المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخشوع في الصلاة ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلاة على سيدنا - الخشوع في الصلاة - الصباغ

[محمد بن لطفي الصباغ]

الفصل: الخشوع في الصلاة ‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلاة على سيدنا

الخشوع في الصلاة

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلاة على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، ورسول رب العالمين، أرسله الله رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأخرج به الخلق من الظلمات إلى النور، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، وعلى من دعا بدعوته وهدى إلى سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد فاتحني كثير من الإخوان والأبناء أنهم لا

ص: 3

يخشعون في صلاتهم، وأن الخواطر الدنيوية تغزوهم في الصلاة وهم واقفون بين يدي الله، ولا يجدون فكاكاً منها، وكانوا يعرضون شكواهم متأثرين متألمين.

وقد رأيت كثيراً من الناس وهم في الصلاة يتحركون ويعبثون بحيث إذا أقبلت عليهم وتأملت وضعهم لم يخطر ببالك أنهم في صلاة أبداً؛ فهم في حركة دائمة، وقد يأتون بما لا يليق للمرء أن يأتي به وهو في مواجهة رجل كبير من الناس، من فرقعة الأصابع، وقضم الأظافر، وملء الساعة، وتعديل الثوب وغطاء الرأس، والالتفات، ونقر الركعات والسجدات، إلى غير ذلك.

فتبيّن لي ضرورة كتابة كلمة في الخشوع في الصلاة عملاً بالأصل الإسلامي الكبير وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم:«الدنين النصيحة» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين

ص: 4

وعامتهم» (1).

فكتبت هذه الكلمات راجياً أن أنتفع بها أنا أولاً، وأن ينفع بها من يراها من المسلمين.

وحبذا لو أن كل إنسان يرى من مصلٍّ نحو ما ذكرت، حبذا أن ينصحه وينكر عليه فعله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقال للرجل المسيء صلاته:«ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» (2).

إن التواصي بالخشوع وتوجيه الشباب والشابات إلى مراعاة ذلك أمر مهم، وهو من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو أيضاً من النصيحة التي جاء بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه.

وإنه والله لا ينقضي عجبي من سكوت أهل

(1) صحيح مسلم برقم 55.

(2)

صحيح البخاري برقم 757، وصحيح مسلم برقم 397.

ص: 5

العلم والواعين عن هذه المخالفة.

إن الصلاة ليست عبثاً، وليست حركات مجردة من الروح والتدبر .. إنها مناجاة لله خالق السماوات والأرض ووقوف بين يديه .. يجد حلاوتها من سعى فيها إلى الخسشوع فأدركه، ويستريح فيها ولا يستريح منها، ويسعد عندما يخاطب ربه تبارك وتعالى، ويعلم أن الله عز وجل يجيبه ويستجيب له.

إنّ الصلاة عمود الدين، وركن من أهم أركان الإسلام، وهي العلامة على صدق الإيمان؛ فهي الحدّ الفاصل بين الكفر والإيمان، وتاركها هدف لأقصى العقوبات التي جاء بها الشرع المطهر في الدنيا والآخرة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45] ولا يمكن أن تحقق الصلاة أهدافها إلا إذا توافر

ص: 6

لها الخشوع وحضور القلب، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعوِّد عليها أنفسنا وأولادنا منذ أن يبلغ الناشئ سبع سنين، ولا تسقط عن المكلف بحال من الأحوال، ما دام متمتعاً بالعقل إلى أن يموت.

قال جل ثناؤه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. والصلاة صلة بين العبد وربِّه، وليس تكفي فيها الحركات والألفاظ إن خلت من الروح ومشاركة القلب لهذه الحركات والألفاظ، وروح الصلاة هو الخشوع، ولذلك أثبت ربنا تبارك وتعالى صفة الفلاح للمؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، فقال عز من قال:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2].

إن الحياة المادية التي غزتنا وسيطرت على عقولنا وتصرّفاتنا وإن الصوارف من الملاهي ووسائل الترفيه التي ملأت على كثير من الناس حياتهم .. إن ذلك كله يدعونا إلى أن نبيّن أهمية

ص: 7

الخشوع في الصلاة الذي يطرد الغفلة، وإلى أن نذكر الوسائل التي تعين المرء على التحلي بالخشوع.

إن الصلاة روضة يجد المرء فيها من راحة النفس وطمأنينة القلب ما يكسر حدة تلك النزعة المادية التي أشرنا إليها.

وقد سألني سائلون: كيف لنا أن نحقق الخشوع في صلاتنا، ونطرد الشرود فيها؟

وسأحاول أن أجيب عن هذا السؤال بهذه الرسالة الموجزة التي كتبتها لنفسي ثم قدمتها للطبع أول مرة، فنفدت من السوق، وطالبني بعض الأحبة بأن أعيد طباعتها، فنظرت فيها وأضفت إليها ما يتمم المقصود منها إن شاء الله.

وقد اطلعت على عدد من الرسائل التي بحثت في الخشوع في الصلاة فوجدتها تؤدي غرضاً مهماً، جزى الله مؤلفينا خير الجزاء، ولكني

ص: 8

وجدت بعضهم يملؤون جانباً من الرسالة بموضوعات تتصل بالصلاة ولا تعالج الخشوع نفسه باستيعاب، فيستطردون إلى موضوعات فقهية.

والحديث عن الصلاة حديث متسع الجوانب، فمكانة الصلاة في الدين عظيمة جداً، وأدلة فرضيتها كثيرة، وشروطها وأركانها وسننها وآدابها وهيئاتها ومكروهاتها ومبطلاتها وفوائدها وحِكَمها كثيرة جدا، وقد تولت كتب الفقه إيرادها بتفصيل واف، ومعرفة ذلك أمر مفيد، ولكن محل ذكرها هناك، وليس في رسالة أُلفت في الخشوع في الصلاة.

ووجدت بعضهم يتحدثون في هذه الرسائل عن موضوعات تتصل بالزهد والتفسير إذ يسترسلون في تفسير آيات من الكتاب الكريم، وكل هذا مفيد، ولكن الحاجة ماسَّة إلى التركيز على موضوع الخشوع.

ص: 9

من أجل هذا قصرت كلامي على ما يتصل بالخشوع ويحقق أسبابه.

وإني لأسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة من يطلع عليها، وأن يغفر زللي ويتجاوز عن خطئي وأن يختم لي بالحسنى، وصلَّى الله عليه محمد وآله وسلّم تسليماً كثيراً. والحمد لله رب العالمين.

محمد بن لطفي الصباغ

6 المحرم سنة 1419 هـ

ص: 10