المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قضاء الحاجة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌باب قضاء الحاجة

‌باب قضاء الحاجة

على المتخلي الاستتار حتى يدنو من الأرض والبعد أو دخول الكنيف وترك الكلام والملابسة لما له حرمة وتجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع أو عرف وعدم الاستقبال والاستدبار للقبلة وعليه الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة أو ما يقوم مقامها ويندب الاستعاذة عند الشروع والاستغفار والحمد بعد الفراغ.

أقول أما مشروعية الاستتار حتى يدنو من الأرض عند قضاء الحاجة فلما ورد من الأدلة على وجوب ستر العورة عموما وخصوصا إلا عند الضرورة ومنها قضاء الحاجة فلا يكشف عورته إلا عند القعود.

وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي ومن حديث أبي هريرة بلفظ "من أتي الغائط فليستتر".

وأما البعد فلما أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي من حديث جابر قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى" ولفظ أبي داود "كان إذا أراد البراز انطلق حتى لايراه أحد" ورجاله رجال الصحيح إلاإسماعيل بن عبد الملك الكوفي ففيه مقال يسير وأما إذا أراد أن يقضي الحاجة في البيان وهناك كنيف فليس عليه إلا أن يدخله وإن قرب من الناس لما سيأتي من حديث ابن عمر.

وأما ترك الكلام فلحديث: "لايخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك" أخرجه أحمد أبو داود وابن ماجه

ص: 37

من حديث أبي سعيد وأخرج نحوه ابن السكن وصححه من حديث جابر.

وأما ترك الملابسة لما له حرمة فلحديث أنس عند أهل السنن وصححه الترمذي والمنذري وابن دقيق العيد بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه". لم يأت فيه من ضعفه بما تقوم به الحجة1 في التضعيف.

وأما تجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع أو عرف فقد ورد في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة عند مسلم رحمه الله تعالى وأحمد وأبي داود قال: "اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يارسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم".

ومن حديث معاذ بن جبل عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وابن السكن وصححاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" وقد أعل بأنه من رواية أبي سعيد الحميري عن معاذ ولم يسمع منه وفي الباب أحاديث فيها مقال.

ومن الأمكنة التي نهى الشارع عنها الجحر لحديث عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الحجر أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي وقد أعل أنه من رواية قتادة

عنه ولم يسمع منه ولكنه قد صحح سماعه منه علي بن المديني وصحح الحديث ابن خزيمة وابن السكن.

ومنها: ما أخرجه أحمد أهل السنن من حديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لايبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه".

1تكلم فيه أبو داود بعد أن أخرجه بأنه حديث منكر وهم فيه همام، وإنما هو عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه" فرواه همام عن ابن جريج كما في الكتاب فوهم فيه، انتهى بالمعنى من السنن، وهي علة ظاهرة، إلا أن الترمذي قد حسنه. من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.

قلت: وينظر في الترمذي فإن المؤلف كما ترى ذكر عنه تصحيحه.

ص: 38

ومنها ما أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد.

وأما المنع من التخلي في المواضع التي منع منها عرف الناس فوجهه أنهم يتأذون بذلك وما كان ذريعة إلى ما لا يحل فهو لا يحل.

وأما المنع من الاستقبال والاستدبار للقبلة فقد ورد في ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب بلفظ: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستبدورها ولكن شرقوا أو غربوا" وأخرج نحوه مسلم رحمه الله وغيره من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أيضا وابن ماجه وابن حبان ومن حديث عبد الله ابن الحارث بن جزء وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل والدارمي في مسنده من حديث سهل بن حنيف وقد أختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال استوفيناها في شرح المنتقى.

وقد استدل من لم يمنع من ذلك بما أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر قال: "رقيت يوما في بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" وجعلوا هذا الحديث ناسخا لأحاديث النهي.

ومن جملة ما أستدلوا به حديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجه والبزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني نقال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول" فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وقد نقل الترمذي عن البخاري تصحيحه وصححه أيضا ابن السكن وحسنه أيضا البزار ولا يخفى أنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة فما وقع منه صلى الله عليه وسلم لا يعارض النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة.

فإن قلت حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال: "أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة".

ص: 39

قلت: لو صح هذا لكان صالحا للنسخ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لقصد التشريع ولمخالفة من كان يكره الاستقبال ولكنه لم يصح فان إسناده خالد بن أبي الصلت قال: ابن حزم هو مجهول وقال: الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن أبي الصلت أن هذا الحديث منكر وقد استدل من خصص المنع من الاستقبال والاستدبار للقبلة بالفضاء بما أخرجه أبو داود والحاكم عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن ذلك فقال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده ولكنه إنما يكون هذا دليلا إذا كان قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد تخصيص ذلك النهي السابق وأما إذا مستنده إنما هو مجرد فهمه من فعله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فلا يكون هذا الفهم حجة ومع هذا الاحتمال لا ينتهض للاستدلال.

وأما الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة فوجهه ما في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بأقل من ثلاث أحجار وعن الاستنجاء برجيع أوعظم. وأخرج أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدراقطني وقال: إسناده صحيح حسن من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" وأخرج نحوه أبوداود والنسائي من حديث أبي هريرة وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروثة والرمة وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والدرامي وأبو عوانة في صحيحه والشافعي من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ: "وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار" وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا وإذا لم توجد الأحجار فغيرها يقوم مقامها للضروة ما لم يكن ذلك الغير مما ورد النهي عنه كالروثة والرجيع والعظم فإنه لا يجوز ولا يجزئ.

ص: 40

وأما مشروعية الاستعاذة عند الشروع فوجهه ما أخرجه الجماعة من حديث انس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" وقد روى سعيد بن منصور في سننه أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" وإسناده على شرط مسلم.

وأما الحمد والاستغفار بعد الفراغ فوجه ذلك ما أخرجه ابن ماجه بإسناد صالح من حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "الحمد الله الذي أذهب عني الأذى" وأخرج نحوه النسائي وابن السني من حديث أبي ذر ورمز السيوطي لصحته.

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك" وصححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم.

ص: 41