المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في غسل الجمعة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌فصل في غسل الجمعة

بعدهم حتى قال: أبو بكر ابن العربي أنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وهكذا نقل الإجماع ابن بطال ويتعقب بأنه قد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء وهو قول أكثر العترة.

وأما كون تقديم أعضاء الوضوء غير واجب فلأنه يصدق الغسل ويوجد مسماه بالإفاضة على جميع البدن من غير تقديم.

وأما التيامن فلثبوته عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا عموما وخصوصا فمن العموم ما ثبت في الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهورره وفي شأنه كله" ومن الخصوص ما ثبت في الصحيحين وغيرهما "أنه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر في الغسل" وقد ثبت من قوله: ما يفيد ذلك ولا خلاف في استحباب التيامن.

ص: 58

‌فصل في غسل الجمعة

ويشرع لصلاة الجمعة وللعيدين ولمن غسل ميتا وللإحرام ولدخول مكة.

أما مشروعية لصلاة الجمعة فلحديث "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول ورواه عن نافع نحو ثلاثمائة نفس ورواه من الصحابة غير ابن عمر نحو أربعة عشرين صحابيا وقد ذهب إلى وجوبه جماعة قال: النووي حكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة وبه قال: أهل الظاهر وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار ومالك وحكاه الخطابي عن الحسن البصري وحكاه ابن حزم عن جمع من الصحابة ومن بعدهم وذهب الجمهور إلى أنه مستحب واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله.

ص: 58

تعالى بلفظ "من توضأ فأحسن وضوءه ثم أتي الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام " وبحديث سمره "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل" أخرجه أحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وفيه مقال: مشهور وهو عدم سماع الحسن من سمره وغير ذلك من الأحاديث قالوا: وهي صارفة للأمر إلى الندب ولكنه إذا كان ما ذكروه صالحا لصرف الأمر فهو لا يصلح لصرف مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وقد استوفيت الكلام على حكم غسل الجمعة في شرح المنتقى1 فليرجع إليه. ولا يخفى أن تقييد الغسل

1والذي عول عليه الشارح هنالك أن الأحاديث الدالة على الوجوب أرجح من الدالة على عدم الوجوب، كالذي في حديث سمرة قوله:"فالغسل أفضل" وحديث "من توضأ فأحسن الوضوء" وحديث عمر رضي الله عنه في استنكاره عدم الغسل من عثمان رضي الله عنه بدون أن يأمره به. ونقل الشارح هنالك عن ابن دقيق العيد أنه إنما يصار إلى تأويل أحاديث الوجوب عند رجحان المعارض في الدلالة على هذا الظاهر. إلخ. كلامه.

وقد يقال عليه: أما رجحانه في الدلالة على عدم الوجوب، فهو ثابت لتصريحه فيه بأنه أفضل فقط، وليس بواجب، وهو لا يحتمل غير ذلك، بخلاف الأوامر فهي تحتمل الاستحباب، والمصرح فيها بالوجوب وبالحق، تحتمل تأكد الاستحباب والمبالغة في أنه كالواجب، كقولك: حقك علي واجب، والعدة عندي دين.

وأما الرجحان في السند، فمسلم فيها، ولكن إذا صح فلا يسقط، ويصار إلى الأرجح سندا إلا مع عدم إمكان الجمع، وهو هنا ممكن بالحمل، على تأكد الاستحباب. ولذا قرن معه ما ليس بواجب اتفاقا، وهو السواك، وأن يمس من الطيب.

قال في المنتقى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكد استحبابه بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب إلخ. ودفعه الشارح بأنه قد تقرر ضعف دلالة الاقتران، ويقال عليه: ضعفها إنما هو في غير ما اجتمعا عليه في الحكم بسبب العطف. وأما ما نحن فيه، فقد عرف أنهما اجتمعا في حكم الوجوب فيما ذكر على كل محتلم، فإذا خرج أحدهما عن الوجوب لزم خروج الآخر عنه. والله أعلم وقد ذكر نحوه ابن دقيق العيد في حديث "الفطرة خمس" من خط سيدي العلامة الحسن بن يحيى الكبسي قدس الله روحه ونور ضريحه.

ص: 59

بالمجيء للجمعة يدل على أنه للصلاة1 لا لليوم.

وأما مشروعية غسل العيدين فقد روي من فعله صلى من حديث الفاكة بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر" أخرجه أحمد وابن ماجه والبزار والبغوي وأخرج نحوه ابن ماجه من حديث ابن عباس وأخرجه البزار من حديث أبي رافع وفي أسانيدها ضعف ولكنه يقوي بعضه بعضا ويقوي ذلك آثار عن الصحابة جيدة.

وأما مشروعية ذلك لمن غسل ميتا فوجهه ما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة مرفوعا "من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" وقد روى من طرق وأعل بالوقف وبأن في إسناده صالحا مولى التوأمة ولكنه قد حسنه الترمذي وصححه ابن القطان وابن حزم وقد روى من غير طريق وقال الحافظ ابن حجر: هو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض وقال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا وقد روى نحوه عن على عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن أبي شيبه وأبي يعلي والبزار والبيهقي وعن حذيفة عند البيهقي قال ابن أبي حاتم: والدارقطني لا يثبت وعن عائشة من فعله صلى الله عليه وسلم عند أحمد وأبي داود وقد ذهب إلى الوجوب على وأبو هريرة والإمامية ورواية عن الناصر وذهب الجمهور إلى أنه مستحب قالوا: وهذا الأمر مذكور في الحديث السابق مصروف عن الوجوب بحديث "إن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" أخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر ولحديث "كنا نغسل الميت

1 وقد أخرج أبو عوانة وابن حبان في صحاحهم حديث ابن عمر من طريق عثمان بن واقد عن نافع بلفظ: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فلا يغتسل" قال الحافظ: ورجاله رجال ثقات، لكن قال البزار: أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه. والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

ص: 60

فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" أخرجه الخطيب عن ابن عمر وصحح ابن حجر أيضا إسناده ولما وقع من الفتيا من الصحابة لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنه لما غسلته فقالت لهم: "إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا لا" رواه مالك في الموطأ.

وأما مشروعيته للإحرام فلحديث زيد بن ثابت "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل" أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي والطبراني وحسنه الترمذي وضعفه العقيلي ولعل وجه التضعيف كون عبد الله بن يعقوب المدني في إسناده قال ابن الملقن في شرح المنهاج: لعل الترمذي حسنه لأنه عرف عبد الله بن يعقوب أي عرف حاله وفي الباب عن عائشة عند أحمد وعن أسماء عند مسلم وقد ذهب إلى استحباب غسل الإحرام الجمهور وقال: الناصر أنه واجب وقال: الحسن البصري ومالك أنه محتمل.

وأما مشروعية الغسل لدخول مكة فلما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى عن ابن عمر "أنه كان لا يدخل مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا" ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وأخرج البخاري معناه قال في الفتح: قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند الجميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم: يجزئ عنه الوضوء.

ص: 61