المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في كيفية الغسل - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌فصل في كيفية الغسل

وأما وجوبه بالإسلام فوجهه ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن حبان وابن خزيمة عن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر وصححه ابن السكن. وأخرج أحمد وعبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي هريرة أن ثمامة أسلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم "اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل" وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال بل فيهما أنه اغتسل وقد ذهب إلى الوجوب أحمد بن حنبل وأتباعه وهو مذهب الهادي وأتباعه وذهب الشافعي إلى عدم الوجوب وبه قال المنصور بالله: والحق الأول ويؤيده ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر بالغسل عند الإسلام لواثلة بن الأسقع وقتادة الرهاوي كما أخرجه الطبراني وأمره أيضا لعقيل بن أبي طالب كما أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور وفي أسانيده مقال.

ص: 56

‌فصل في كيفية الغسل

والغسل الواجب، هو أن يفيض الماء على جميع بدنه أو ينغمس فيه مع المضمضة والاستنشاق والدلك لما يمكن دلكه ولا يكون شرعيا إلا بالنية لرفع موجبه وندب تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين ثم التيامن.

أقول: الغسل لغة وشرعا هو ما ذكر وقد يقع النزاع في دخول الدلك في مسمى الغسل ولكن لا يخفي أن مجرد بل الثوب أو البدن من دون الدلك لا يسمى غسلا كما يفهم ذلك من الاستعمالات العربية وكما يفيد ذلك ما تقدم في بول الصبي "أنه صلى الله عليه وسلم1 أتبعه الماء ولم يغسله" وهو في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره.

1 وكذلك يجاب عن رش الماء في بول الصبي، فلم يكن غسلا بأن الغسل إفاضة الماء وهو غير =

ص: 56

وأما المضمضة والاستنشاق فقد ثبتا في الغسل من فعله صلى الله عليه وسلم ووجه الوجوب ما قدمناه في الوضوء وأما كونه لا يكون شرعيا إلا بالنية فلما قدمناه في الوضوء أيضا.

وأما ما تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما:"أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمنيه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على سائر جسده ثم يغسل رجليه" وهو من حديث عائشة.

وورد في الصحيحين وغيرهما من حديث ميمونة بلفظ: "أنه صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمنيه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه" وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يتوضأ بعد الغسل" كما أخرجه أحمد وأهل السنن وقال: الترمذي حسن صحيح وأخرجه البيهقي أيضا بأسانيد جيدة وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا "أنه قال: لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم من الغسل" وروي عن حذيفة أنه قال: أما يكفي أحدكم أن يغتسل من قرنه إلى قدميه حتى يتوضأ وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن

= الرش بل هو أوعب منه. وقد صح حديث عائشة وميمونة في الاكتفاء بمجرد الإفاضة، وأصرح منه حديث أم سلمة:" إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت". قال ابن رشد في النهاية: وهو أقوى في إسقاط التدلك، لأنه حصر لها شروط الطهارة وأشار إلى أن عمدة من اشترط الدلك القياس للغسل على أعضاء الوضوء، ثم قال: وأما الاحتجاج من طريقة الاسم ففيه ضعف، إذا كان اسم الطهارة المتعين على حد سواء. انتهى.

ومنه تعرف عدم ترجيح اعتبار الدلك في مسمى الغسل، فغايته أن غسل، والغسل مطلق في محكم المجمل، وقد تبين في الأحاديث الصحيحة أنه الاكتفاء بمجرد الافاضة كما قاله الجمهور. والله أعلم من خط سيدي العلامة الحسن بن يحيى الكبسي قدس الله سره.

ص: 57