟ أشكل عليَّ أمرها، فانا أقولُها (تسعين) عملًا بالاحتياط!.

[قلت (3): وهذه الحكاية أسندها ابن الجوزي، فقال: حدثنا أبو البركات محمد بن علي بن محمَّد بن أحمد بن الرُّومي، أنَّ رجلًا مِنَ النَّاس مضى إلى قرية، فلقيه خطيئها فضافه، فأقام عنده أيامًا، فقال له الخطب: لي مدّة أُصلِّي بهؤلاء، وقد أشكل عليَّ في القرآن مواضع. قال: سل عنها. قال: في "الحمد" {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ}، أي شيء: "تسعين" أو "سبعين"، أشكلت عليَّ، فأنا أقولُها "تسعين" عملًا بالاحتياط! حكاها ابنُ النَّجار في ترجمة ابن الرومي].

وأنشد رحمه الله مرَّةً يخاطب بعضَ الطَّلبة عن شيخه العلاء ابن أبي المجد قراءة عن العلاء بن المظفَّر الوداعي، وكان خاتمة أصحابه بالإجازة قوله:

متى أراه خلفه

عاتٍ مِنْ الأقوام عادي

(1) في (أ): "الأربعون" خطأ.

(2)

ساقطة مِنْ (ط).

(3)

ما بين حاصرتين لم يرد في (ط)، وورد في هامش (ب، ح) بخط المصنف.

ص: 1035

ونداؤه: هذا جزاء

فأقول قد صدق المنادي

وبقي يخاطبه بقوله: "هذا جزاء"، والطالب لا يفهم، بل صار يعيدُها تبعًا لشيخنا دون فهم المقصود، فإنه لو فهمه ما ذكره.

وقد قال محمَّد بن إسحاق صاحبُ "المغازي" فيما رويناه في "النوادر والنُّتَف" لأبي الشَّيخ ابن حيَّان الحافظ: يعجبني مِنَ القُّراء كل ضحَّاك بسَّام، طلْقُ الوَجْهِ، ليس الذي تلقاه ببشاشةٍ ويلقاك بوجه عبُوسٍ، يمتَنُّ عليك بعلمه، لا أكثر اللَّه في القُرَّاء مثل ذلك.

وممَّا رأيته مما هو دالٌّ على لُطف ذاته وجميل عِشْرَتِه: أنَّني بينما أنا أقرأ عليه بعضَ عواليه في بعض اللَّيالي على العادة، إذ حضر بعضُ أصحابه وهو العلَّامة نور الدين بن سالم، وكنتُ أنا وإياه وسط النَّهار بين يدي شيخنا، سمع معي (1) شيئًا ممَّا (2) قرأته، فعندما رآه شيخُنا مقبلا أشار إليَّ أن إذا أمرتك بالإعادة، لا تفعل، ووصل فجلس، فقال له شيخ الإِسلام: ما هذا الحال، تغيب عن السَّماع في هذا المرويِّ العالي؟ فالتفت إليَّ، وقال: لِمَ لَمْ تُعلمني بذلك حيث كنت أنا وإياك السَّاعة؟ فلم أُجِبه وصِرتُ أقرأ وشيخُنا يبالغ في وصفه بالتَّقصير عن تفويت مثل ذلك، وهو -أعني ابن سالم- يحثُّ عليَّ في الإعادة، ولا أجيبه بكلمة إلى أن تعبَ، فقال لشيخنا: قل له يفعل، ففعل لكنِّي امتثلتُ إشارته السَّابقة، وصِرْتُ في خجل. كلُّ هذا بأدنى إشارة، مع سكون وإطراقٍ وعدم مزيد حركة، ممَّا لا أستطيعُ التَّعبير عنه.

وكان رحمه الله يخصُّ ابن سالم مِنْ ذلك بما لم أره يُكثر فعله مع غيره. رأيته عند سفر ابن سالم إلى صفد -وما التقيا بعدها في غالب الظَّنِّ- وشيخُنا يقولُ له: يا شيخ فلان، شيخك ابنُ الكُوَيْك يروي "الشفا" غايةً في العُلوِّ، فما كان بأسرع مِنْ إخراجه الدَّواة والقلم، وشرع يستملي منه ذلك، فأخذ يتلاهى عنه، تارةً بالبحث والتقرير، وتارة بالكتابة على

(1)"معي" ساقطة مِنْ (أ).

(2)

في (أ): "ما".

ص: 1036

الفتاوى، وتارة بغير ذلك، وهو يحترقُ ويلِحُّ في الطَّلب، فما احتملتُ أنا ذلك، وكنت بجانبه سواء، فأمليتُه مِنْ حفظي السَّندَ المشارَ إليه سرًّا، وما خطر لي أن يُعلمه بذلك، فبمجرّد تمامه قال: قُضيَ الأمر وبطَلت الحاجة! فقال له: كيف؟ فأشار إليَّ، فأظهر سُرورًا بذلك.

وبينهما مِنَ المُلاطفات غيرُ ذلك. ومع هذا كلِّه، فقد قال له (1) مرَّةً في حالة مرافقته له في السَّفر إلى آمد، عندما تكرَّر منه كَثْرَةُ صبِّ الماءِ والتَّمادي في الوضوء لوسواسٍ كان عنده، وكذا في تكرار النِّيَّة عند الإحرام بالصَّلاة حتى يكاد يخرجُ وقت الصَّلاة، واحتدَّ عليه: متى عدتُ أراك تفعلُ هكذا، ضربتُ عُنقَك! وإنَّما قاله رحمه الله مبالغةً، فأجابه بقوله: عجيبٌ، كيف يصير ابنُ سالمٍ عاطبًا! فتبسم شيخنا.

وكان لابن سالم مُمَاجناتٌ كثيرة، مع فهم جيِّدٍ وعلم، وقد قرأ على شيخنا في "النَّسائي الكبير"، مع كونه رفيقًا له في سماعه فيه على ابن الكُويك، لكن لجلالته عنده واحتياجه (2) لضَبْطِ المتون السَّند، والتفقُّه في الحديث، ولغير ذلك، رحمه الله وإيانا.

وكذا كان كثير المماجَنَةِ مع الشِّهاب الرِّيشي، أحدِ جماعته، سمعتُ الرِّيشي يحكي مرَّةً عن شيءٍ أدركه ممَّا اتَّفق قديمًا، فقال شيخنا رحمه اللَّه تعالى:"حاسبُوهم بالتَّاريخ"، ثم أسرَّ قوله:"تجدوهم كذَّابين".

وكثيرًا ما سمعتُه يقول: لا يزال العاميُّ يدِّعي الصِّبا، ويغضبُ ممَّن يصفُه بغيره حتى يزاحم الخمسين، فإذا بلغ ذلك أخذ (3) يتمشيخ ويبالغ ويقول لمن دُونَه في السِّنِّ ما الذي رأيت؟ أنا رأيتُ السُّلطان الفلاني، واتَّفق كذا، وأكلت كَيْتَ وكَيْت بكذا، وما أشبه ذلك، وربما يدَّعي بعضُهم مجاوزة المائة، وإذا حقق الأمرَ فيه، لا يزيد على السَّبعين، ولهذا كان يمنع

(1) في (أ): "لى"، خطأ.

(2)

في (ط): "واخياطه".

(3)

"أخذ" ساقطة مِنْ (أ).

ص: 1037

مِنْ الأخذِ عمَّن يدَّعي السِّنَّ، أو يدَّعي له مِنَ العوام ونحوهم ممَّن لو صحَّت الدَّعوى منه (1)، لدخل في عموم إجازة القُدماء، وهو متعيِّنٌ.

وذكرت هذه الحكاية استطردًا لقوله: "حاسبوهم بالتاريخ"(2).

وقال للشِّهاب الرِّيشي مرَّةً وهو جالسٌ في محراب المنكوتمرية، والشهاب بحذاء المحراب أيضًا يا شهابَ الدِّين، هل تعرفُ في القرآن "الرَّحيم الرحمن"؟ فبادر إلى إنكار ذلك، مع كونه ماهرًا في حفظ القرآن، بل ومِنَ القُرَّاء واستمر يبالغُ في الإنكار وشيخنا ساكتٌ وهو (3) يكثر التَّبسُّمَ، وأطال في ذلك، فقال له: يا شهاب، ارفع رأسَكَ وانظر تُجاهَكَ، فرفع رأسه، قرأى بصدر الإيوان المقابل له مكتوبًا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} ، فكانت مِنَ الفوائد الجليلة، واستحسنها الجماعة.

وعندي مِنْ خفَّةِ خاطره، وحلاوة نادرته، ولطافة طبعه، الذي إذا وقعت لها الكلمةُ الزَّائدةُ المستحسنة لا يسكت عنها، أمرًا عجبًا، وتجد كلَّ واحدٍ مِنْ جماعته يحفظُ مِنْ ذلك ما لا يحفظُه الآخرُ، فرحمه اللَّه وإيانا. آمين.

ومِنْ ذلك: أنَّ سائلًا رفع له قُصَّةً يلتمَسُ شيئًا مِنْ مبرَّاته، فكتب له عليها بقدرٍ، ثم جاءه (4) بعد قليل بقُصَّةٍ أيضًا، ظانًّا أنَّه يَخْفَى عليه قُرْبُ مجيئه، فكتب له بهامشها:

إذا ما جَنَيْتَ جنى نَخْلَةٍ

فلا تَقْرَبَنهَا إلى قابِلِ

ونحو هذا: أنَّه عزل أحدَ نوَّابه شمس الدين بن خيرة، فتوسَّل عنده

(1)"منه" ساقطة مِنْ (ط)،

(2)

"بالتاريخ" ساقطة مِنْ (ب).

(3)

"وهو" ساقطة مِنْ (ب، ط).

(4)

في (أ): "جاؤوا".

ص: 1038

في عَوْده بحارة الأمير يشبك فأجابه، لكن عيَّن له الجلوس بمجلس الهلالية بالدَّجاجين، ليكون مبعدًا عن أميره المشار إليه، فلم يقنع بذلك، وتوسَّل ثانيًا بالأمير المذكور، فكتب له:

إذا أنت لم تقنَعْ ورُمْتَ زيادَةً

ندِمْتَ ولم تأمَنْ زوالَ الذي حَصَلْ

وقريب مِنْ ذلك: أن أحد النُّوَّاب، الشِّهاب أحمد بن محمَّد بن الدقاق المصري، حضر إليه حين عودهِ للقضاء في بعض المرَّات، يلتمسُ استنابتَه على العادة، فوجد جَمعًا مِنَ النُّواب قد سبقوه إليه، فقضى أربهم، ودخل إلى منزله، فسيَّر إليه (1) قصَّته مع بعض الخُدَّام، فعاد بها بدون الغَرَضِ، فجهَّزها له ثانيًا بعد أن كتب فيها ما معناه: إنَّه إن لم تقض حاجته شكا إلى الفُقراء، فأجابه بما نصُّه: أمَّا ابن الدقَّاق، ففاتته الدقة، فإنه غاب، ومَنْ غاب خاب، وأكل نصيبه الأصحاب، وما مَثَلي ومثَلُه إلا كمثل رجل جاء إلى الطَّحان بزَنبيله، فقال: قدِّمني على غيري، وإلَّا أدعو عليك يَنكَسِرْ حَجَرُكَ وتموتُ دوابُّك، فقال: إن كنتَ مستجابَ الدَّعوة، فادعو لقمحك يبقى دقيقًا.

ومنه فيما بلغني: أنَّ شخصًا به حَوَلٌ مِمَّن كان يعارض (2) المجاورين بالأزهر، فصاروا يكتبون له بحائط محلِّ جلوسه: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فاستفتى صاحب التَّرجمة عن ذلك، ورام أن يجيبه بتعزير فاعِلِه، فكتب له ما نصُّه: لا حول ولا قوَّة إلا باللَّه كنزٌ مِنْ كنوزُ الجنَّة.

ومنه: أن بعضَ الطَّلبة قرأ: "وله حُصَاص"(3)، أعجم أوَّله، فردَّ عليه بقوله:"حاء"، فكانت مِنَ اللَّطائف.

وكان مرَّةً يفرِّقُ على الفقراء دراهمَ، لكلِّ شخصٍ درهمًا، فجاءتهُ امرأةٌ مِنَ الفُقراء مِنْ شُبَّاك المدرسة وهو جالس بها، فقالت له وهي رافعة

(1)"له" ساقطة مِنْ (ب، ط).

(2)

في (أ): "يعارضه".

(3)

يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذنَّ المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص".

والحصاص: الضُراط. انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 90.

ص: 1039

سبَّابتها: يا سيِّدي وُحَيِّد، فقال مِنْ غير أن يُسْمِعَها: توجَّهي لبعلِك.

واجْتَازت امرأةٌ أخرى ولها رائحةٌ عطِرَةٌ، فقال له شخصٌ بجانبه كالمُنكِرِ عليها: انظرُ إلى هذه الرَّائحة، فقال له: رايحة جَايَة.

وكنَّا معه في الدَّرس بالمقعد، فقام الهواءُ، بحيثُ طارت أوراقُ بعضِ الحاضرين مِنْ بين يديه، وكان في المجلس الشَّيخ حسين الشيرازي العجمي -عرف بالفتحي (1) - فقال مخاطبًا لصاحب الأوراق: يا شيخ ثقِّل، فقال له صاحبُ التَّرجمة: بعد العصر.

وحضر إجلاسًا لناصر الدين بن السَّفَّاح، فقال لعمِّه -وهو كاتب السِّرِّ إذ ذاك- بعد فراغه مِنَ المجلس: واللَّه يَسْرُد مليح.

وجلس مع رفقته مِنْ قُضاة المذاهب (2) وغيرهم وهم راجعون مِنَ السَّفر إلى آمد، فذكر كلُّ واحدٍ منهم ما يحتجُ لشرائه مِنَ القماش ونحوه هديَّةً لأهله وغيرهم، فقال واحدٌ منهم: أمَّا أنا، فأشتري لهم حِمْلَ جوز ولوز وزبيب وتين (3)، فقال له صاحبُ التَّرجمة بديهة: هذه هدية عزَّة، فاستحسنها الحاضرون، لأنَّ تصحيفها "عُرَّة".

ووقف إليه شخصٌ مِنَ الشُّطَّار، فقال له بلفظه المألوف: اللَّه يسعدك. فالتفت إليه مباسطًا له، قائلًا: أيش أنت، فقال خثعم، فقال له: إنهم وسَّطوه، فقال الشَّاطر: إنَّه نَبَتَ.

وسمعته يحكي قضية (4) العِرْسِ وتغطيته، ومجيء أمِّه ودورانها حول ابنها ترجو إطلاقه، وأنَّه طال ذلك عليها، فبادرت وأحضرت في فمها دينارًا، ثم آخر، ثمَّ آخر حتَّى استوفت عددًا، وأنَّها جاءت بالخِرْقَةِ بعد ذلك، إشارة إلى فراغ ما عندها، فأطلق بعدَ ذلك. لكن ما علمتُ هل

(1) في (ط): "الشهير بالفتحي".

(2)

في (أ): "المذهب".

(3)

"وتين" ساقطة مِنْ (أ).

(4)

في (أ): "قصة".

ص: 1040

حكاها أنها اتَّفَقَتْ له أو للبدر البشْتَكي أو لمن تقدَّم.

ثم رأيتُها في ترجمة محمَّد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور بن الخاضِبَة مِنْ "ذيل تاريخ بغداد"، قال: كنتُ ليلةً أنسخُ وأنا في ضيقٍ، وبعد مُضيِّ قطعةٍ مِنَ الليل، خرجت فأرةٌ ثمَّ أخرى، فكانا يمرحان ويلعبان، ودنت إحداهما منِّي، فالقيت عليها طاسةً، فجاءت صاحبتُها، فجعلت تشمُّ الطَّاسة وتضرِبُ نفسَها عليها إلى أن أعيت، فذهبت [فدخلت سِرْبَها](1)، ثم رجعت بعد ساعة وفي فمها دينارٌ، فألقته ومكثت ساعةً تنظرُ إليَّ، وأنا مُتشاغِلٌ عنها بالنَّسخ، ثم ذهبت إلى مكانها أيضًا وجاءت بدينارٍ آخر، إلى أن أحضرت خمسة أو أربعةً، وفي الآخر أطالت المُكْثَ والنَّظَرَ إليَّ وأنا متشاغِلُ عنها، ثم ذهبت إلى سِرْبها أيضًا، ثم رجعت وفي فمها جُلَيْدَةٌ، فوضعتها فوقَ الدَّنانير، ففهِمْتُ أنَّه لم يَبقَ عندها شيءٌ، فرفَعتُ الطَّاسة، فقفزا ودخلا السِّربَ، فقمْتُ وأخذتُ الدَّنانير فأنفقتُها. وكانت زِنَة كلِّ واحدٍ دينار وربع.

ويُروى أنَّ المقدادَ ذهب لحاجته ببقيع الخَبْخَبَة، فإذا جُرذٌ يخْرِج مِنْ جُحْرٍ دينارًا، ثمَّ لم يزل يُخْرِجُ دينارًا دينارًا حتى أخرج سبعة عشر، ثمَّ أخرج خِرْقةً حمراء وفيها دينار آخر. فقدِمْتُ بها إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"هل خرَّبت الجحر"؟ قال: لا، فقال:"باركَ اللَّه لك فيها"(2).

وكذا حكى لنا قضية البراغيث وجَعْلِها في وعاء مختوم عليه في انقلابهم تُرابًا، ثم براغيث، وما تحققت الحكاية على وجهها أيضًا.

وحكى لي العلَّامةُ الشِّهاب الحجازي، قال: كنتُ أقرأُ بشباك الخانقاه البيبرسية في وظيفتي مع الجماعة على العادة، فصادف اجتياز صاحبِ التَّرجمة وابن يعقُوب في خدمته عند قراءتنا:{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 6] فحرَّك رأسَه، ثم إنَّني لقيتُه بعد ذلك، فسألني: هل كان ذلك قصدًا أو اتِّفاقًا؟ قال: فحلفتُ له بالطَّلاق أنَّه اتِّفاقًا.

(1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

(2)

انظر: سنن أبي داود رقم (3087)، وسنن ابن ماجه رقم (2508).

ص: 1041