الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة النافلة .. والخشوع
يقول صلى الله عليه وسلم: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (1).
فعليك يا أخي إذا صليت النافلة من غير الرواتب كصلاة الضحى وقيام الليل أو النافلة من الرواتب في منزلك أن تختار مكاناً في البيت بعيداً عن الضجيج والصوارف والشواغل، وتخلو فيه، وتؤدي هذه النافلة وتأخذ بالأسباب الموصلة إلى الخشوع، فقد يكون هذا الجو محققاً لك الصفاء النفسي، والإشراق الروحي، والتألق الذهني .. فتذكر الله في هذه الخلوة فتفيض عيناك.
ذلك أن هذه الخلوة لا تتاح للمصلّي عندما يكون في جماعة، فقد يتشوش المصلّي إذا وقف
(1) البخاري برقم 731، ومسلم برقم 781، وأبو داود برقم 1044، والترمذي برقم 450، والنسائي 3/ 198، والموطأ 1/ 130، والمسند 5/ 182.
بجانبه إنسان لا يكفّ عن الحركة .. أو كان إلى جانبه إنسان تفوح منه روائح العرق المؤذية، أو روائح الدخان، أو الثوم أو البصل أو رائحة الطعام الزخم، فيقطعه ذلك عن الخشوع.
وربما كان من حكم ترغيب المرء في أن يصلي النوافل في بيته أن يتاح له هذا الجوّ من الخلوة والصفاء الذي يحقق له الخشوع، وهناك حكم أخرى كثيرة لهذا الأمر النبوي الكريم. فللصلاة في البيت فوائد، وللصلاة المكتوبة في المسجد مع الجماعة فوائد وحكم لا تخفى.
وقبيح بالمرء أن يتظاهر بالخشوع أمام الناس، ثم إذا صلّى وحيداً تعجل في الصلاة ونقرها نقر الديك.
بل إن كثيراً من الصالحين كانوا -إذا كانوا في سفر وأرادوا أن يصلّوا- يخفون صلاتهم النافلة عن الناس خوفاً من الرياء، ذكر ابن أبي حاتم عن
محمد بن أعين وكان صاحب ابن المبارك في الأسفار، وكان كريماً عليه؛ قال: كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم ذهب ليضع رأسه ليريني أنه ينام. فقلت أنا برمحي في يدي قبضت عليه ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك. قال: فظن أني قد نمت، فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه.
فلما طلع الفجر جاء فأيقظني وظن أني نائم وقال: يا محمد. فقلت: إني لم أنم.
قال: فلما سمعها مني، ما رأيته بعد ذلك يكلّمني ولا ينبسط إليّ في شيء من غزاته كلها، كأنه لم يعجبه ذاك مني لما فطنت له من العمل.
فلم أزل أعرفها فيه حتى مات. ولم أر رجلاً قطّ أسرَّ بالخير منه (1).
(1) الجرح ويالتعديل: لابن أبي حاتم 1/ 266.