الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في مصنفات الشيخ رحمه الله
لقد كانت العصور المتأخرة من التاريخ العلمي والثقافي لهذه الأمة ضنينة في الإنتاج العلمي الدقيق في البحوث والتأليف، وذلك أن همم العلماء حينئذ أخذت مسارًا مختلفًا في الاهتمام والإنتاج. فكان أحدهم يذهب إلى صنف من العلم فيدرسه ويؤلف فيه، فيختصر كتابًا لمؤلف سابق أو ينكب على شرحه، أو وضع حواش له، أو تقارير عليه وهكذا.
ومؤلفنا العلامة جمال الدين لهو واحد من هذه النخبة في كتاباته ومنهجه، حيث ظهر بشخصية فريدة في ثقافته لعلوم عصره كلها واستيعابه للفتون المختلفة، جعلت. منه معلمة إسلامية حية بالتعليم والتأليف. ولا أدل على ذلك مما أبقاه لنا الدهر من مؤلفاته الكثيرة، أعانه على ذلك ذكاؤه وقريحته الجيدة، وسرعة حفظه وسيلان قلمه في الكتابة ومواهبه العديدة التي تنبئ عنها مصنفاته الفريدة، فكان رحمه الله في سباق مع الزمن همه أن يحرر أكبر قدر ممكن من المؤلفات، فجاءت معظمها عبارة عن تخريجات، وردود، وتحرير إشكالات، ورسائل حديثية صغيرة، يغلب عليها الظابع النقلي ممن سبقه. وليس هذا بغريب، فهو شأن غالب أهل العلم في عصره فهو امتداد لسلسلة السيوطي (ت: 911 هـ)، والسخاوي (ت 902)، والشيخ زكريا الأنصاري (ت 926 هـ)، ثم ابن كمال باشا (ت 94 هـ) وغيرهم ممن زخرت المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم القيمة.
قال تلميذه ابن طولون: "وأقبل على التصنيف في عدة فنون حتى بلغت أسماؤها مجلدًا رتبها على حروف المعجم، وكان غالب عليه فن الحديث". (1)
وفي "الضوء اللامع": "بلغني أنه خرج لخديجة بنت عبد الكريم "أربعين" وكذلك لغيرها
…
" (2).
وفي "النعت الأكمل": "وله من التصانيف ما يزيد على أربعمائة مصنف وغالبها في علم الحديث والسنن "(3) ومع كثرة مؤلفات ابن عبد الهادي إلا أنها جاءت غير محررة. قاله النعيمي في كتابه "عنوان الزمان" حكاه عنه جار الله ابن فهد. (4)
إلا أن صاحب "السحب الوابلة" رد على هذا الزعم وقال: "قلت: بل تصانيفه في غاية التحرير .. "(5).
والذي أراه والله أعلم، أن النعيمي كان محقًا في بعضها وهو الصنف الذي بقي على أصوله "مسودات" لم يبيض، لأنه لم يفرغ لمراجعتها واستيفائها، ذلك أن الشيخ الجمال كان في سباق مع الزمن في التأليف كما ذكرنا سابقًا.
كما أننا إذا اطَّلعنا على بعض مؤلفات ابن عبد الهادي مثل "مغني ذوي الأفهام" و"ثمار المقاصد" و"السير الحاث .. "، و"العقد التمام
…
" وغيرها لرجحنا قول ابن حميد في وصفه لها.
والذي يبدو لي والله أعلم أن ابن حميد وقف على المحرر منها فظنها جميعًا بهذه الدرجة، كما أن النعيمي يقصد الأصول "المسودات" التي أطلع عليها، فينفك بهذا الخلاف ويبقى كلا الرأيين على صواب.
(1) انظر: (السحب الوابلة: ص 319).
(2)
انظر: (الضوء اللامع: 1/ 308).
(3)
انظر: (النعت الأكمل: ص 69).
(4)
انظر: (السحب الوابلة: ص 319).
(5)
المصدر السابق: ص 319.
وإذا كان الاستاذ الفاضل: محمد أسعد طلس في مقدمة كتاب "ثمار المقاصد"، والأستاذ صلاح محمد الخيمي في "مجلة معهد المخطوطات العربية" قد عرجا على معظم مصنفات ابن عبد الهادي بالعد والعرض ذاكرين أهم ما يحتاج إليه الباحث من التعريف بها، وإعطاء صورة موجزة لمضمونها مع بيان أرقامها.
فإنني أحاول في هذا المقام أن أزيد على ما قدمه الأستاذان الفاضلان ولو شيئًا يسيرًا والله الموفق.