المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أولاً:‌ ‌ التمهيد: وخصصته للحديث عن نشأة فن المصطلحات العلمية وتطوره وأهم - الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي - جـ ١

[ابن المبرد]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهداء

- ‌نبذة عن مصادر ترجمة الجمال بن عبد الهادي رحمه الله:

- ‌الفصل الأولفي نسبه ومولده، وطلبه للعلم، مع بيان عقيدته ومنزلته العلمية، وثناء العلماء عليه

- ‌أ - في نسب يوسف بن عبد الهادي رحمه الله:

- ‌ب - ما قيل في مولده رحمه الله:

- ‌جـ - طلبه للعلم:

- ‌د - منزلته العلمية وثناء الناس عليه:

- ‌الفصل الثانيفي التعريف بشيوخه وتلاميذه مع ترجمة بيانية لهم

- ‌أ - في التعريف بشيوخه رحمه الله:

- ‌ب - تلاميذه رحمه الله:

- ‌الفصل الثالثفي مصنفات الشيخ رحمه الله

- ‌ مؤلفات ابن عبد الهادي حسب حروف المعجم *

- ‌أ - المطبوعة:

- ‌ب - المخطوطة:

- ‌(حرف الألف "الهمزة

- ‌(حرف الباء)

- ‌(حرف التاء)

- ‌(حرف الثاء)

- ‌(حرف الجيم)

- ‌(حرت الحاء)

- ‌(حرف الخاء)

- ‌(حرف الدال)

- ‌(حرف الذال)

- ‌(حرف الراء)

- ‌(حرف الزاي)

- ‌(حرف السين)

- ‌(حرف، الشين)

- ‌(حرف الصاد)

- ‌(حرف الضاد)

- ‌(حرف الطاء)

- ‌(حرف الظاء)

- ‌(حرف العين)

- ‌(حرف الغين)

- ‌(حرف الفاء)

- ‌(حرف القاف)

- ‌(حرف الكاف)

- ‌(حرف اللام)

- ‌(حرف الميم)

- ‌(حرف النون)

- ‌(حرف الهاء)

- ‌(حرفا الواو والياء)

- ‌الفصل الأولفي نسب الخرقي (*) ومولده ومنزلته العلمية

- ‌الفصل الثانيفي ذكر شيوخ الخرقي وتلاميذه

- ‌أولاً: شيوخه رحمه الله:

- ‌ثانياً: تلاميذه رحمه الله:

- ‌الفصل الثالثفي ذكر مؤلفات أبي القاسم الخرقي رحمه الله

- ‌الباب الثالثوهو خاص بالكتاب وما يتعلق بالتحقيق

- ‌ التمهيد:

- ‌الفصل الأول

- ‌أ - التحقق من صحة اسم الكتاب ونسبته للمؤلف رحمه الله:

- ‌ب - خصائص الكتاب ومزاياه:

- ‌الفصل الثانيفي المنهج المتبع في التحقيق

- ‌عملي في التحقيق:

- ‌ وصف النسخة المعتمدة في التحقيق:

الفصل: أولاً:‌ ‌ التمهيد: وخصصته للحديث عن نشأة فن المصطلحات العلمية وتطوره وأهم

أولاً:‌

‌ التمهيد:

وخصصته للحديث عن نشأة فن المصطلحات العلمية وتطوره وأهم المؤلفات التي انبرت عنه.

تعتبر المصطلحات الفنية أداة فعالة في نضج المفاهيم الأساسية في الحياة الثقافية العامة لأمة من الأمم، فهي عامل جاد في تطور البحث العلمي، ولا نكون مبالغين إذا جعلناها جزءاً من المنهج الذي تكتمل به شخصية كل علم من العلوم.

كما لا يسع طالب العلم أن يسلك شعاب فن من الفنون، أو يخوض غمار الفهم فيه إلا على أساس دقيق من الإلمام بمصطلحاته.

فبالمصطلح العلمي تتضح المدلولات للكلمات وينكشف الغطاء عن كثير من الألفاظ المتداولة والعبارات المستعملة في الكتب على مختلف التخصصات.

فالاعتناء به والسعي لبيانه وتوضيحه وشرحه مساهمة في البحث العلمي والفكري الجاد أمارة بارزة للرقي الاجتماعي والحضاري، ولم يكن المصطلح الشرعي في يوم ما وليد أحداث مستجدة، ولا نتيجة إفرازات فكرية وعلمية طارئة، ولكن له جذور ضاربة في أعماق التاريخ فقد ظهر في الحياة الفكرية بظهور الإسلام ونزول القرآن في وسط العرب الخلص لساناً ونسباً وداراً.

فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، وجعل معجزته القرآن، وهي المعجزة اللغوية والبيانية الوحيدة بين معجزات الرسل عليهم السلام وكونه كذلك تبوأ مكان الصدارة لدى أرباب اللغة والبيان، ومن ثم

ص: 101

اعتبره الباحثون قديماً وحديثاً أهم حدث في تاريخ هذه اللغة. (1)

وفي بيان ذلك قال أحدهم: "وبدا أثر هذا الحدث واضحاً في لغة الحديث

ونستطيع أن نلاحظ هذا الأثر بسهولة ويسر في مجيء القرآن الكريم بأصول الدين الإسلامي وأحكامه مجملة دون تفصيل ثم تولت السنة الشريفة تفصيل ذلك وبيانه

" (2). قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (3). وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم نبوته ورسالته وسلطانه في الييان - مع الصحابة رضي الله عنهم حيث بين لهم الحقائق الشرعية من الألفاظ اللغوية التشريعية بياناً شافياً بأقواله وأفعاله وتقريراته.

فهناك كثير من التكاليف العملية التفصيلية لم يتطرق إليها القرآن الكريم، بل هو لم يبين المعاني المرادة لكثير من الألفاظ التي تحمل هذه التكاليف، مع أن هذه الألفاظ كانت تحمل معاني جديدة مستحدثة لم يكن للعرب بها علم من ذي قبل ولعل أبرز مثال على ذلك، ألفاظ "الصلاة

والزكاة

والحج وغيرها".

فالصلاة مثلاً في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (4)، ليست ما يعرفه العربى عنها في أنها مطلق "الدعاء" بل هي عبادة مخصوصة في أوقات مخصوصة تشتمل على أقوال وأفعال مخصوصة بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بدقة عندما قال:

"صلوا كما رأيتموني أصلي". (5)

وهكذا في بقية أحكام التشريع من زكاة وحج وصيام وأمر ونهي.

(1) انظر: (إعجاز القرآن للباقلاني تحقيق: السيد أحمد صقر: ص 19 - 35، مقدمة معجم لغة الفقهاء للقنيبي: ص 24).

(2)

انظر: (مقدمة معجم لغة الفقهاء: ص 24).

(3)

سورة النحل: الآية 44.

(4)

سورة النور: من الآية 56

(5)

صحيح البخاري - كتاب الأذان - باب الأذان للمسافر - رقم 605

ص: 102

وفي بيان هذا يقول العلامة ابن فارس تحت باب الأسباب الإسلامية: "كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم. فلما جاء الله جل ثناؤه بالإسلام حالت أحوال، ونسخت ديانات، وأبطلت أمور، ونقلت من اللغة ألفاظ عن مواضع إلى مواضع آخر بزيادات زيدت، وشرائع شرعت، وشرائط شرطت فعفى الآخر الأول، وشغل القوم

بتلاوة الكتاب العزيز وبالتفقه في دين الله عز وجل، وحفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فصار الذي نشأ عليه آباؤهم ونشأوا عليه كان لم يكن، وحتى تكلموا في دقائق الفقه وغوامض أبواب المواريث وغيرها من علم الشريعة وتأويل الوحي بما دون وحفظ حتى الآن

فسبحان من نقل أولئك في الزمن القريب بتوفيقه عما ألفوه ونشأوا عليه وغذوا به، إلى مثل هذا الذي ذكرناه، وكل ذلك دليل على حق الإيمان وصحة نبوة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه فكان مما جاء في الإسلام - ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق، وأن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافاً بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمناً، وكذلك الإسلام والمسلم إنما عرفت منه إسلام الشيء ثم جاء في الشرع من أوصافه ما جاء، وكذلك كانت لا تعرف من الكفر إلا الغطاء والستر. فأما المنافق فاسم جاء به الإسلام لقوم أبطنوا غير ما أظهروه، وكان الأصل من نافقاء (1) اليربوع

وهكذا". (2)

كما أشار إلى هذا المعنى ابن حمدان الرازي تحت عنوان "الأسامي التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم " حيث قال: "فالإسلام هو اسم لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أسماء كثيرة مثل "الأذان" و"الصلوات" و"الركوع"، و"السجود" لم تعرفها العرب إلا على غير هذه الأصول، لأن الأفعال التي كانت هذه

(1) في اللسان مادة نفق: 10/ 358: "والنافقاء: جحر الضب واليربوع" وفيه: "إنما سمي منافقا، لأنه نافق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه".

(2)

انظر: (الصاحبي لابن فارس: ص 44 - 45).

ص: 103

الأسماء لها تكن فيهم، وإنما سنها النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه الله إياه. فكانوا يعرفون أنها "الدعاء"

" (1).

وبالاستقراء اتضح أن الألفاظ المنقولة من معناها الأصلي إلى المعنى الاصطلاحي الجديد هي من الأسماء فقط دون الأفعال والحروف. وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي: "وقع النقل من الشارع في الأسماء دون الأفعال والحروف، فلم يوجد النقل فيهما بطريق الأصالة بالاستقراء بل بطريق التبعية، فإن الصلاة تستلزم: صلى". (2)

وهكذا زاد القرآن الكريم والسنة النبوية هذه اللغة ثراء بما طرحا من المعاني الجديدة وبما نقلا من الألفاظ من معانيها الأصلية وجعلها معبرة عن المعاني الجديدة، وبذلك يكون القرآن الكريم قد أهَّل اللغة العربية لاستيعاب التعبير عن المفاهيم الجديدة ذات الدلالات المختلفة التي تحملها الحضارة الإسلامية الجديدة في مختلف عصورها.

هذه الحضارة التي غرست في أعماق الانسان مفاهيم جديدة في العقيدة، والعبادات والمعاملات، والأخلاق مما لم يألفه العرب في جاهليتهم. (3)

ومن الطبيعي أن يكون لهذا التغير الحضاري والتطور الزمني عند العرب انعكاسات جلية تركت أثرها على اللغة العربية إذ هي وعاء الفكر ودليله للأمة. (4)

وتلا عصر النبوة والتنزيل عصر الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم الذين استقوا معارفهم وفقههم التشريعي من آي القرآن ونوره، وشربوا من منهل النبوة وصفائها فهم اللبنات الأساسية في تقعيد التعاريف

(1) انظر: (كتاب الزينة لابن حمدان للرازي: ص 146).

(2)

انظر: (المزهر للسيوطي: 1/ 299).

(3)

انظر: (مقدمة معجم لغة الفقهاء: ص 26).

(4)

ينظر في هذا ما كتبته المستشرقة الألمانية زجريد هانكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب".

ص: 104

والاصطلاحات، والمحاور الرئيسية في تطوير المفهوم الحقيقي للألفاظ اللغوية والاصطلاحية.

إلا أنه لصفاء أذهانهم رضي الله عنهم، وثاقب فهمهم وسلامة لغتهم، وسرعة طاعتهم وانقيادهم للخير، ومتابعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم ما كانوا يحتاجون إلى الاستفصال في كثير من مواطن الإجمال، فلما شرع الله الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، والصلاة عندهم "الدعاء" عرفوا المراد من التشريع بسماع التنزيل، ومشاهدة التطبيق من النبي عنه لها بأعدادها وأقوالها وأفعالها، وتركوها فعرفوا الواجب من المسنون والمحرم من المكروه، وهكذا في وقائع التشريع ولغته، (1) وكانوا إذا ما التبس عليهم أمر سألوه صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهرانيهم فيكشف الوجه لهم، ويبصرهم بالغامض عليهم.

وفي صحيح البخاري ومسلم (2) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (3) شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه:{يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . (4)

واستمر عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذه الوتيرة من السنن المستقيم في اقتفاء آثار النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن فتحت البلدان والأوطان وانتقل العلم إلى الأمصار، وكثر الداخلون في دين الإسلام على اختلاف الأجناس واللغات.

(1) انظر: (فقه النوازل: 1/ 137 - 138).

(2)

انظر: صحيح البخاري في الأنبياء: 6/ 465، باب قول الله تعالى: "ولقد آتينا لقمان الحكمة

" حديث (3429)، ومسلم في الايمان: 1/ 114، باب صدق الايمان واخلاصه، حديث (197).

(3)

سورة الأنعام: الآية 82.

(4)

سورة لقمان: الآية 13.

ص: 105

وقد أجاد العلامة ابن الأثير في وصف هذه المرحلة من التاريخ والحقبة من الزمن وما اكتنفها من تطور وطرأ عليها من جديد. قال ما نصه: "واستمر عصره صلى الله عليه وسلم إلى حين وفاته على هذا السنن المستقيم، وجاء العصر الثاني - وهو عصر الصحابة - جارياً على هذا النمط سالكاً هذا المنهج. فكان اللسان العربي عندهم صحيحاً محروساً لا يتداخله الخلل

إلى أن فتحت الأمصار، وخالط العرب غير جنسهم

فاختلطت الفرق وامتزجت الألسن، وتداخلت اللغات

وتمادت الأيام والحالة هذه على ما فيها من التماسك والثبات، واستمرت على سنن من الاستقامة والصلاح إلى أن انقرض عصر الصحابة

وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلوا في الإتقان عدداً، واقتفوا هديهم وإن كانوا مدوا في البيان يداً، فما انقضى زمانهم على إحسانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجمياً أوكاد

" (1).

وتحقيقاً للسنن الإلهية فى حفظ كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد وعد بذلك في كتابه العزيز بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . (2)

قيض الله تبارك وتعالى رجالاً من أهل العلم والفقه والدراية فأخذوا في تقريب أحكام الشريعة للناس، ويجمعون متفرق الأحكام في قواعد كلية، وتعريفات جامعة مانعة، فبدأت الصيغ العلمية للتعاريف مستوحاة من نور التشريع جارية على قواعد اللغة وسنتها، وهم على اختلاف تعارفهم لا تجدهم يختلفون في قاعدة التعريف ومحوره، وإنما من حيث بعض التعريفات ودخولها في شمول المعرف من عدمه (3) فأخذت على غرار هذا تقسيمات جديدة تظهر على الساحة الفقهية لأحكام الشريعة، فظهرت الأحكام التكليفية الخمسة، والوضعية الثلاثة "السبب والشرط والمانع".

وهكذا أخذت تنمو هذه التعاريف عبر الأزمان ومن خلال الأفكار، وما

(1) انظر: (النهاية في غريب الحديث: 1/ 5).

(2)

سورة الحجر: الآية 9.

(3)

انظر: (فقه النوازل: : 1/ 138).

ص: 106

أصابها من تضاد في إبرازها اصطلاحاً فهو صوري لا يؤثر على حقيقتها كما أنزلها الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن صنعة الكلمات لا تخرج في صورتها عن لغة العرب وسننها في كلامها.

وفي القرن الثالث الهجري على التحديد بدأت التعاريف الاصطلاحية في الظهور على الساحة الفقهية وذلك حسبما يظهر في كل باب من أبواب الفقه، وفي كل مبحث من مباحث أصوله، وهكذا في سائر العلوم الشرعية.

كما أنه من الطبيعي جداً أن تتطلب الحضارة الإسلامية المترامية الأطراف مادة لغوية جديدة تصاحب هذا التطور الفكري والاجتماعي والسياسي، فنشأت على أثر ذلك طائفة من الكلمات الإسلامية سماها العلماء بعد ذلك "المصطلاحات الإسلامية". (1)

قال ابن بَرْهان: "وصاحب الشرع إذا أتى بهذه الغرائب التي اشتملت الشريعة عليها من علوم حار الأولون والآخرون في معرفتها مما لم يخطر ببال العرب، فلا بد من أسامي تدل على تلك المعاني". (2)

ومما تقدم يعلم أن لغة الشريعة لم تتكون دفعة واحدة بل مرت بأدوار متعددة وأن نشأتها كما أوضحناه كانت مصاحبة للتنزيل، ثم لبست ثوب التوسع والنمو بتطور التفريع الفقهي ونموه. وقد أكسب هذا الارتقاء والتوسع للمواضعات وعلم الاصطلاح سمة الظهور في جميع العلوم، بل وأفرده العلماء بالتأليف والتدوين كما لا يخفى علينا - بعد هذه الجولة التاريخية - أن للقرآن الكريم والسنة الشريفة الفضل الأوفر واليد الطولى في فتح باب الاصطلاح على مصراعيه، فهما أول من أرسى قواعد المصطلح الإسلامي وذلك في خطة عمل ناجحة. ابتدأت:

(1) انظر في هذا كتاب الزينة لابن حمدان للرازي: ص 56 وما بعدها، معجم لغة الفقهاء: ص 26).

(2)

انظر: (المزهر للسيوطي: 1/ 299).

ص: 107

أولاً: بإماتة كلمات لا مكان لدلالاتها في الحضارة الحديثة التي أرسى قواعدها القرآن والسنة وذلك مثل لفظ "إتاوة"(1) و"حلوان"(2) و"مكس"(3) و"المرباع"(4) وغيرها. وفي هذا يقول الجاحظ: "ترك الناس مما كان مستعملاً في الجاهلية أموراً كثيرة فمن ذلك تسميتهم للخراج: إتاوة، وكقولهم للرشوة ولما يأخذه السلطان: الحلوان والمكس، كما تركوا: أنعم صباحاً، وأنعم ظلاماً،

وصاروا يقولون: كيف أصبحتم وكيف أمسيتم

" (5).

ثانياً: استعيرت ألفاظ جديدة من لغات أخرى للتعبير عن دلالات جديدة، وقد اشترك في هذه الاستعارة كل من القرآن والسنة ثم الصحابة والتابعون والفقهاء من بعدهم. والأمثلة على هذا لا تحصى منها: ألفاظ أباريق، وإستبرق، والتنور، والمنافق، وغيرها من الألفاظ الفارسية، والحبشية (6) وقد دونت في ذلك كتب كثيرة وعلى رأسها كتاب "المعرب" لأبي منصور الجواليقي وهو مطبوع.

ثالثاً: توليد كلمات وألفاظ جديدة من أصول عربية عن طريق تعديل الصيغة العربية لها على الأوزان الصرفية المعروفة للتعبير عن دلالات معروفة وما أكثر هذا في القرآن والسنة وأقوال الفقهاء.

فمثلاً: إطلاق "الاستمتاع" على الوطء. ومن ذلك قوله تعالى في سورة النساء: 24 {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} .

وإطلاق "الاستفتاح" على الدعاء المخصوص الذي يقرأ بعد تكبيرة التحريم في الصلاة. وإطلاق "المبتوتة" على المرأة المطلقة طلاقاً بائناً.

(1) الإتاوة: ما يفرضه الرئيس ونحوه لنفسه على الشخص من المال بغير حق.

(2)

الحلوان: ما يأخذه الرجل لنفسه من مهر ابنته، وهذا قد حرمه الإسلام.

(3)

المكس: ما يأخذه الرئيس لنفسه من غلال الأرض أو مما يحمله التجار.

(4)

المرباع: أخذ الرئيس - خالصاً لنفسه - ربع ما يحوزه رجاله من الغنائم. انظر هذه المعانى في: (معجم لغة الفقهاء: ص 27 - 28).

(5)

انظر: (كتاب الحيوان: 1/ 327 تحقيق عبد السلام هارون).

(6)

انظر: (معجم لغة الفقهاء: ص 28 - 29).

ص: 108

وإطلاق "المحاقلة" على بيع الحب في سنبله.

وإطلاق "المرابطة" على الإقامة في الثغور.

رابعاً: النحت، وهو الكُبَّار، وقد اعتبره العلماء من أقسام الاشتقاق، وأقسامه أربعة: صغير، وكبير، وكبار، وكُبَّار.

وهو انتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر مع تناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى ويسمى نحتاً، وكُبَّاراً (1)، ومثلوا له بقول الفقيه "البسملة" في "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" و"الحوقلة" في "لا حول ولا قوة إلا بالله" - و"الحيعلة" في "حي على الصلاة".

خامساً: طريق النقل للكلمة من مدلولها الأصلي إلى مدلول جديد لها به صلة ليصبح المعنى المتواضع عليه حقيقة عرفية، وهو الشأن في ألفاظ أركان الإسلام وغيرها السابق الحديث عنها.

وهذه الطريقة هي الأصل في المواضعات الشرعية، ولا خيار لأحد فيه بتغيير أو تحريف، أو تبديل، ثم ما علم بلسان الصحابة رضي الله عنهم فهم أهل اللسان وأرباب الفصاحة والبيان، وأقرب الأمة للشرع علماً وعملاً. (2)

وامتداداً لسنة التطور والارتقاء أخذت العلوم الإسلامية شكلاً آخر، حيث صرفت الحدود فيما بينها، وحدثت تقسيمات جديدة ومتنوعة، وبدأت الاتجاهات التخصصية في الفكر الإسلامي عموماً تظهر على الساحة العلمية، وصاحب هذا كله بروز ما يسمى بـ"لغة العلم " ومصطلحاته، تنمو بنموه وتَتَّسع دائرتها بانتشاره، حتى اكتسبت سمة الظهور، وبالغ الاهتمام في كل فن وعلم، كما هو جلي عند المفسرين، والمحدثين، والفقهاء، والأصوليين، والكلاميين، وأرباب العلوم الأخرى ونحوهم، فهذه المنهجية الجديدة في

(1) انظر: (الاشتقاق لابن دريد، فقه النوازل لبكر أبو زيد: ص 144، معجم لغة الفقهاء: ص 31).

(2)

انظر: (فقه النوازل: ص 143).

ص: 109

ترتيب العلوم ودراستها وسعت دائرة الاصطلاح، وساهمت في امتدادها وغزارتها على بعد المدى.

ونتيجة تمخض هذا العلم "المسمى بالمصطلحات" عن هذا التطور والنمو في العلوم الإسلامية ظهر في الأفق الفكري عند الفقهاء آراء متعددة ذكرت فى الاصطلاح على تسمية هذا العلم، وبالتتبع والإحصاء ظهرت ألقاب كثيرة له نوردها زيادة في المعرفة حتى لا تلتبس الأمور على الباحثين، فما هي إلا اصطلاحات، وقديماً قال العلماء "لا مشاحة في الاصطلاح".

وأول هذه الألقاب:

1 -

الغريب، منها "تفسير غريب الموطأ" لأصبغ بن الفرج المصري (ت 225 هـ). (1)"وشرح غريب الرسالة" لأبي بكر بن العربي (ت 543 هـ). (2)

و"غرر المقالة في شرح غريب الرسالة" لابن حمامة المغراوي. وغيرها.

2 -

الحدود. ومنه "الحدود" لجابر بن حيان (ت 200 هـ). (3)

و"الحدود في الأصول" لسليمان بن خلف الباجي (ت 474 هـ).

و"الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة" لأبي زكريا الأنصاري (ت 926 هـ).

3 -

التعريفات، ومنها "التعريفات" للشريف الجرجاني (ت 816 هـ).

وكتاب "التوقيف على مهمات التعاريف" للمناوي (ت 1031 هـ) وغيرها.

(1) انظر: (الديباج لابن فرحون: 1/ 300).

(2)

انظر: (نفح الطيب للمقري: 2/ 36).

(3)

وهي رسالة صغيرة تعرض فيها لبعض المصطلحات الطبية والكيماوية. انظر: (فقه النوازل: ص 109).

ص: 110

4 -

الاصطلاح أو المصطلحات، منها "مصطلحات الصوفية"(1) لابن عربى الحاتمي (ت 638 هـ).

وكتاب "شرح اصطلاحات القوم"(2) للقاشاني (ت 730 هـ).

5 -

الأسباب الإسلامية، وقد أطلقها ابن فارس في كتابه "الصاحبي". (3)

6 -

الألفاظ الإسلامية، سماها بذلك السيوطي. (4)

7 -

الشرعيات، وهو الذي نراه في استعمالات علماء الشريعة عندما يعرفون ألفاظها، فيقولون وهو "شرعاً": أي في معناه الشرعي، وهو إخراج للشيء عن المعنى اللغوي إلى الحقيقة الشرعية، وهذا الاستعمال كثير في كتب الفقه عامة. (5)

8 -

الأسماء الإسلامية، وبهذا عرفها ابن حمدان الرازي قال تحت فصل "الأسماء الإسلامية ومعانيها". (6)

9 -

وقيل: لغة العلم: أي لكل علم لغته. المعنى: مصطلحاته.

وقيل: لغة الفهم، فاللغة عند هؤلاء لغتان. لغة التفاهم، وهي لغة العامة من الناس، ولغة الفهم، وهي لغة العلم.

وقيل: الأسماء الشرعية، والمصطلحات الإسلامية. (7)

(1) طبع في آخر كتاب "التعريفات للجرجاني".

(2)

طبع الكتاب بتحقيق محمد كمال إبراهيم جعفر، نشره مركز تحقيق التراث بمصر.

(3)

انظر: (الصاحبي: ص 44).

(4)

انظر: (المزهر: 1/ 294).

(5)

انظر: (فقه النوازل: ص 120).

(6)

انظر: (كتاب الزينة: 1/ 127).

(7)

انظر: هذه المعاني في (فقه النوازل: ص 120 - 121).

ص: 111

وهكذا

فهناك ألقاب كثيرة ومتنوعة لهذا الفن كلها تدور حول محور واحد، وتؤدي نفس المعنى والغرض، وإن اختلفت الألفاظ والتعبيرات وحقيقة الشيء تؤخذ من مضمونه لا من شكله وعنوانه.

وبعد هذه الرجعة التاريخية في دراسة نشأة المصطلح الفني وتطوره، وما عرفناه عن أهميته في الوسط العلمي والثقافي، وخصوصاً في دراسة العلوم على مختلف تخصصاتها، يجدر بنا ونحن في هذا المسار العلمى أن نعرج على تعريف فن الاصطلاح والمصطلح.

فهو في اللغة: مصدر اصطلح، وهو مطلق التعارف والاتفاق وزوال الخلاف.

وفي الاصطلاح: هو اتفاق طائفة على شيء مخصوص. (1)

وقيل: هو إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد منه، وذلك لمناسبة بينهما كالعموم والخصوص أو مشاركتهما في أمر مشابهتهما في وصف إلى غير ذلك". (2)

وقيل: هو اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى". (3)

1 -

مصادر المصطلحات العلمية والألفاظ الإسلامية.

للمصطلح العلمي مؤلفات كثيرة ومتنوعة، جاءت نتيجة للتقسيمات المتعددة التي صاحبت العلوم الشرعية والإنسانية والتجريبية، وقد جاءت على النحو التالي:

(1) انظر: (المعجم الوسيط: 1/ 522، مادة صلح، ومتن اللغة: 3/ 478، مادة صلح، والكليات لأبي البقاء: 1/ 201 - 202).

(2)

انظر: (محيط المحيط للبستاني: ص 515).

(3)

ذكر هذا الجرجاني في "التعريفات: ص 28، والزبيدي في "تاج العروس": 2/ 183.

ص: 112

أولاً: مؤلفات عامة أو شاملة، استخدمت في كافة العلوم، تجمع تحت طياتها مصطلحات مختلفة في شتى الفنون الإسلامية وغيرها دون تمييز.

ثانياً: مؤلفات خاصة أو تخصصية، شغلت حيز علم واحد، أو مجموعة علوم متقاربة المبحث والمنحي.

ثالثاً: مؤلفات ممزوجة بالمصطلحات وإن كانت لم تؤلف لهذا الغرض.

أولاً: المؤلفات العامة:

1 -

لعل أقدم كتاب وقفت عليه في هذا المجال. هو كتاب "الزينة (1) في الكلمات الإسلامية العربية" للعلامة أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي المتوفى (322 هـ).

وقد حاول أبو حاتم أن يجمع في هذا الكتاب ألفاظاً شتى تغير مدولها ومعناها في العصر الإسلامي عما كانت عليه في العصر الجاهلي، وبعمله هذا يكون قد وضع اللبنة الأولى في علم معاني الأسماء العربية والمصطلحات الإسلاميّة، فاقد ضم الكتاب تحت طياته كلمات شاعت في كتب التفسير واللغة والفقه والحديث. فهو بحق معلمة لا يستغني عنها الأدباء والفقهاء.

بالإضافة إلى هذا فإن الكتاب يعتبر رافداً مهماً في تاريخ المصطلحات الإسلامية وتطورها. وهذا ما أشار إليه في مقدمته رحمه الله. (2)

2 -

ظهر بعد ذلك مؤلف مهم في هذا الباب "مفاتيح العلوم"(3) للكاتب أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفي (387 هـ).

(1) طبع الكتاب في القاهرة 1957 م بتحقيق: حسين بن فضل الله الهمداني، وهو عبارة عن جزأين في مجلد واحد، شرح فيه مؤلفه نحواً من أربعمائة لفظ، قال في آخره يتلوه الجزء الثالث، وقد صدر في بغداد بتحقيق الدكتور: عبد الله سلوم السامرائي.

(2)

انظر: (كتاب الزينة: 1/ 56).

(3)

طبع الكتاب في دار الكتاب العربي في بيروت سنة 404 هـ/1984 م بتحقيق، الابياري، وطبع قبل ذلك بالمطبعة المنيرية.

ص: 113

قال مؤلفه في مقدمته "

دعتني نفسي إلى تصنيف كتاب

يكون جامعاً لمفاتيح العلوم وأوائل الصناعات متضمناً ما بين كل طبقه من العلماء من المواضعات والاصطلاحات التي خلت أو من جلها الكتب الحاصرة لعلم اللغة

" (1)

وقد ضمَّن الخوارزمي كتابه مقالتين، الأولى في علوم الشريعة والعربية وتحتوي على ستة أبواب كل باب أفرده بفن مستقل. والمقالة الثانية في علوم الحكمة المنقولة عن الأمم الأخرى.

3 -

ويلي ذلك كتاب "التعريفات"(2) لأبي الحسن على بن محمد علي الحسيني الجرجاني الحنفي المشهور بالشريف الجرجاني المتوفى (816 هـ).

عمد فيه مؤلفه رحمه الله إلى شرح المصطلحات المتنوعة في علوم الشريعة وغيرها، كما تعرض أحياناً للتعريف بالفرق والجماعات والمذاهب.

وقد أجاد الجرجاني في ترتيب معلوماته على حروف الهجاء، وهذا ما جعل الكتاب يفوق من سبقه من الناحية المنهجية والعلمية، وقد أشار إلى السبب في ذلك فقال: "

فهذه تعريفات جمعتها

ورتبتها على حروف الهجاء من الألف والباء إلى الياء تسهيلاً لتناولها للطالبين

" (3)

والكتاب يمتاز بالدقة والتحديد عن سابقيه وإن كان أقل شمولاً لفروع العلوم المختلفة واهتمامه بالمصطلحات الفقهية آكد ولكن بنزعة الحنفية.

4 -

كما يوجد كتاب لا يعرف مؤلفه محفوظ ضمن المخطوطات بمكتبة جامعة طهران بإيران تحت عنوان، تحفة الخل الودود في معرفة الضوابط

(1) انظر: (مفاتيح العلوم: ص 13).

(2)

طبع الكتاب عدة طبعات أولها في لايبزك بألمانيا بتحقيق جوستاف فلوجل سنة 1845 م ثم في القاهرة بمطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1357 هـ / 1938 م وأخيراً في تونس من قبل الدار التونسية للنشر سنة 1971 م.

(3)

انظر: (التعريفات: ص 2).

ص: 114

والحدود" كتبت نسخته عام 883 هـ أشار إليها حسين علي محفوظ في مقال له عن "نفائس المخطوطات العربية في إيران " بمجلة معهد المخطوطات بالجامعة العربية - المجلد الثالث - سنة 1957 م، ص 8 "

وفيه اصطلاحات نحوية وصرفية، ومن المعاني والبيان والحديث والمنطق وأصول الفقه والجدل وغير ذلك". (1)

5 -

كتاب "الكليات"(2) لأبى البقاء الكفوي المتوفى (1094 هـ).

رتبه مؤلفه على حروف الهجاء، وجعل لكل حرف فصلاً مع مزيد تفصيل في حرف "الألف"، وختمه بفصل في المتفرقات يتبعه فصل بعنوان "طوبي لمن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وقد أشار أبو البقاء إلى مادته بقوله "

جمعت فيه ما في تصانيف الأسلاف من القواعد، وتسارعت لضبط ما فيها من الفوائد منقولة بأقصر عبارة وأتمها

وترجمت هذا المجموع المنقول في المسموع والمعقول، ورتبتها على ترتيب كتب اللغات، وسميتها بالكليات

" (3).

والكتاب يعرج في مادته على كثير من المصطلحات في اللغة والفقه والأصول وعلم الكلام والفلسفة، فهو كثيراً ما يعرف المصطلح العلمي بهذه الجوانب المذكورة. فالكتاب ذو فوائد متنوعة يحتوى على معلومات نافعة لجميع المتخصصين في العلوم العربية والشرعية.

6 -

ثم تلى هذه المجموعة كتاب "كشاف اصطلاحات الفنون". (4)

(1) انظر: (مقدمة تحقيق كتاب المبين في اصطلاحات المتكلمين للدكتور: حسن محمود الشافعي ص: 13).

(2)

نشر الكتاب في طبعات عديدة في بولاق بمصر 1281 هـ بتصحيح الشيخ محمد الصباغ في مجلد واحد، وفي اسطنبول في المطبعة العامرة سنة 1287 هـ وفي إيران بالحجر وأخيراً سنة 1981 م محققاً في دمشق ضمن خمس مجلدات بتحقيق محمد المصري وعدنان درويش.

(3)

انظر: (الكليات: 1/ 4).

(4)

الكتاب طبع في كلكته بالهند سنة 1862 م تحت إشراف طائفة من العلماء المسلمين، =

ص: 115

للعلامة محمد بن علي الفاروقي التهانوي المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري. والكتاب أول مؤلف أنتج على شكل مرتب ومنظم ثم شاملاً ومستوعباً لجملة عظيمة من مصطلحات الفنون مع الاستيعاب والدقة.

وفي سبب تأليفه قال التهانوي: "إن أكثر ما يحتاج به في تحصيل العلوم المدونة والفنون المروجة إلى الأساتذة هو اشتباه الاصطلاح، فإن لكل علم اصطلاحاً خاصاً به

ولم أجد كتاباً حاوياً لاصطلاحات جميع العلوم المتداولة بين الناس. وقد كان يختلج في صدري أوان التحصيل أن أؤلف كتاباً وافياً لاصطلاحات جمع العلوم كافياً للمتعلم من الرجوع إِلى الأساتذة العالمين بها

" (1).

والكتاب يحتل مكانة مرموقة في وسط مؤلفات تخصصية لكونه من أكثرها شمولاً

فهو بحق معلمة في هذا الميدان، بدون منازع، انتفع به الباحثون على مستويات مختلفة، وتخصصات متباعدة لما حواه من تقريب للعلوم وتسهيل أثناء البحث فيها. وفي بيان أهميته يقول د/ لطفي عبد البديع "

استقصى فيه التهانوي بحث المواضعات العلمية متدرجاً من الدلالات اللغوية إِلى غيرها من الدلالات في شتى العلوم من نقلية وعقلية، وتوسع في إيراد المسائل التي اقتضاها البحث معتمداً على الكتب المعتبرة في العلوم المختلفة، وعلى آراء الثقات من العلماء

بحيث أضحى الكتاب معلمة للثقافة في الإسلام". (2) رتب التهانوي كتابه على طريقة خاصة، فقد قسمه على حسب

= والمسثرقين وطبع في اسطنبول سنة 1317 هـ في جزء غير كامل، وقد ذيلها مصححها بحواش نقل مادتها عن مصادر المصنف ووضعها في آخر الصفحات، ثم نشرت في ثلانة أجزاء صغيرة قطعة منه وقعت في مصر في فترة 1963 م بتحقيق الدكتور: لطفي عبد البديع، ومراجعة الأستاذ أمين الخولي، وترجم نصوصه الفارسية الدكتور عبد المنعم محمد حسنين، وأشرفت على طبعه وزارة الثقافة المصرية.

(1)

انظر: (كشاف اصطلاحات الفنون طبعة مصر: 1/ 1).

(2)

انظر: (مقدمة الكشاف للمحقق: 1/ ص د).

ص: 116

الفنون، ثم جعل لكل فن أبواباً وفصولاً، والمراد بالباب أول الحروف الأصلية وبالفصل آخرها، على عكس ما اختاره صاحب الصحاح.

7 -

ومن هذا الصنف كتاب "جامع العلوم في اصطلاحات الفنون" الملقب بـ"دستور العلماء"(1) لمؤلفه العلامة الهندي القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري. وقد أضاف الكتاب تحت طياته - زيادة على التعريفات الاصطلاحية - بعض القواعد والمسائل الهامة في مختلف العلوم وفي بيان ذلك يقول مؤلفه "

دستور العلماء جامع العلوم العقلية حاوي الفروع والأصول النقلية

في تحقيقات اصطلاحات العلوم المتناولة، وتدقيقات لغات الكتب المتداولة وتوضيحات مقدمات مستيسرة مشكلة على المعلمين، وتلويحات مسائل مبهمة متعسرة على المتعلمين

" (2). فهو من حيث الاستيعاب يشبه كشاف التهانوي إذ يضم مصطلحات فقهية وأصولية وكلاميه وغيرها بالإضافة إلى مصطلحات العلوم اللغوية وعلوم القرآن الكريم، ومصطلحات فارسية، وشروح باللغة الفارسية رتبه مؤلفه على حروف الهجاء.

ثانياً: المؤلفات الخاصة:

وهي التي عنيت بالبحث في المصطلحات التي تختص بعلم واحد، أو طائفة من العلوم المتقاربة جداً. وهي كثيرة جداً نخص الحديث عن المهم منها.

أ - مؤلفات مصطلحات الفقه وأصوله.

هذا النوع من المؤلفات هو المعني في دراستنا هذه، ذلك أن كتابنا الذي

(1) طبع الكتاب في أربع مجلدات تحت إشراف "دائرة المعارف النظامية" بحيدر آباد سنة 1329 هـ بتحقيق قطب الدين محمود بن غياث الدين على حيدر آبادي.

(2)

انظر: (دستور العلماء: 1/ 2 - 3).

ص: 117

نقدم له من هذا الصنف، فهو يبحث في المصطلحات الفقهية داخل المذهب الحنبلي.

وللفقهاء على مختلف المذاهب اليد الطولى والباع الشاسع في دراسة المصطلحات الفقهية لما لها من صلة وثيقة بالأحكام الشرعية قضاء وإفتاء وتعليماً، ولكثرة هذه المصنفات وتنوعها درجنا في عملنا على اختيار الأهم منها في كل مذهب.

1 -

في المذهب الحنفي، ألف العلامة الحنفي أبو المحامد بدر الدين محمود. بن زيد اللامشي - الذي كان في القرن الرابع الهجري - كتابه المشهور "بيان كشف الألفاظ"(1) في المصطلحات المتداولة بين الأصوليين والفقهاء. وقد أجاد المؤلف في الكشف عن بعض المصطلحات وشرحها بما يكفي الفقيه لمعرفة الألفاظ المستعملة على ألسنة الفقهاء والأصوليين، وذلك حتى لا يظهر السهو والغلط، لأن أحكام الشرع مبنية على هذه الألفاظ. (2)

والكتاب اشتمل على (128) مصطلحاً يغلب عليها الطابع الأصولي وما أظنها إلا مقدمة لكتابه المشهور في أصول الفقه والله أعلم. رتبه مؤلفه على حسب ورود موضوعات أصول الفقه وتصورها في ذهنه.

ثم صنف العلامة نجم الدين بن حفص النسفي الحنفي المتوفى سنة (537 هـ) كتابه المشهور "طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية"(3) ضمه مؤلفه الاصطلاحات والألفاظ الققهية المتداولة في كتب فقهاء الحنفية، وقد رتبه النسفي على أبواب الفقه وهو منهج سلكه بعض الفقهاء في كتبهم. وفي بيان سبب تأليفه قال في مقدمته: "سألني جماعة من أهل العلم شرح ما

(1) طبع الكتاب في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي بجامعة أم القرى، العدد الأول سنة 1398 هـ، ص 245 - 267 بتحقيق: الدكنور محمد حسن مصطفى شلبي.

(2)

انظر: (مقدمة بيان كشف الألفاظ للمؤلف: ص 252).

(3)

طبع الكتاب في المطبعة العامرة سنة 1311 هـ ثم أعيد طبعه بالأوفست في مكتبة المثنى. ببغداد، ثم طبع أخيراً في بيروت بعناية الشيخ خليل عيسى سنة 1406 هـ/1986 م.

ص: 118

يشكل على الأحداث الذين قل اختلافهم في اقتباس العلم والأدب ولم يمهروا في معرفة كلام العرب من الألفاظ العربية المذكورة في كتب أصحابنا

فأجبتهم إلى ذلك اغتناماً لمسألتهم ورغبة في صالح أدعيتهم

" (1).

وقد سلك النسفي في ترتيب كتابه طريقة الفقهاء أي على أبواب الفقه. وجاء بعد النسفي، العلامة أبو الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي المتوفى سنة (610 هـ) الذي صنف كتابه "المغرب في ترتيب المعرب"(2) وهو معجم لغوي فقهي، عني فيه المطرزي بشرح غريب الألفاظ التي ترد في كتب الفقه الحنفي". (3)

وقد اهتم المؤلف بالإضافة للمصطلاحات الفقهية - بشرح مزيد من الغرائب اللغوية والأعلام والبلدان، وهو على اختصاره يعد من أنفس الكتب وأقيم المدونات في هذا الموضوع رتبه مؤلفه على حروف الهجاء.

وفي النصف الثاني من القرن العاشر ظهر كتاب "أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء"(4) للعلامة الفقيه الشيخ قاسم القونوي المتوفى سنة 978 هـ، وقد سلك مؤلفه في عرض مادته وترتيبها طريقة الحنفية، فبعد فراغه من تسجيله لمصطلحات العبادات عقبها بمصطلحات المناكحات على خلاف الشافعية والمالكية، والحنابلة، وقد رتبه على الأبواب الفقهية، وهو في منهجه العلمي شبيه بالمؤلفات السالفة الذكر، فبعد عرضه للمعاني اللغوبة فيما يتعرض له من مصطلحات يسوق لها الشواهد من الآي القرآنية والأحاديث النبوية كما التزم في غالب ما يعرض له من مسائل فقهية

(1) انظر: (طلبة الطلبة: ص 2).

(2)

طبع الكتاب لأول مرة في حيدر آباد الدكن بالهند سنة 1228 هـ ثم نشر ببيروت طبعة تجارية في دار الكتاب العربي؛ ثم طبع بصورة علمية محققة في مكتبة أسامة بن زيد، حلب، بتحقيق: محمود فاخوري وعبد الحميد مختار سنة 1399 هـ/1979 م.

(3)

انظر: (مقدمة المحقق: 1/ 8).

(4)

طبع الكتاب لأول مرة في دار الوفاء للنشر والتوزيع بجدة بتحقيق الدكتور أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي سنة 1406 هـ/1986 م.

ص: 119

ذكر آراء الأئمة الأربعة. وكغيره من المؤلفات المتأخرة، فإن الشيخ القونوي اعتمد على كثير من النقولات التي استقاها من مجموعة من الكتب الفقهية واللغوية والحديثية، فالكتاب كما قال محققه: "

مبني على دراسة وروية وحكم علميه ورفعة ذوق من الجهة الفنية التأليفية". (1)

2 -

في المذهب المالكي - صنف العلامة أبو عبد الله أصبغ بن الفرج المتوفى سنة (225 هـ) كتابه "تفسير غريب الموطأ" أشار إلى ذلك ابن فرحون في "الديباج: 1/ 300".

كما شرح غريب الموطأ العلّامة بن عمران بن سلامة الأخفش الذي عاش قبل 250 هـ أشار إلى ذلك فؤاد سزكين في كتابه "تاريخ التراث العربي المجلد الأول، الجزء الثالث: ص 134".

ثم ألف الإمام الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المتوفى (474 هـ) كتابه المشهور "الحدود في الأصول"(2) وهو كتاب اختص بنقل الحدود والمصطلحات الأصولية ثم شرحها، وقد أجاد مؤلفه فيه، وإن كان مختصراً فقد كشف الغطاء عن كثير من الألفاظ ذات الدلالات الغامضة فهو كما قال محققه "

قيم جليل القدر كثير الفائدة لا يستغني عنه باحث في الأصول ولا مؤلف فيه، فضلاً عن طالب العلم ومبتغي الفائدة". (3)

وذكر أبو العباس المقري رحمه الله أن للقاضي أبي بكر بن العربي المتوفى سنة (543 هـ) كتاباً اسمه "شرح غريب الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني. (4)

ثم جاء الجبي فشرح غريب المدونة في كتاب سماه "شرح غريب ألفاظ

(1) انظر مقدمة المحقق: ص 32.

(2)

طبع الكتاب طبعة علمية في مؤسسة الزعبي بيروت 1973 م - 1392 هـ بتحقيق الأستاذ الدكتور نزيه كمال حماد.

(3)

انظر: (مقدمة الحدود للمحقق: ص 17).

(4)

انظر: (نفح الطيب: 2/ 36).

ص: 120

المدونة" (1)، عمد فيه مؤلفه إلى شرح ما أشكل من ألفاظ المدونة واحتاج إلى تفسير وبيان ورتبه على أبوابها تسهيلاً في الرجوع إليها إذا اقتضى الأمر ذلك.

والكتاب مهم في بابه غني بالألفاظ والاصطلاحات التي جاءت في المدونة، وإن كان مختصراً فهو بحق مرجع مفيد ومورد هام لا يستغني عنه العالم والمتعلم.

ثم تلى هؤلاء الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن منصور بن حمامة المغراوي الذي كان حياً في النصف الثاني من القرن السادس فألف كتاباً شرح به غريب الرسالة لابن أبى زيد القيرواني سماه "غرر المقالة في شرح غريب الرسالة"(2).

تناول فيه مؤلفه شرح الألفاظ الغريبة والمصطلحات الواردة في كتاب "الرسالة" والكتاب نفيس وغني في مادته. أطلعنا على جهد مبذول للعلامة ابن حمامة في خدمة الفقه المالكي، رتبه مؤلفه على أبواب الرسالة.

ثم صنف العلّامة ابن عرفه المالكي المتوفى سنة (803 هـ) كتابه المشهور "الحدود"(3) الذي تناول فيه المصطلحات الفقهية بالشرح والبيان، فكشف الغطاء عن كثير من الألفاظ الواردة في كتب المالكية وشرحها وفق مذهبهم. وهو مرتَّب على الأبواب الفقهية.

3 -

في المذهب الشافعي.

يعتبر كتاب "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي"(4) لمؤلفه العلّامة اللغوي

(1) طبع الكتاب في دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1982 م بتحقيق: محمد محفوظ.

(2)

طبع الكتاب مؤخراً في دار الغرب الإسلامي بيروت بهامش الرسالة لابن أبى زيد القيرواني بتحقيق: الدكتور الهادي حمو، والدكتور: محمد أبو الأجفان.

(3)

طبع الكتاب مع شرح له للعلامة أبى عبد الله محمد الأنصاري الشهير بالرصاع المتوفى سنة 894 هـ في تونس.

(4)

طبع الكتاب مؤخراً على نفقة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت بتحقيق: الدكتور =

ص: 121

أبي منصور الأزهري المتوفى (370 هـ) أول لبنة في محاولة إنشاء علم مستقل يختص بلغة الفقه على مذهب الشافعي رحمه الله، فكان عمدة للفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من الفقهيات ضمنه مؤلفه شرح الألفاظ والمصطلحات الفقهية الواردة في الجامع الذي اختصره المزني كما عمد فيه إلى الكشف عن بعض الآداب والمعارف، وسجل فيه بعض المواعظ، والأراء الفقهية والخلافات بين المذاهب.

فهو بحق معلمة يحتاج إليها الفقيه واللغوي معاً، كما أنه مورد عذب زلال ينهل منه طلبة العلم من مختلف التخصصات. رتبه مؤلفه على الأبواب الفقهية.

وتلا الأزهري في هذا الميدان العلّامة اللغوي أحمد بن فارس الرازي المتوفى سنة (395 هـ) الذي صنف كتابه "حلية الفقهاء"(1)، والذي شرح به غريب الألفاظ الواردة في مختصر المزني فهو بهذا يشبه ما قدمناه عن عمل الأزهري في "الزاهر".

وقد نهج ابن فارس منهجاً حسناً في الشرح صدره بمقدمة ذكر فيها بعض التعريفات والمباحث الأصولية التي يحتاج إليها الفقيه. وقد رتبه على أبواب الفقه.

ثم جاء العلّامة الشافعي محمد بن أحمد بن بطال الركبي المتوفى سنة (633 هـ)، الذي صنف مؤلفاً هاماً ومفيداً في غريب مهذب الشيرازي سماه "النظم المستعذب في شرح غريب المهذب"(2)، بين في مقدمته سبب تأليفه هذا

= محمد جبر الألفي مع مراجعة الشيخ محمد بشير الأولبي، والدكتور عبد الستار أبو غدة. كما حققه الدكتور سميح أبو مغلي ونال به درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة سنة 1976 م.

(1)

نشر الكتاب في طبعته الأولى بتحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في الشركة المتحدة للتوزيع بيروت سنة 1403 هـ -1983 م.

(2)

طبع الكتاب على هامش المهذب في مجلدين في مطبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1376 هـ.

ص: 122

السفر، والحاجة التي دعته لشرح الغريب من كتاب المهذب. قال ما نصه: "فإِني لما رأيت ألفاظاً غريبة في كتاب المهذب يحتاج إلى بيانها، والتفتيش عليها في مظانها إِذْ كان اعتمادهم على قراءته، واعتدادهم بدراسته، ووقفت على مختصرات وضعها بعض الفضلاء فرأيت بعضهم طَوَّل وعلى أكثر جُمَلها ما عوَّل، وبعضهم توسط

وبعضهم قصر وما بصر

دعت الحاجة إلى تتبع هذه الألفاظ من كتب اللسان وغريب الحديث وتفسير القرآن، ونقلها إلى هذه الكراريس لأستذكر بها ما غاب عند التدريس، وأجلو بها صدأ الخاطر من عوارض التلبيس

" (1).

ثم تلا هؤلاء العلَّامة المحدث الفقيه أبو زكريا محيي الدين بن شرف الدين النووي المتوفى سنة (676 هـ) والذي صنف كتابين في هذا الفن كانا لهما الأثر الفعال في اكتمال نضج هذا العلم المسمى بالغريب أو "المصطلحات الفقهية".

أولها: كتابه المشهور "تهذيب الأسماء واللغات"(2) الذى خصص القسم الثاني منه للحديث عن اللغات والغريب منها، وقد رتبه كما أشار على حروف المعجم، وذكر في آخر كل حرف اسم المواضع التي أولها من تلك الحروف. (3) وللكتاب منهج فريد في استعراض المسائل اللغوية والفقهية اعتمد فيه مؤلفه على جملة من الكتب النفيسة في هذا المجال سردها في مقدمته رحمه الله. (4)

أما المؤلف الثاني فهو "لغات التنبيه"(5) المسمى خَطَأً بـ"تصحيح التنبيه"، الذي شرح فيه الشيخ محيي الدين رحمه الله اللغات والألفاظ الغريبة الواردة

(1) انظر: (مقدمة النظم المستعذب: 1/ 2).

(2)

طبع الكتاب في مجلدين بأربعة أجزاء في إدارة الطباعة المنيرية بمصر لصاحبها محمد منير عبده أغا الدمشقي.

(3)

انظر: (المقدمة للنووي: 1/ 1/ 5).

(4)

انظر: (المقدمة: 1/ 1/ 7).

(5)

طبع الكتاب بهامش كتاب "التنبيه" العلامة الشيرازي تحت إشراف مطبعة التقدم العلمية بمصر.

ص: 123

في كتاب "التنبيه" وقد التزم فيه طريقة الاختصار المعتدل مع الإيضاح والضبط المحكم المهذب. قال رحمه الله في مقدمته: "وهذا الكتاب وإِن كان موضوعاً للتنبيه على ما في التنبيه، فهو شرح لمعظم ألفاظ كتب المذهب". (1)

وفي القرن الثامن الهجري ظهر كتاب نفيس جامع في ميدان الغريب ألّفه العلّامة أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفى سنة (770 هـ) وهو "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير"(2) للإمام الرافعي رحمه الله رتبه مؤلفه على حروف المعجم، وسلك فيه منهجاً خاصاً ذكر بعضاً منه في مقدمته (3) رحمه الله. واعتمد في ابراز مادته اللغوية والاصطلاحية على جملة كبيرة مهمة من المصادر اللغوية والفقهية المعتبرة.

وقد اكتسب "المصباح المنير" خاصية المعاجم لما حواه من ثراء لغوي واصطلاحي دقيق قل أن تجده في مصنفات هذا الفن، فهو ذخيرة علمية جديرة بأن تقتنى لحياة ثقافية أفضل.

كما صنّف العلَّامة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري المتوفى سنة (926 هـ) كتاباً في حدود الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين سماه "الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة"(4)، ذكر فيه جملة من التعاريف والمصطلحات التي أوردها الأصوليون في كتبهم أوصلها إلى ما يربو على 162 مصطلحاً حددها رحمه الله بالشرح والكشف والبيان لما رآه من توقف معرفة المحدود على معرفة الحد.

(1) انظر: (لغات التنبيه: ص 2).

(2)

طبع الكتاب عدة طبعات بالمطبعة الأميرية بالقاهرة سنة 1922 م على نفقة وزارة المعارف العمومية بتصحيح الشيخ حمزة فتح الله مع مراجعة الشيخ محمد حسنين الغمراوي بك. وفي مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ومن قبل مكتبة لبنان في بيروت.

(3)

انظر: (المصباح المنير: 1/ ق).

(4)

نشر الكتاب محققاً في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي بجامعة أم القرى العدد الخامس عام 1402 - 1403 - ص 565 - 579 تحقيق: عبد الغفور فيض محمد.

ص: 124

والكتاب وإن كان مختصراً في مادته العلمية، فهو غني بتعريفات نفيسة في ميدان الفقه والأصول والعقيدة.

4 -

في المذهب الحنبلي، صنف العلّامة اللغوي محمد بن أبي الفتح البعلي المتوفى سنة (709 هـ) كتابه المشهور في لغات المقنع والمسمى بـ"المطلع على أبواب المقنع"(1) ذكر فيه مؤلفه رحمه الله الألفاظ الغريبة والمصطلحات المبهمة الواردة في كتاب "المقنع" للشيخ الإمام موفق الدين بن قدامة رحمه الله فأبانها بالشرح والضبط.

وقد أشاد ابن بدران بالُمصَنِّف وما صَنَّفَ فقال: "وقد انتدب لشرح لغات "المقنع " العلّامة اللغوي محمد بن أبي الفتح البعلي فألف في هذا النوع كتابه "المطلع على أبواب المقنع" فأجاد في مباحث اللغة، ونقل في كتابه فوائد منها دلَّت على رسوخ قدمه في اللغة والأدب

ورتب كتابه على أبواب "المقنع " ثم ذيله بتراجم ما ذكر في "المقنع" من الأعلام، فجاء كتابه غاية في الجودة

" (2).

وقد أفاد البعلي في كتابه من أمهات المصادر المختلفة في اللغة والفقه والغريب.

وتلا البعلي، العلّامة الحنبلي، يوسف بن حسن بن عبد الهادي المتوفى (909 هـ)، الذي أنتج مؤلفاً هاماً في لغات الخرقي والمسمى بـ"الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي " وهو الكتاب الذي قمت بتحقيقه وقدمت له بهذه التقدمة، والحديث عليه يأتي من مكانه. إن شاء الله.

ب - مصطلحات الحديث وعلومه:

لما كان علم الحديث يُمَثِّل ركناً شديداً في التشريع الإسلامي من حيث

(1) نشر الكتاب في طبعة تجارية مليئة بالأخطاء في المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. دمشق سنة 1965 - 1385 هـ، وهو مهم بحاجة لمن يخرجه للوجود محققاً لينتفع به طلبة العلم.

(2)

انظر: (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: ص 223).

ص: 125

استنباط الأحكام والتدليل عليها. سخّر الله سبحانه وتعالى رجالاً لخدمة هذا العلم من جميع جوانبه وكافة أطرافه. فظهرت علوم مختلفة في هذا المجال، منها علم "مصطلح الحديث"، الذي اكتسب دائرةً واسعةً، حيث اشتدت العناية به بحيث أصبحت هذه الكلمة إذا قيلت في ميدان علوم الشريعة بإطلاق انصرفت إليه على الفور.

وقد كثر التأليف وتنوّع في هذا العِلْم بَيْن نَثْرٍ وشِعْرٍ .. ومن أبرز ذلك:

كتاب "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع"(1)، للعلّامة المالكي القاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى (544 هـ). وكتاب "مقدمة ابن الصلاح"(2) في علوم الحديث، للعلامة الحافظ أبو عمرو بن الصلاح المتوفى (642 هـ)، وكتاب "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى (774 هـ)، كما صنّف زين الدين العراقي المتوفى (806 هـ)"ألفية في مصطلح الحديث". وللحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى (852 هـ) كتاب "نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر"، وغيرها من المؤلفات الكثيرة التي يضيق ذكرها في هذه السطور الموجزة.

جـ - مصطلحات علم الكلام والفلسفة:

هناك أعمال في هذا المجال قدمت على فترات زمانية مختلفة، وأبرزت تطوراً للمصطلح الكلامي والفلسفي خلال العصورالمختلفة وعلى رأسها ما سجله العلّامة الكندي المتوفى سنة (252 هـ) في رسالته "حدود الأشياء ورسومها". (3) والرسالة عبارة عن قاموس ضَمَّنَهُ المؤلِّفُ جملةً من المصطلحات

(1) طبع الكتاب في دار التراث القاهرة 1970 م بتحقيق: السيد أحمد صقر.

(2)

طبع في الهند طبعة حجرية، ومنشور مع شرحه القيم التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي في حلب بعناية الشيخ محمد راغب الطباخ، كما أنه منشور في مصر بدار الكتب المصرية مع شرحه للبلقيني بتحقيق الدكتورة عائشة عبدالرحمن سنة 1974 م، سراج الدين عمر البلقيني.

(3)

نشرها الدكتور: أبو ريدة ضمن الجزء الأول من "رسائل الكندي الفلسفية" انظر: (مقدمة محقق المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي: ص 22.

ص: 126

الفلسفية عند العرب وهي تمتاز بالدقة والاختصار وحسن العرض، كما أن تأثر الكندي ببعض المفاهيم الكلامية بدا واضحاً وهو يناقش بعض المصطلحات والألفاظ الواردة في رسالته.

وتلا الكندي، الفارابى الذي ألف جملة من الكتب في هذا المجال منها رسالة في "عيون المسائل" وهي عبارة عن تعريفات مشروحة لبعض المصطلحات الفلسفية، وكتابه "إحصاء العلوم "وكذلك كتاب "الألفاظ المستعملة في الَمنْطِق" وكتاب "الحروف" الذي يعد أبرز عمل للفارابى في دراسة المصطلحات الفنية عامة والفلسفية بخاصة. (1)

كما أن لأبى حامد الغزالي (ت 505 هـ) كتاب مهم في هذا المجال وهو "الحدود" الذي ضمه لكتابه "معيار العلم". (2) تعرّض فيه مؤلفه لبعض المصطلحات الفلسفية بالشرح والنقد.

وللعلّامة الأصولي سيف الدين الآمدي المتوفى (631 هـ) كتاب "المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين"(3) وهو نفيس، جمع فيه مؤلفه بين المصطلحات الكلامية والفلسفية اتخذ فيه الآمدي موقفاً وسطاً بين الإيجاز والإطناب، كما أنه لم يقصد الجمع بمعنى الإحاطة بكل المصطلحات المتداولة على الإطلاق، بل اقتصر على أشهرها وأكثرها استعمالاً. والكتاب يحتوي على أكثر من مائتي مصطلح ساقها الآمدي في أسلوب رصين يصعب فهمه إلا على المتمرسين به فقط. (4)

(1) انظر: (مقدمة محقق المبين: ص 23).

(2)

طبع بتحقيق: الدكتور سليمان دنيا في دار المعارف بمصر 1960 م.

(3)

طبع الكتاب لأول مرة في مجلة المشرق البيروتية الكاثوليكية في العدد الثاني من المجلد الثامن والأربعين سنة 1954 م من ص: 169 - 181 بعناية الأبوين اليسوعيين ولهلم كوتش وأغناطيوس عبده خليفه طبعة في غاية السوء والرداءة بالإضافة الى السقط الكبير في النص كما أعيد طبعه ثانية بتحقيق د/ عبد الأسير الأعسم.

(4)

انظر: (مقدمة تحقيق المبين: ص 46 - 47).

ص: 127

د - مصطلحات الصوفية:

يعتبر كتاب "اللمع"(1) للطوسي المتوفى (378 هـ) أقدم ما أنتج القوم في هذا الميدان. فقد عقد المؤلف قسماً خاصاً من كتابه سماه "كتاب البيان عن المشكلات" ضمه بابين الأول عدّد فيه المصطلحات وهي 157 مصطلحاً، والآخر تصدى فيه لشرحها. (2)

كما خصّص الغزالي في كتابه "الإحياء" تحت باب: ما يدل من ألفاظ العلوم - فصلاً تحدث فيه عن المصطلحات الصوفية.

ولابن عربي الحاتمي المتوفى (638 هـ) كتاب في "مصطلحات الصوفية"(3)، شرح فيه الاصطلاحات الواردة في كتاب "الفتوحات". احتوى الكتاب على ما يربو من مائتي مصطلح صوفي لم تلق اهتماماً لدلالتها على مفهومات خاصة.

كما يعد كتاب "شرح اصطلاحات القوم"(4) لعبد الرزاق القاشاني المتوفى (730 هـ)، أشهر مصنف في ميدان اصطلاحات الصوفية. قدم فيه مؤلفه شرحاً علمياً لكثير من المصطلحات المستعملة في كتب الصوفية، وقد عقد القاشاني كتابه في (27) باباً وهو في حوالى (168) صفحة.

ثالثاً: مؤلفات ممزوجة بالمصطلحات وإن كانت لم تؤلف لهذا الغرض ..

الذي ينبغي أن يتنبه إليه طلاب العلم كافة، والباحثون في مجال المصطلحات خاصة أن هناك كثيراً من المؤلفات في علوم العربية والشريعة

(1) طبع الكتاب في القاهرة 1960 م بتحقيق: الدكتور عبد الحليم محمود.

(2)

انظر: (اللمع: ص 409 - 492).

(3)

وقد نشر هذا الكتاب لأول مرة المستشرق الألماني فلوجل في نهاية تعريفات الجرجاني ط. لايبزك ونشر أيضاً في نهاية تعريفات الجرجاني المطبوع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1938 م والمطبوع في تونس من قبل الدار التونسية للنشر سنة 1971 م.

(4)

طبع الكتاب تجارياً عدة طبعات بالقاهرة، ثم أعيد طبعه في مركز تحقيق التراث بمصر بتحقيق محمد كمال ابراهيم جعفر نشرته (الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1981 م).

ص: 128

والموسوعات العلمية والبيبلوجرافية، وكتب تقسيم العلوم، لها أهمية بالغة في الكشف عن كثير من المصطلحات العلمية التي ربما لا نعثر عليها في الكتب المتخصصة والمتعلقة بهذا الفن فهذه النوعية من المؤلفات، وإن كانت لم تصنّف لهذا الغرض ولم تقتصر عليه فهي بحق حقل غني وسخي يعطيك الكثير مما تجهله، أو أنت بحاجة إليه في هذا الميدان.

ونحن في هذه الجولة السريعة نعطيك طرفاً مهماً من هذه المؤلفات التي يحسن التعريف بها مرتبة على حسب العلوم.

أ - في العلوم العربية:

يعتبر كتاب "الصاحبي" للعلَاّمة اللغوي أحمد بن فارس (ت 395 هـ) أحد الكتب التي لم تصنف لغرض المصطلحات والتعريف بها، ولكن المؤلف رحمه الله تطرّق للحديث عنها تحت عنوان "باب في الأسباب الإسلامية" وذلك من ص/86 - 87، فالكتاب جدير بأن يتخذ كمصدر في هذا العلم، وهو من أهم الكتب التي وقفت عليها في ميدان علم الاصطلاح وتاريخه وأسبابه. (1)

كما أشار السيوطي رحمه الله (ت 911 هـ) في كتابه "المزهر في علوم العربية"(2) إلى جملة من المصطلحات الإسلامية نقلاً عن ابن فارس في كتابه "الصاحبي" وذلك في الجزء الأول من ص: 294 - 303.

كما تعتبر كتب "المعرب، والدخيل في اللغة من أهم روافد علم المصطلحات والألفاظ الغريبة فهي تعنى بالكلمات المنقولة إلى العربية وشرحها وبيان معانيها واستعمالاتها المختلفة في ظل الشريعة السمحاء، فهي حقاً تسعف الباحث بما لا يجده في غيرها.

(1) طبع بدار إحياء الكتب العربية بالقاهرة بتحقيق العلّامة السيد أحمد صقر.

(2)

طبع الكتاب في دار إحياء التراث العربي في القاهرة بتحقيق: كل من محمد أحمد جاد المولى، وعلي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم.

ص: 129

ومن أبرزها كتاب "المعرب"(1) من الكلام الأعجمي، لأبي منصور الجواليقي (ت 540 هـ) وكتاب "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" للجلال السيوطي، (2) و"تفسير الألفاظ الدخيلة"(3) لطوبيا العنسي الحلبي وغير هذا من الإنتاج الزاخر في ميدان المعرب.

كما لا يخفى ما لكتاب "الزاهر في معاني كلمات الناس"(4) لأبي بكر بن الأنباري (ت 328 هـ) من أهمية في إبراز معاني بعض المصطلحات المستعملة في الفقه الإسلامي، حيث كشف عن معانيها بالشرحِ والبيان ليسهل على الناس معرفتها ومن ثم كيف يتقرب بها إلى المولى عز وجل. وهذا ما أشار إليه في مقدمته بقوله: "إن من أشرف العلم منزلة، وأرفعه درجة، وأعلاه رتبة، معرفة معاني الكَلام الذي يستعمله الناس في صلواتهم ودعائهم وتسبيحهم وتقربهم إلى الله

ليكون المصلي إذا نظر فيه عالماً بمعنى الكلام الذي يتقرب به إلى خالقه، ويكون الداعي فهماً بالشيء يسأله ربه، ويكون المسبح عارفاً بما يعظم به سيده

" (5).

وعموماً فإن في كتب اللغة والاشتقاق - كالاشتقاق لابن دريد (ت 321 هـ) والاشتقاق والتعريب للشيخ عبد القادر المغربي، وفي مجلة "الأصالة" التي تصدرها وزارة الشؤون الدينية بالجزائر في عدديها 17 - 18 لعام 1394 هـ - مباحث ذات أهمية بالغة في مجال فن المصطلحات العلمية لا يستغني عنها الباحث والمتخصص في هذا الميدان.

(1) طبع الكتاب في مطبعة دار الكتب 1389/ 1969 م بتحقيق: العلّامة أحمد محمد شاكر.

(2)

الكتاب من منشورات صندوق احياء التراث الإسلامي المشترك بين الإمارات والمغرب بتحقيق الدكتور التهامي الراجي الهاشمي. كما حققه الدكتور عبد الله الجبوري، ونشره ضمن مجموع بعنوان رسائل في الفقه واللغة دار الفكر الإسلامي بيروت سنة 1982 من ص: 178 - 235.

(3)

طبع في مكتبة العرب 1930 م القاهرة.

(4)

الكتاب مطبوع على نفقة وزارة الثقافة والإعلام بالعراق في دار الرشيد للنشر بتحقيق: الدكتور حاتم صالح الضامن 1399 هـ/ 1979 م.

(5)

انظر: (مقدمة الزاهر للمؤلف: 1/ 95).

ص: 130

ب - في العلوم الشرعية:

يعد كتاب "المفردات في غريب القرآن"(1) لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت 502 هـ) أحد المدونات النفيسة التي عنيت بلغة القرآن وشرح معاني ألفاظه الغريبة. إلا أنه كما أشار في خطبته "ليس نافعاً في علوم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع. فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم

" (2).

وهذا كما هو واضح بصريح العبارة، فإنه احتوى على كثير من المصطلحات الفنية في مختلف جوانب الثقافة الإسلامية، ولا يستغرب هذا فإن العديد من الألفاظ القرآنية أصبحت بحكم التطور والتوسع ذات مدلولات اصطلاحية مختلفة، استعملها أهل الشرع بعد ذلك في استخدام علم من العلوم.

من هذا المغزى العظيم فإن الراغب رحمه الله كان لا يبخل أحياناً ببيان المعنى الذي تطورت إليه الكلمة فيسعفنا بمدلولات اصطلاحية في غاية الأهمية والأمثلة على ما نقول كثيرة انظرها في كتاب "المفردات".

وهذا ما أشار إليه علماء الغريب والمشكل بصفة عامة من أمثال ابن قتيبة، وابن فورك وابن الأثير وابن الجوزي وغيرهم.

وفي كتب ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ أمثال أعلام الموقعين: 1/ 43، 90، 107، و"مدارج السالكين: 1/ 139، 2/ 49، 78، 99، 151، 173، 306 " و"الصواعق المرسلة: 1/ 284، 2/ 510 ، 515 " و"إغاثة اللهفان: 1/ 31 - 32" مباحث نفيسة وممتعة تحدث فيها عن بعض المصطلحات العلمية التي وردت على لسان الشرع واستعملها العلماء في كتبهم.

(1) الكتاب مطبوع عدة طبعات: منها طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر بتحقيق: محمد سيد كيلاني، وهناك طبعة محققة نشرها د. محمد أحمد خلف الله بمصر.

(2)

انظر: (مقدمة المفردات للراغب: ص 6).

ص: 131

ولعل في كتب أصول الفقه - كالأحكام لابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) و"الأحكام" للسيف الآمدي (ت 631 هـ) و"شرح الكوكب المنير" لابن النجار الحنبلي (ت 972 هـ) مادة اصطلاحية معتبرة وخصوصاً فيما تعرّض له هؤلاء العلماء في فواتح كتبهم للمبادئ اللغوية والتعريفات الاصطلاحية للأحكام التكليفية وغيرها.

كما لا يخفى ما في الكتب "البيلوجرافية" وكتب أسماء المؤلفات والعلوم من المصطلحات العلمية المختلفة الغرض. أمثال كتاب "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"(1) للعلامة أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده (ت 968 هـ)، وكتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لمصطفى بن عبد الله المعروف بحاجي خليفة (ت 1067 هـ).

وكذا كتب الكلام والفرق والطبقات منها كتاب "غاية المرام في علم الكلام"(2) للآمدي، وكتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري، و"طبقات الشافعية" لابن السبكي.

ولا ننسى المصنفات الأدبية والفلسفية، ودوائر المعارف المختلفة، فإنها تناولت تحت طيات صفحاتها العديد من غريب الألفاظ والمصطلحات بالكشف والشرح، فهي حقاً بالغة النفع للباحث المتفحص.

هذا ما أحببت الإشارة إليه في غضون هذه الصفحات القليلة، والتي دلَّت في هذه العجالة المحفزة على أهمية فن المصطلحات العلمية، ومدى اهتمام علمائنا به قديماً وحديثاً. فإن الحاجة إليه ماسة، والدعوة إلى البحث فيه وإحياء معالمه مستمرة باستمرار العلوم وتطوّرها.

(1) طبع الكتاب لأول مرة في حيدر آباد الدكن بالهند، ثم نشر أخيراً في دار الكتب الحديثة بمصر. تحقيق: كامل كامل بكري، وعبد الوهاب أبو النور.

(2)

طبع الكتاب في القاهرة تحت إشراف لجنة إحياء التراث الإسلامي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتحقيق: حسن محمود عبد اللطيف. سنة 1391 هـ/ 1971 م.

ص: 132