الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الماء طهور. وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف والخلف ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ونقله غيره عن الحسن البصري والزهري والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين
فصل في أحكام النجاسات
والنجاسات هي غائط الإنسان مطلقا وبوله إلا الذكر1 الرضيع ولعاب كلب وروث ودم حيض ولحم خنزير وفيما عدا ذلك خلاف والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه.
أما نجاسة بول الآدمي وغائطه فبالأدلة الصحيحة المفيدة للقطع بذلك بل نجاستهما من باب الضرورة الدينية كما لا يخفى على من له اشتغال بالأدلة الشرعية وبما كان عليه الأمر في عصر النبوة ولا يقدح في ذلك التخفيف في تطهيرهما في بعض الأحوال.
أما الغائط فكما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطيء الأذى بخفيه فطهورهما التراب" رواهما أبو داود وابن السكن والحاكم والبيهقي وقد اختلف فيه على الأوزاعي.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى
1 فيه أن جعل النضح والرش مطهرا لا يوجب إخراجه عن النجاسة، كما في جعل المسح للنعل بالتراب مطهرا للغائط، ولم يستلزم ذلك خروجه من النجاسة فلا وجه للاستثناء، كما أن اختلاف كيفية التطهير للنجس غير موجبة لخروجه عن النجاسة.! هـ محرر الأصل.
خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما" وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح أبو حاتم في العلل الموصول.
وأخرج أهل السنن عن أم سلمة مرفوعا بلفظ: "يطهره ما بعده" وعن أنس عند البيهقي بسند ضعيف بنحوه وكذلك عن أمرأة من بني عبد الأشهل عند البيهقي أيضا فإن جعل التراب مع المسح مطهرا لذلك لا يخرجه عن كونه نجسا بالضرورة إذ اختلاف وجه التطهير لايخرج النجس عن كونه نجسا.
وأما التخفيف في تطهير البول فكما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يراق على بول الأعرابي ذنوبا من ماء وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأنس وأما ما عدا غائط الآدمي وبوله من الأبوال والأزبال فلم يحصل الاتفاق على شيء في شأنها والأدلة مختلفة فورد في بعضها ما يدل على طهارته كأبوال الإبل فإنه ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنين بأن يشربوا من أبوال الإبل ومن ذلك حديث: "لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" وهو حديث ضعيف أخرجه الدارقطني من حديث جابر والبراء وفي إسناده عمرو بن الحصين العقلي وهو ضعيف جدا وورد ما يدل على نجاسة الروث كما أخرجه البخاري وغيره أنه قال: صلى الله عليه وسلم في الروثة: "إنها ركس" والركس النجس وقد نقل التيمى أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير ولكنه زاد ابن خزيمة في روايته: "إنها ركس إنها روثة حمار" ولايخفى عليك أن الأصل في كل شيء أنه طاهر لأن القول بنجاسته يستلزم تعبد العباد بحكم من الأحكام والأصل عدم ذلك والبراءة قاضية بأنه لا تكليف بالمحتمل حتى يثبت ثبوتا ينقل عن ذلك وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثما ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام فالكل إما من التقول على الله تعالى بما لم يقل أو من إبطال ما قدم شرعه لعباده بلا حجة1
1 انظر هذا الكلام فإنه أصل عظيم في الشرع يجب الوقوف عنده، لأن كثيرا من المتفقهة يعجل بالحكم في الأمر من غير دليل شرعي واضح، بل أخذا منه باللازم المفهوم من كلام الفقهاء، =
وأما تقييد البول بكونه بعد أيام الرضاع فلحديث "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبزار وابن خزيمه من حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه من حديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل" وأخرجه أيضا ابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح عن على موقوفا.
وأخرج أحمد وأبو داود ابن ماجه وابن خزيمه وابن حبان والطبراني من حديث أم الفضل لبانة بنت الحارث قالت: بال الحسين ابن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال: "إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى".
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أم قيس بنت محصن "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله".
= وقد علمت أن لا مفهوم ولا مقتضى إلا لكلام المعصوم. وقد تكلم الأصوليون على ذلك عند الكلام على" المنطوق والمفهوم"، والأخذ بهما في كلام الله ورسوله لا غير. وتكلموا مع ذلك على اعتبارهما في كلام الموصي والواقف، ولم يقولوا أن المتون وعبارات الفقهاء تنزل منزلة كلام الله وكلام رسوله ويؤخذ منها باللازم ولازم اللازم وتضرب الأحكام على العباد كافة باسم الشرع من هذا الطريق، كما ترى ذلك في كثير من كتب المتأخرين من فقهاء المذاهب حيث يعرضون لمسألة جديدة لم ينص عليها بذاتها أحد من المتقدمين فيستعرضون بعض كلام الفقهاء في أششباه تلك المسألة ويأخذون من عباراتهم باللازم والمفهوم، ويصبح ذلك حكما شرعيا لله تعالى في أعناق المكلفين. وكثير من شراح المتون الفقهية هذا دأبهم وقد لا تكون تلك المتون بلسان عربي مبين. وقد يخرجون بذلك عن قواعد المذاهب، بل وعن الأصول الفقهية، ونسوا أنهم إن كانوا مجتهدي مذهب أن واجبهم أن يبذلوا هذا الجهد في استعراض كتاب الله تعالى وصحيح السنة فيما يستجد من الأحكام ويأخذوا منهما على نحو ما أخذ إمامهم وعلى أصوله التي أسسها لهم، والله أعلم.
وفي صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء".
وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى عنها قالت: "كان يؤتى بالصبيان فيبرك1 عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله". فهذا تصريح بأنه لم يغسله فيكون إتباعه الماء إما مجرد النضح كما وقع في الحديثين الآخرين أو مجرد صب الماء عليه من دون غسل.
وبالجملة فالتصريح منه صلى الله عليه وسلم بالقول بما هو الواجب في ذلك هو الأولى بالاتباع لكونه كلاما مع أمته فلا يعارضه ما وقع من فعله على فرض أنه مخالف للقول وقد ذهب إلى الاكتفاء بالنضح في بول الغلام لا الجارية جماعة منهم علي وأم سلمه والثوري والأوزاعي والنخعي وداود وابن وهب وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق ومالك في رواية وهذا هو الحق الذي لا محيص عنه.
وذهب بعض أهل العلم وقد حكي عن مالك والشافعي والأوزاعي إلى أنه يكفي النضح فيهما وهذا فيه مخالفة لما وقع في هذه الأحاديث الصحيحة من التفرقة بين الغلام والجارية.
وذهبت الحنفية وسائر الكوفيين وهو محكى عن العترة إلى أنهما سواء في وجوب الغسل وهذا المذهب كالذي قبله في مخالفة الأدلة وقد استدل أهل هذا المذهب الثالث بالأدلة الواردة في نجاسة البول على العموم ولا يخفاك أنها مخصصة بالأدلة الخاصة المصرحة بالفرق بين بول الجارية والغلام وأما ما قيل من قياس بول الغلام على بول الجارية فلا يخفاك أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار وقد شذ ابن حزم فقال: انه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد المذكور سابقا بلفظ بول الغلام الرضيع ينضح والواجب حمل المطلق على المقيد.
1 بالتشديد من التبريك.
قوله: ولعاب الكلب. قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا" وثبت أيضا عندهما وغيرهما مثله من حديث عبد الله بن مغفل فدل ذلك على نجاسة لعاب الكلب وهو المطلوب هنا والكلام في الخلاف بين من عمل بظاهر هذه الأدلة ومن اكتفى بالتثليث معروف وليس ذلك مما يقدح في كونه نجسا لأن محل الدليل على النجاسة هو أيجاب الغسل وهكذا لا يتعلق بما نحن بصدده زيادة التغليظ بالترتيب كما وقع في أحاديث الباب في الصحيحين وغيرهما فإن المقصود هنا ليس إلا إثبات كون اللعاب نجسا لا بيان كيفية تطهيره فلذلك موضع آخر.
قوله: وروث. الدليل على نجاسة الروث ما تقدمت الإشارة إليه من قوله صلى الله عليه وسلم في الروث: "إنها ركس" والركس في اللغة النجس فالروثة نجس وهو المطلوب وقد قدمنا كلام التيمى في تخصيص ذلك بروث الخيل والبغال والحمير.
قوله: ودم الحيض. الدليل على ذلك ما ثبت عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث خولة بنت يسار قالت: يارسول الله ليس لي إلاثوب واحد وأنا حيض فيه قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره قال: "يكفيك الماء ولايضرك أثره" وفي إسناده ابن لهيعة.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمه وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن مرفوعا بلفظ: "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" قال: ابن القطان إسناده في غاية الصحة.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدنا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع قال: "تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضخه ثم تصلي فيه" فالأمر بغسل دم الحيض وحكه
بضلع يفيد ثبوت نجاسته وإن اختلف وجه تطهيره فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا.
وأما سائر الدماء فالأدلة فيها مختلفة مضطربة والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة أو المساوية ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير لكان ذلك مفيدا لنجاسة1 الدم المسفوح والميته ولكنه لم يرد ما يفيد ذلك بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب والظاهر رجوعه إلى الأقرب وهو لحم الخنزير لإفراد الضمير ولهذا جزمنا ههنا بنجاسة لحم الخنزير دون الميتة والدم الذي ليس بدم الحيض ولاسيما وقد ورد في الميتة ما يفيد أنه لا يحرم منها إلا أكلها كما ثبت في الصحيح بلفظ: "إنما حرم من الميتة أكلها" ومن رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا الضمير المذكور في الآية فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد بعد جملة مشتملة على أمور متعددة.
قوله: ولحم الخنزير. الدليل على نجاسته ما قدمنا قريبا من الآية الكريمة.
1 بناء على أن معناه النجس المتعارف بين المتشرعة لغة أو حقيقة شرعية، ودون ذلك مهامه، ومع هذا تعرف ما في إثبات نجاسة الروث لكون الركس لغة في النجس، ولو قيل تقريره صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة على فهم نجاستها وإرشادهم إلى كيفية تطهير جلدها دليل على نجاسة الميتة لما كان مستبعدا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما حرم من الميتة أكلها" فلا دلالة فيه على الطهارة إذ مفاده حصر محرم منافعها في الأكل دون سائر المنافع من نحو الاستصباح بدهنها والانتفاع بجلدها. وقد أرشدهم إلى تطهير جلدها لما كان من ضرورة الانتفاع به مباشرته. وأما دهنها فهو ممكن الانتفاع به من دون مباشرة، فلا يقال أن تسويغ الانتفاع إباحة لمباشرته وهو ينافي الحكم بنجاسته والله أعلم. من خط الفقيه محمد العمراني. وفيه غلط فاحش بذكره دهن الميتة فإنه من المحرمات قطعا كما في الصحيحين أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شحوم الميتة للاستصباح بها ودهن السفن فقال: لا هو حرام، ثم قال:"قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
قوله: وفيما عدا ذلك خلاف والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه.
أقول: أعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم والأصل البراءة من ذلك ولاسيما من الأمور التي تعم بها البلوى وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السكوت1 عن الأمور التي سكت الله عنها وأنها عفو فما لم يرد فيه شيء من الأدلة الدالة على نجاسته فليس لأحد من عباد الله أن يحكم بنجاسته بمجرد رأى فاسد أو غلظ في الاستدلال كما يدعيه بعض أهل العلم من نجاسة ما حرمه الله زاعما أن النجاسة والتحريم متلازمان وهذا الزعم من أبطل الباطلات فالتحريم للشيء لا يدل على نجاسته بمطابقة ولا تضمن ولا التزام فتحريم الخمر والميتة والدم لا يدل على نجاسة ذلك وكأن الشارع قد علم وقوع مثل هذا الغلط لبعض أمته فأرشدهم إلى ما يدفعه قائلا "إنما حرم من الميتة أكلها" ولو كان مجرد تحريم شيء مستلزما لنجاسته لكان قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] إلى آخره دليلا على نجاسة النساء المذكورات في الآية والمسلم لا ينجس حيا ولا ميتا كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح وهكذا يلزم نجاسة أعيان وقع التصريح بتحريمها وهي طاهرة بالاتفاق كالأنصاب والأزلام وما يسكر من النباتات والثمرات بأصل الخلقة.
فإن قلت: إذا كان التصريح بنجاسة شيء أو رجسيته أو ركسيته يدل على
1أخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن عن ثعلبة الخشني "رضي" يرفعه:"إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها. وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تقربوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تتكلفوها". قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن كثير غير نسيان رحمة لكم فاقبلوها". من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.
أنه نجس كما قلت في نجاسة الروث ولحم الخنزير فكيف لم تحكم بنجاسة الخمر لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة:90] .
قلت: لما وقع الخمر ههنا مقترنا بالأنصاب والأزلام كان ذلك قرينه صارفه لمعنى1 الرجسية إلى غير النجاسة وهكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] لما جاءت الأدلة الصحيحة المقتضية لعدم نجاسة ذوات المشركين كما ورد في أكل ذبائحهم وأطعمتهم والتوضؤ في آنياتهم والأكل فيها وإنزالهم المسجد كان دليلا على أن المراد بالنجاسة المذكورة في الآية غير الشرعية بل قد ورد البيان من الشارع لذلك بما لا يحتاج إلى زيادة فقال: في وفد ثقيف لما أنزلهم المسجد "ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما أنجاسهم على أنفسهم" فهذا يدل على أن تلك النجاسة حكمية لا حسية والتعبد إنما هو بالنجاسات الحسية وأما ما ورد فيه ما يدل على نجاسته ولكنه قد عورض بما هو أرجح منه فلا شك أنه يتعين العمل بالأرجح فإن عورض بما يساويه فالأصل عدم التعبد بما يتضمن ذلك الحكم حتى يرد موردا خالصا عن شوب المعارضة أو راجحا على ما عارضه.
وبالجملة فالواجب على المنصف أن يقوم مقام المنع ولا يتزحزح عن هذا المقام إلا بحجة شرعية وقد أوضحت في مصنفاتي كشرح المنتقى وحاشية الشفاء هذه المباحث المتعلقة بالنجاسة بما لا يحتاج الناظر في ذلك إلى النظر في غيره فليراجع.
1ظاهر كلامه أن الرجس إما مشترك أو أنه لغوي شرعي، وفي ذلك نظر، ثم إنه قد يقال: إن هذه دلالة اقتران ضعيفة، لأن قوله رجس خبر عن كل من المذكورات، والخبر الواحد لا يختلف لأنه محكوم به على متعددات. وأما الاستدلال على نجاسة الكافر والخمر والميتة بما في حديث أبي ثعلبة من الأمر بغسل آنية الكفار لكونهم كانوا يشربون فيها الخمر ويطبخون فيها اللحوم فلا يدل على النجاسة لجواز أن يكون ذلك لما تقدم بها من المحرم. وذلك لعدم وجود غيرها، وكذلك لا يدل أمره صلى الله عليه وسلم في لحوم الحمر بخيبر بأن تهراق الآنية وتكسر أو تغسل لاحتمال أنه ليس لأجل النجاسة من خط العلامة حسن بن يحيى قدس سره.