الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن دقيق العيد كما نقل عنه ابن حجر (1): [وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك؛ لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي ألا يكون ذلك تطويلاً] انتهى كلام ابن دقيق العيد.
البكاء في الصلاة وفضله .. وصلته بالخشوع
واحرص يا أخي على التدبّر تدبّر ما تقرأ ومن مقتضى التدبّر أن توازن بين حالك وحال من يمرّ بك ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنة، لترى مدى تقصيرك.
وكذلك الموازنة بين حالك وحال من يمر بك ذكرهم من أهل النار، لتتحرى إن كان فيك شيء من خصالهم لتراجع نفسك ولتدرك عظيم
(1) فتح الباري 2/ 199.
حاجتك لمغفرة الله وعفوه سبحانه.
وقد يحملك ذلك -وهو من الخشوع- على البكاء.
فالبكاء خشيةً من الله منزلة عالية قال صلى الله عليه وسلم: في حديث السبعة الذين يلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ له
…
«ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» رواه البخاري، ومسلم (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم» وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي (2).
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يبكي في الصلاة؛ فعن عبد الله بن الشِّخِّير قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
(1) البخاري برقم 660، ومسلم برقم 1013.
(2)
الترمذي برقم 1633.
يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء (1)، وفي رواية كأزيز الرحى، وأزيز الرحى صوتها وجرجرتها، وأزيز المرجل: غليانه، أي كغليان القدر.
وجاء في وصف أبي بكر: أنه كان إذا صلّى وقرأ القرآن غلبه البكاء حتى إن الناس لا يسمعون صوته ولا قراءته لرقة قلبه وخشوعه؛ فقد روى أحمد والبخاري ومسلم والنَّسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتدّ مرضه قال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» قالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، وفي رواية: إنه رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس، ولم يُسمع الناس من البكاء. قال: «مروا أبا بكر
(1) رواه أبو داود برقم 904، والترمذي في «الشمائل» برقم 276 ص 169 من مختصر الشمائل للألباني، والنَّسائي 3/ 13.
فليصلّ بالناس»، فعادت، فعاد، ثم قال في الثالثة:«مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فإنكن صواحب يوسف» (1).
وجاء أيضاً في وصف قراءته خبر مهم جداًّ فحواه:
أن أبا بكر لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً فلقيه ابن الدغنى فسأله: أين تريد؟ فقال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: أنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة فطاف عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا
(1) المسند 6/ 210، والبخاري برقم 678 و 679 و 3385، ومسلم برقم 418 (الرقم الخاص 94 و 95) والنسائي 2/ 99، قال ابن حجر في «الفتح» 2/ 153:[والمراد أنهنّ مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن].
بكر لا يَخْرُج ولا يُخْرَجُ. أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه.
وكان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين. فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه؛ فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلا
أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان ..
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال:
قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع لي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبا بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضي بجوار الله عز وجل (1).
إن قراءة أبي بكر بما فيها من التأثر والخشوع هزت المجتمع القرشي هزًّا وألجأت ابن الدغنة أن يسترد جواره من أبي بكر.
(1) رواه البخاري برقم 3905، وأحمد 6/ 198، وابن هشام 2/ 11 - 13.