الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جيِّدةً، مِنَ "الاستيعاب" لابن عبد البرِّ في ستة أسفار أو أكثر، وكذا نسخة متقنة "بصحيح مسلم" في مجلد، إلى غير ذلك ممَّا يطول شرحه.
وأعلى مِنْ هذا كلِّه: أنَّ البدر العيني لمَّا شرع في "شرح البخاري"، رام استعارة "شرح" صاحب التَّرجمة مِنْ شيخنا البرهان ابن خضر، فتوقَّف حتى استأذنه، فأذِنَ له رغبةً في عموم النفع. هذا مع ما كان سلَفَ مِنَ البدر ممَّا ألجأ لتصنيف "الاستنصار". رحمة اللَّه عليهم.
[اهتمامه بطلبته]
وأما تنبيهه الطلبة على مَنْ ببلده (1) مِنْ شيوخ الزواية، وإعطاؤه إياهم الأجزاء والكتب المروية لهم، فعندي مِنْ أخباره في ذلك جملةً. وطال ما دفع إليَّ الأجزاء العالية يأمرني بقراءتها على العز بن الفرات. وربما شكوتُ إليه جَفْوَتَه وعدمَ طواعيته لي في القراءة لما أرومه، فيكتب له يرغِّبُه في التحديث ويحثُّه عليه، ويؤكِّدُ عليه في الاهتمام بشأني، حتى كان العزُّ يتبجَّح بذلك. وكثيرًا ما كان يكتُب لي بخطه أسانيد للعزِّ وغيره، بل تراجم جماعة مِنْ الشُّيوخ ونحوه (2) بخطه، كما أشرت إليه قريبًا مما يقضي العجب مِنْ ذكره، فكيف برؤيته.
وباللَّه كلَّما تذكرت هذا وشبهه مِنْ إقباله عليَّ وإحسانه إليَّ، يتصدَّعُ قلبي، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون.
وكنتُ في خدمته مرة (3) على العادة بالمدرسة المحمودية، فعند إرادتي الانصراف قال لي: إلى أين؟ فقلت: إلى ابن الجمال الأميوطي لسماع "سيرة ابن سيد النَّاس" عليه. فقال: على مِنْ سمعها؟ فقلت: مِنْ لفظ أبيه، وأبوه -كما في شريف علمكم- مِنْ لفظ المؤلِّف. فقال لي: سماعٌ عظيمٌ. وإنما قصد بذِكْرِ ذلك -مع كونه هو الواقع- الترغيب في سماعها منه.
(1) في (أ): "بيده"، خطأ.
(2)
في (أ): "ونحوهم".
(3)
"مرة" ساقطة مِنْ (ب).
وكنت أقرأ عليه يومًا بعض الأجزاء التي شاركه نقيبه القاضي شهاب الدين بن يعقوب في سماعها، وهو واقف بخدمته على عادته، فقال له: اجلس، فإنَّ لك في هذا الجزء مشركة، والتفت إليَّ، فنبَّهني لذلك.
وسمعنا عليه بمشاركة أمِّ أولاده وقريبه الزَّين شعبان، بل بموقعه ناصر الدين ابن المهندس، بل بتلميذه ابن سالم، إلى غير ذلك، ممَّا كان الأوْلى بنا خلافه، لكن شَرَه الطَّلب أدَّى إلى ذلك، لا سيما مع العلم بأنَّه لا يخدش في جلالته، بل ولا يحصُلُ له بذلك أدنى تأثير.
وأخبرني مستمليه الشَّيخ أبو النعيم رضوان رحمه الله -وهو ممَّن سمعنا عليه أيضًا بمشاركته- أنَّه لم يَلْقَ في ذلك أكثر نُصحًا، ولا أحسنَ بشرًا، ولا أجملَ طريقةً منه. وقال: إنَّه مكث مدةً يراجع بعض الحُفَّاظ مِنْ شيوخه في جزء انفرد به بعضُ المسندين، فما تيسَّر له إعطاؤه إياه، إلى أن علم صاحبُ التَّرجمة، فبادر إلى إعطائه له.
وكم مِنْ مُسْنِدٍ استدعى به إلى مجلسه لإسماع الطلبة عليه؛ كالواسطي والدَّنديلي والشمس البَيْجُوري. بل قرأ بنفسه على بعضهم.
وعندي أنَّه ما قرأ خصوص "صحيح مسلم" على ابن الكويك إلا لتنتشر روايته فيه، وإلا فهو كان قد أخذه قديمًا عن البالسي بمثل سماع ابن الكويك سواء. وكذا تخريجه "المشيخة الباسمة للقبابي (1) وفاطمة" ما أراد بها إلا إعلام طلبته بذلك، ونحوه تخريجه "مشيخة الرهان الحلبي"، إلى غير ذلك ممَّا لا أستطيع حصرَه.
وسأله صاحبُنا الجمال بن السَّابق الحموي -جمَّل اللَّه بوجوده- في سنة سبع وثلاثين -كما حكاه لي- أن يرشِدَه لأعلى الموجودين إسنادًا، فذكر له البدر حسين البوصيري، والزَّين عبد الرحمن الزركشي، وعائشة ابنة القاضي علاء الدين الكناني أم قاضي المذهب وعالمه العز الحنبلي، وقريبتها فاطمة. وقال له: إذا سمعت مِنْ هؤلاء، تكون مساويًا لي في كثيرٍ مِنَ المرويات.
(1) في (أ): "القباني"، تحريف.