المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المشي بالجنازة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌فصل في المشي بالجنازة

لذلك شهر أخرجه الترمذي وصلى على النجاشى هو وأصحابه كما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وأبي هريرة وهو مات في دياره بالحبشة فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدنية والخلاف في الصلاة على القبر والغائب معروف ولم يأت المانع بشيء يعتد به.

ص: 140

‌فصل في المشي بالجنازة

ويكون المشي بالجنازة سريعا والمشي معها والحمل لها سنة والمتقدم عليها أو المتأخر عنها سواء ويكره الركوب ويحرم النعي والنياحة واتباعها بالنار وشق الجيب والدعاء والويل والثبور ولا يقعد المتبع لها حتى توضع والقيام لها منسوخ.

أقول: أما كون المشي سريعا فلحديث أبي بكرة عند أحمد والنسائي وأبي داود والحاكم قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا" وأخرج البخاري في تاريخه قال: أسرع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسراع مستحب وقال: ابن حزم بوجوبه وذهب بعض أهل العلم إلى أن المتسحب التوسط لحديث أبي موسى قال: مرت برسول الله صلى جنازة تمخض مخيض الزق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم القصد" أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وفي إسناده ضعف وأخرج الترمذي وأبوداود من حديث ابن مسعود قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال: ما دون الخبب أي الرمل فإن كان خير عجلتموه وإن كان شرا فلا يبعد إلا أهل النار" وفي إسناده مجهول ولا يخفى عليك أن حديث أبي موسى لا يصلح للاحتجاج به على فرض عدم وجود ما يعارضه فكيف وقد عارضه ما هو في

ص: 140

الصحيحين بلفظ الأمر وأما حديث ابن مسعود فلا ينافي الإسراع لأن الخبب هو ضرب من العدو ومادونه إسراع.

وأما كون المشي معها سنة فظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يمشي مع الجنائز هو وأصاحبة كما يفيد ذلك الأحاديث المتقدمة في صفة المشي والأحاديث الآتية في المتقدم والتأخر على الجنازة وكحديث أبي هريرة الثابت في الصحيح " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا" الحديث".

وأما كون الحمل لها سنة فلحديث ابن مسعود قال: "من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتوطع وإن شاء فليدع" أخرجه ابن ماجه وأبو داود الطيالسي والبيهقي من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عنه وفي الباب عن جماعة من الصحابة والأحاديث يقوي بعضها بعضا ولا تقصر عن إفادتة مشروعية الحمل.

وأما كون المتقدم عليها والمتأخر عنها سواء فلما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله وغيره أن الصحابة كانوا يمشون حول جنازة ابن الدحداح" وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه وابن حبان وصححه أيضا الحاكم وقال: على شرط البخاري من حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها وعن يسارها" ولفظ أبي داود "والماشى يمشى خلفها وأمامها وعن يمنيها ويسارها قريبا منها" وفي لفظ لأحمد والنسائي والترمذي "الراكب خلف الجنازة والماشى حيث شاء منها" وأخرج أحمد وأهل السنن والدارقطني والبيهقي وابن حبان وصححه من حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة" وصححه ابن حبان وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المشي أمام الجنازة أفضل وبعضهم إلى أن المشي خلفها أفضل والحق أن ذلك سواء ولا ينافيه رواية أنه صلى الله عليه وسلم مشى أمامها وحلفها فذلك كله سواء لأن المشي مع الجنازة إما أن يكون أمامها أو خلفها أو في جوانبها وقد أرشد إلى

ص: 141

ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم فكل مكان من الأمكنة المذكورة هو من جملة ما أرشد إليه.

وأما كون الركوب مكروها فلحديث ثوبان قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ناسا ركبانا فقال: "ألا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب" أخرجه ابن ماجه والترمذي وأخرج أبوداود من حديث ثوبان أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بدابته وهو مع جنازة فأبى أن يركبها فلما أنصرف أتى بدابة فركب فقيل له فقال: "إن الملائكة كانت تمشى فلم أكن لأركب وهم يمشون فلما ذهبوا ركبت" وقد خرج صلى الله عليه وسلم مع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس كما في حديث جابر ابن سمرة عند الترمذي وقال: صحيح ولا يعارض الكراهة ما تقدم من قوله: "الراكب خلف الجنازة" لأنه ممكن أن يكون لبيان الجواز مع الكراهة أو المراد بأن يكون الركب خلفها أن يكون بعيدا على وجهه لا يكون فيه صورة من يمشي مع الجنازة.

وأما تحريم النعي فلحديث حذيفة عند أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه أن النبي صلى نهى عن النعي" وحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إياكم والنعي فإن النعي عمل الجاهلية" أخرجه الترمذي وفي إسناده أبو حمزة ميمون الأعور وليس بالقوي في الباب أحاديث.

وأما تحريم النياحة فلحديث "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث المغيرة وعلى النياحة تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن البكاء وأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه" وأخرج أحمد ومسلم من حديث أبي مالك الأشعري "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي موسى بلفظ "أنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة".

ص: 142

وأما تحريم اتباعها بنار وشق الجيب والدعاء بالويل والثبور فلحديث أبي بردة قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال: لا تتبعوني بمجمر قالوا أوسمعت فيه شيئا؟ قال نعم من رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه ابن ماجه وفي إسناد مجهول وقد كان هذا الفعل من أفعال الجاهلية وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".

وأما كونه لا يقعد المتبع لها حتى توضع فلحديث "إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها فمن اتبعها فلا يجلس حتى توضع" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحو وقد وردت أحاديث صحيحة في القيام للجنازة إذا مرت بمن كان قاعدا كحديث "إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وغيره وأخرج مسلم رحمه الله من حديث على رضي الله عنه قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم يعنى في الجنازة ثم قعد" وفي رواية من حديثه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار من حديث عبادة ابن الصامت أن يهوديا قال: لما كان النبي يقوم للجنازة هكذا نفعل فقال: النبي اجلسوا وخالفوهم" وفي إسناده بشر بن أبي رافع وليس بالقوي كما قال الترمذي وقال البزار تفرد به بشر وهو لين فأفاد ما ذكرناه أن القيام للجنازة إذا مرت أمر منسوخ وأما قيام الماشي خلفها حتى توضع على الأرض فمحكم لم ينسخ قال: القاضي عياض ذهب جميع السلف إلى أن الأمر منسوخ بحديث علي هذا.

ص: 143