المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب شروط الصلاة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌باب شروط الصلاة

‌باب شروط الصلاة

ويجب على المصلي تطهير ثوبه وبدنه ومكانه من النجاسة ويستر عورته ولا يشتمل الصماء ولا يسدل ولا يسبل ولا يكفت ولا يصلى في ثوب حرير ولا ثوب شهرة ولا مغصوب وعليه استقبال الكعبة إن كان مشاهدا لها أوفي حكم المشاهد وغير المشاهد يستقبل الجهة بعد التحري.

أقول: أما تطهير الثياب فلنص القرآن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] ولقوله: صلى الله عليه وسلم لمن سأله "هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله فقال: "نعم إلا أن يرى فيه شيئا فيغسله" أخرجه أحمد وابن ماجه ورجال إسناده ثقات ومثله عن معاوية قال: "قلت لأم حبيبة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت: نعم إذا لم يكن فيه أذى" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات ومنها حديث خلعه صلى الله عليه وسلم للنعل أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وله طرق عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا ومنها الأدلة المتقدمة في تعيين النجاسات أما تطهير البدن فلأنه أولى من تطهير الثوب ولما ورد من وجوب تطهيره وأما المكان فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من رش الذنوب على بول الأعرابي ونحو ذلك وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير الثلاثة للصلاة وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة وذهب آخرون إلى أنه سنة والحق الوجوب فمن صلى ملابسا لنجاسة عامدا فقد أخل بواجب وصلاته صحيحة وفي المقام أدلة مختلفة ومقالات طويلة وليس هذا محل بسطها.

ص: 77

وأما وجوب ستر العورة فلما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر بسترها في كل الأحوال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها ومانذر قال: "احفظ عورتك إلا من زوجك أو ماملكت يمينك" قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: "إن استطعت أن لايراها أحد فلا يرينها" قلت فإذا كان أحدنا خاليا قال: "الله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وعلقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت" أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار وفي إسناده مقال: ولكنه يعضده حديث محمد بن جحش1 قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر2 وفخذاه مكشوفتان فقال: "يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة" أخرجه أحمد والبخاري في صحيحه تعلقيا وأخرجه أيضا في تاريخه والحاكم في المستدرك وروى الترمذي وأحمد والبخاري في صحيحه من حديث ابن عباس مرفوعا "الفخذ عورة" وأخرج نحوه مالك في الموطأ

وأحمد وأبوداود والترمذي وابن حبان وصححه وعلقه البخاري وقد عارض أحاديث الفخذ أحاديث أخر وليس فيها إلا أنه صلى الله عليه وسلم كشف عن فخذه يوم خيبر أو في بيته ولا يصلح ذلك لمعارضة ما تقدم3 وورد في الركبة ما يفيد أنها تستر وما يخالف ذلك.

1 هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده. وزينب بنت جحش عمته وكان صغيرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. هـ حسن بن يحيى قدس سره.

2 هو معمر بن عبد الله القرشي العدوي.

3 أحاديث كشف الفخذ المشار إليها ثابتة في الصحيح. ولا معنى لكونه عورة إلا تحريم كشفه. الثابت عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فيحقق نفي التعارض والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله.

قد يقال: المراد بعد التعارض عدم المساواة في الدلالة لا في الصحة على الحكم وخلافه، فإن أحاديث الكشف وإن كانت صحيحة لكنها حكايات أفعال محتملة للخصوصية والنسيان ونحو=

ص: 78

وأما المرأة فورد حديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقد روى موقوفا ومرفوعا من حديث عائشة ومن حديث أبي قتادة ومما يفيد وجوب ستر العورة أحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتق المصلي منه شيء وفي بعضها فليخالف بين طرفيه وفي بعضها وإن كان ضيقا فأتزر به وكلها في الصحيح.

وأما قوله: لا يشتمل الصماء فلحديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشتمل الصماء" وهو في الصحيحين وفي لفظ فيهما "وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقه" وأخرج نحوه الجماعة من حديث أبي سعيد واشتمال الصماء هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده.

وأما قوله: ولا يسدل فلحديث النهي عن السدل في الصلاة وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم في المستدرك وفي الباب عن جماعة من الصحابة والسدل هو أسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جنبيه بين يديه بل يلتحف به ويدخل يديه من داخل1 فيركع ويسجد وهو كذلك.

وأما قوله: ولايسبل فلما ورد من الأحاديث الصحيحة من النهي عن إسبال الإزار والمراد بالإسبال أن يرخي إزاره حتى يجاوز الكعبين.

= ذلك من الأعذار. وأحاديث المنع من أقوال صريحة لا احتمال فيها وقد يقال: دلالتها على المنع على كل حال إنما يكون بعد صحتها. وفي كل منها مقال، إلا أن يقال هي بمجموعها منتهضة للاستدلال. ولا يخفى ما فيه. من خط الحسن بن يحيى قدس سره.

1 ينظر هذا. فإن الالتحاف وإدخال اليد داخل الثوب ينافي قوله من غير أن يضم جانبيه. والذي في مختصر النهاية: السدل هو أن يضع وسط الرداء على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. وهو شعار اليهود. انتهى. وهو واضح كما ترى. وقد قال أبو عبيدة بعد قوله من غير أن يضم جانبيه: فإن ضمه فليس بسدل. من خط العلامة حسن بن يحيى قدس الله روحه ونور مضجعه.

ص: 79

وأما قوله: ولا يكفت فقد ورد النهي عن أن يكفت الرجل ثوبه أو شعره وأما كفت الثوب فكمن يأخذ طرف ثوبه فيغزر في حجزته أو نحو ذلك وأما كفت الشعر فنحو أن يأخذ خصلة مسترسلة فيكفتها في شعر رأسه أو يربطها بخيط إليه أو نحو ذلك.

وأما قوله: ولا يصلي في ثوب حرير فالأحاديث في ذلك كثيرة كلها يدل على المنع من لبس الحرير الخالص وأما المشوب فالمذاهب في ذلك معروفة فبعض الأحاديث يدل على أنه إنما يحرم الخالص لا المشوب كحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد وأبي داود قال: "إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من القز" قال: ابن عباس أما السدى والعلم فلا نرى به بأسا وبعضها يدل على المنع كما ورد في حلة السيراء فإنه غضب لما رأى عليا قد لبسها وقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين النساء" وهو في الصحيح والسيراء قد قيل أنها المخلوط بالحرير لا الحرير الخالص وقيل أنها الحرير الخالص المخططة وقيل غير ذلك ولكنه قد ورد في طريق من طرق هذا الحديث ما يفيد أنها غير خالصة فأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والدورقي هذا الحديث بلفظ "قال: علي أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة إما سداها وأما لحمتها فذكر الحديث" وأما المنع من لبس ثوب الشهرة فلحديث "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر وهذا الوعيد يدل على أن لبسه محرم في كل وقت فوقت الصلاة أولى بذلك وأما الثوب المصبوغ بالصفرة والحمرة فالأدلة في ذلك متعارضة فلهذا لم نذكره وقد أفردنا ذلك برسالة مستقلة وأما المنع من لبس الثوب المغصوب فلكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع وأما وجوب استقبال الكعبة على المشاهد ومن في حكمه فلأنه قد تمكن من اليقين فلا يعدل عنه إلى الظن والأحاديث المتواترة مصرحة بوجوب الاستقبال بل هو نص القرآن الكريم:

ص: 80

{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144] وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو قطعي من قطعيات الشريعة.

وأما كون فرض غير المشاهد ومن في حكمه استقبال الجهة فلأن ذلك هو الذي يمكنه ويدخل تحت استطاعته ولم يكلفه الله تعالى ما لا يطيق كما صرح بذلك في كتابه العزيز وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مابين المشرق والمغرب قبلة كما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه وورد مثل ذلك عن الخلفاء الراشدين وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجهة بعد خروجه من مكة وشرع للناس ذلك.

ص: 81