المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: - الخشوع في الصلاة - الصباغ

[محمد بن لطفي الصباغ]

الفصل: قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران:

قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20]، وقوله سبحانه:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22].

إن التذكير بعقيدة التوحيد الخالص، والبراءة من الشرك وإخلاص العبادة لله تستفتح به صلاتك، ثم تذكر أن حياتك ومماتك لله ولدعوته، فأنت تحيا وفق شرعه وتلتزم أمره، وتموت في سبيل دعوته، وأنت من المسلمين، تذكر نفسك بكونك في جماعة المسلمين.

وليكن همك -إذا اسفتحت بأي استفتاح آخر- أن تفهمه وتستحضر معانيه.

6 -

‌ التعوّذ:

ثم تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

أي ألتجئ إلى الله مستعيذاً من الشيطان الرجيم؛ وفي هذا تذكير للمرء بعداوة هذا

ص: 84

الشيطان الذي أخرج أبوينا من الجنة: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] لقد توعدنا الشيطان بأن يصرف قلوبنا عن الله عز وجل، وسلطانه قوي على المعرضين عن الله، أما عباد الله المخلصين فليس له عليهم سلطان {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وقد تحدثنا في موضع آخر عن كيد الشيطان للمسلم في صلاته كي يصرفه عن الله عز وجل، فلا حاجة إلى الإعادة.

فعليك يا أخي أن تستعيذ بالله كلما حاول الشيطان أن يوسوس لك والله ولي التوفيق.

7 -

الفاتحة:

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة (1) بيني

(1) قال العلماء: المراد بالصلاة هنا الفاتحة، وسميت بذلك لعظم شأنها ولأنها لا تصح إلا بها. والله أعلم.

ص: 85

وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى: حمدني عبدي.

وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي.

وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدني عبدي.

وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.

فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»، رواه مسلم (1).

(1) صحيح مسلم برقم 395.

ص: 86

والبسملة آية منها على الراجح من أقوال أهل العلم.

فأنت يا أخي عندما تبدأ بالبسملة تتبرك باسم الله العلي العظيم، ثم تشرع بحمد الله، وهذا يقودك إلى أن تتذكر نعمه الظاهرة والباطنة التي أنعم بها عليك وهي لا تحصى وأعظمها نعمة الإيمان.

واستشعر عندما تذكر الرحمن الرحيم أنواع رحمته لك، ولطفه بك، فيغرس ذلك في نفسك الرجاء، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله، فما دمت قد رجعت إلى الله فلا بد أن رحمة الله ستشملك.

وهذا الحديث الجميل يملأ نفس المسلم أملاً ورجاء بأن يستجيب الله دعاءه بعد أن حمده وأثنى عليه ومجّده فيهديه الصراط المستقيم صراط من أنعم الله عليهم من الأنبياء والصدّيقين والشهداء

ص: 87

والصالحين، ويجنّبه صراط اليهود المغضوب عليهم وصراط النصارى الضالّين. وقد وجدت كلمة طيبة لشقيق البلخي في شرائط الحمد. قال رحمه الله: الحمد على ثلاثة أوجه: أولها: إذا أعطاك الله شيئاً تعرف من أعطاك. والثاني: أن ترضى بما أعطاك. والثالث: ما دامت قوته في جسدك أن لا تعصيه. فهذه شروط الحمد (1).

ثم تذكر إفراد الله بالعبادة والاستعانة فتقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.

وهذا الحديث القدسي الجميل يشعر المسلم بعزة ليس فوقها عزة، فإن الله تبارك وتعالى يناجيه

(1) الفتوحات الإلهية: للعلامة الجمل 4/ 618. وشقيق بن إبراهيم البلخي زاهد من مشاهير المشايخ في خراسان، كان من كبار المجاهدين، استشهد في غزوة كولان سنة 194 هـ.

ص: 88

بعد كل آية من آيات الفاتحة كما مرّ بنا، فما أعظم غنيمة من يناجيه ربُّ العزة والجلال! . وتذكرك هذه السورة العظيمة يوم القيامة الذي أراد الشرع أن يكون في تصوّر المسلم دائماً، ولذلك كثر جداً ذكر اليوم الآخر في القرآن، فبعد وصف الله بالرحمن الرحيم تقول:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} في ذلك اليوم الذي لا ملك لأحد فيه إلا لله. قال تعالى: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 15 - 17].

إن تدبر أركان الصلاة ليعين على الخشوع.

8 -

وقد تكلمنا على القيام، وكذلك فإن استحضار أن الركوع لله والتذلّل له، وذلك عندما تحني جبهتك وظهرك خضوعاً لله، وتذكر عظمته وكبرياءه، وتذكر ضعفك وتقصيرك واحتياجك

ص: 89

إليه، كل ذلك يعين على الخشوع وإدراك مغزى هذه الأركان، لا سيما إذا قلت في ركوعك ما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم والذي ذكرنا طرفاً منه عند حديثنا عن دعاء الاستفتاح.

عن علي أنه صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: «اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» رواه مسلم (1).

9 -

فإذا وقعت رأسك من الركوع قلت: سمع الله لمن حمده.

وفي هذا الدعاء إخبار وإغراء، دلّ على ذلك التضمين الذي جاء في هذه الجملة؛ ذلك أن (سمع) فعل متعدٍّ بنفسه، تقول سمعت الصوت، وضُمِّن في هذه الجملة معنى (استجاب) التي

(1) صحيح مسلم برقم 771.

ص: 90

تتعدى باللام، فكان معنى الجملة سمع الله حمد من حمده واستجاب له، فكان هذا إغراء للعبد ليحمد الله فيقول: ربَّنا لك الحمد حمداً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد.

10 -

ثم تهوي إلى السجود، وهو أعلى درجات الاستكانة، وتضع أشرف أعضاء جسمك وهو الوجه على الأرض تذلّلاً لله.

إن هذا يشعر الإنسان بضعفه وذله أمام الله العلي الأعلى، وإذا بلغ العبد هذه المنزلة وتدبرها كان متحرراً من الخضوع لأي شيء سوى الله؛ لأن الرأس الذي يخضع لله لا يخضع لغيره مهما كانت المغريات ومهما كانت المخاوف، وهناك -ووجهك على الأرض- تردّد هذا الذكر المأثور: سبحان ربي الأعلى، وتقول: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله

ص: 91

أحسن الخالقين، رواه مسلم (1).

فإذا تدبرت حكمة السجود وذكره وتأثر قلبك بهذا كنت قريباً من الله، فاجتهد في الدعاء؛ روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (2).

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوه كما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» رواه مسلم (3).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ

(1) صحيح مسلم برقم 771.

(2)

صحيح مسلم برقم 482، والمسند 2/ 421، وأبو داود برقم 875، والنسائي 2/ 226.

(3)

صحيح مسلم برقم 483.

ص: 92

أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رواه مسلم (1).

11 -

ثم إذا جلست للتشهد جَلَسْتَ جلسة المتأدب مع الله، وقرأت التحيات وتدبّرت معناها، وذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّمت عليه، ووثقت بأنه سيردّ عليك السلام؛ لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» رواه أبو داود (2). وانظر كم كسبت من الأجر العظيم بالصلاة عليه؛ فقد روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رواه مسلم وأبو داود والترمذي (3). وفي التشهد تستشعر كونك في جماعة المسلمين فتسلّم على نفسك وعلى عباد الله الصالحين.

(1) صحيح مسلم برقم 479.

(2)

أبو داود برقم 2041.

(3)

صحيح مسلم برقم 408، وأبو داود برقم 1530، والتمذي برقم 485.

ص: 93