المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجماعة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌باب صلاة الجماعة

‌باب صلاة الجماعة

هي من آكد السنن وتنعقد باثنين وإذا كثر الجمع كان الثواب أكثر وتصح بعد المفضول والأولى أن يكون الإمام من الحيار ويؤم الرجل بالنساء لا العكس والمفترض بالمنفل والعكس وتجب المتابعة في غير مبطل ولا يؤم الرجل قوما هم له كارهون ويصلى بهم صلاة أخفهم ويقدم السلطان ورب المنزل والا قرأ ثم لأعلم ثم الأسن وإذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المؤتمين وموقفهم حلفه إلا الواحد فعن يمنيه وإمامة النساء وسط الصف ويقدم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء والأحق بالصف الأول أولو الأحلام والنهى وعلى الجماعة أن يسووا صفوفهم وأن يسدوا الخلل ويقيموا الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك.

أما كونها من آكد السنن، فلما ورد فيها من الترغبيات حتى أنه صلى الله عليه وسلم صرح بأنها تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة كما في الصحيحين ووقع منه الإخبار بأنه قد هم بأن يحرق على المتحلفين دورهم ولازمها صلى الله عليه وسلم من الوقت الذي شرعها الله فيه إلى أن قبضه الله إليه ولم يرخص صلى الله عليه وسلم في تركها لمن سمع النداء1 فإنه سأله الرجل الأعمى أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى

1لعله أشار إلى ما أخرجه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم. قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من سمع النداء فلم يأتي الصلاة فلا صلاة له"، لكنه ليس ثابتا في الصحيح كما عرفت، والله أعلم. من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

ص: 98

دعاه فقال: هل تسمع النداء قال: نعم قال: فأجب" وكل ما ذكرناه ثابت في الصحيح وثبت في الصحيح أيضا عن ابن مسعود " أنه قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".

وأما انعقاد الجماعة باثنين فليس في ذلك خلاف وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أنه صلى بالليل مع النبي صلى الله عليه وسلم وجده وقعد عن يساره فأداره إلى يمنيه".

وأما كثرة الثواب إذا كثر الجمع فقد ثبت عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله" أحرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم وأما صحة الجماعة بعد المفضول فقد صلى صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر1 وبعد غيره من الصحابة كما في الصحيح ولعدم وجود دليل يدل على أنه يكون الإمام أفضل والأحاديث التي فيها "لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه" ونحوها ولا تقوم بها الحجة وعلى فرض أنها تقوم بها الحجة فليس فيها إلا المنع من إمامة من كان ذا جرأة في دينه وليس فيها المنع من إمامة المفضول وقد عورض ذلك بأحاديث تتضمن الإرشاد إلى الصلاة خلف كل بر وفاجر وخلف من قال: لا إله إلا الله وهي ضعيفة وليست بأضعف مما عارضها والأصل أن الصلاة عبادة يصح تأديتها خلف كل مصل إذا قام بأركانها وأذكارها على وجه لا تخرج به الصلاة عن الصورة المجزئة وإن كان الإمام غير متجنب للمعاصي ولا متورع عن كثير مما يتورع عنه غيره ولهذا أن الشارع إنما اعتبر حسن القراءة والعلم والسنن ولو لم يعتبر الورع والعدالة فقال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء

1صلاته خلف أبي بكر ثابتة عند الشيخين مرتين، وعند مسلم:"أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف". وينظر هل صلى خلف أحد غيرهما. من خط العمراني رحمه الله

ص: 99

فأعلمهم بالسنة فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" أخرجه مسلم رحمه الله وغيره من حديث ابن مسعود وفي حديث مالك بن الحويرث "وليؤمكما أكبركما" وهو في الصحيحين وغيرهما وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة مرتين فصلى بهم وهو أعمى والحاصل أن الشارع اعتبر الأفضلية في القراءة والعلم والسنة وقدم الهجرة وعلو السن فلا ينبغي للمفضول في مثل هذه الأمور أن يؤم الفاضل إلا بإذنه ولا اعتبار بالفضل في غير ذلك.

وأما أولوية أن يكون الإمام من الخيار فلحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" رواه الدارقطني وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم".

وأما كونه يؤم الرجل بالنساء لا العكس فلحديث أنس في الصحيحين وغيرهما "أنه صف هو واليتيم وراء النبي صلى الله عليه وسلم والعجوز من روائهم" وقد أخرج الإسماعيلى عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا" وقد كانت النساء يصلين خلفه صلى الله عليه وسلم في مسجده وليس في صلاة النساء خلف الرجل مع الرجال نزاع وإنما الخلاف في صلاة الرجل بالنساء فقط ومن زعم أن ذلك لا يصح فعليه الدليل وأما عدم صحة إمامة المرأة بالرجل فلأنها عورة وناقصة عقل ودين والرجال قوامون على النساء " ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" كما ثبت في الصحيح ومن ائتم بالمرأة فقد ولاها أمر صلاته وأما كونه يؤم المفترض بالمنتفل والعكس فلا خلاف1 في صحة صلاة

1 قد أكثر شيخنا في هذا الشرح من الاستناد إلى الاجماع وليس بحجة ولا هو في مقام حجاج، ونستدل لهذه المسألة بما أخرجه أحمد، أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن حبان، وصححه، عن يزيد بن الأسود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجلين لم يصليا معه ترعد فرائصها فقال: ما منعكما أن تصليا معنا، قالا: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنه لكم نافلة"، وأخرج أبو داود=

ص: 100

المفترض بالمنتفل وأما العكس فلحديث معاذ "أنه كان يؤم قومه بعد أن يصلي تلك الصلاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم" وهي في الصحيحين وغيرهما وأما صلاة المنتفل بعد المنتفل فكما فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وصلى ابن عباس وكذلك صلاته بأنس واليتيم والعجوز وغير ذلك والكل ثابت في الصحيح. وأما كونها تجب المتابعة للإمام في غير مبطل فلحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" وهو ثابت في الصحيح من حديث أبي هريرة وأنس وجابر وثابت خارج الصحيح عن جماعة من الصحابة وورد الوعيد على المخالفة كحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه إلى رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار" أخرجه الجماعة ولا يتابعه في شيء يوجب بطلان صلاته نحو أن يتكلم أو يفعل أفعالا تخرجه عن صورة المصلي ولا خلاف في ذلك.

وأما كونه لا يؤم الرجل قوما هم له كارهون فلحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا ورجل اعتبد محرر" أخرجه أبو داود وابن ماجه وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وفيه ضعف. وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون" وقد حسنه الترمذي وضعفه البيهقي. قال

= والنسائي وحسنه من حديث أبي سعيد الخدري قال:"أيكم يتجر مع هذا فقام رجل فصلى معه" والله أعلم. من خط العمراني.

وقد يقال: الحجة على الصحة عدم ورود ما يمنع عن الشرع إلا أن يقال: دليل المنع حديث: "لا تختلفوا على إمامكم" وحينئذ تكون هذه الأدلة مخصصة ومصححة للإئتمام مع الاختلاف في النية. من خط سيدي الحسن بن يحيى قدس سره.

ص: 101

النووي في الخلاصة والأرجح قول الترمذي وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا. وأما كونه يصلي بهم صلاة أخفهم فلما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء" وفي الباب أحاديث صحيحة واردة في التخفيف.

وأما كونه يقدم السلطان ورب المنزل فلما ثبت في الصيحيحين من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو مرفوعا "لا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه" وفي لفظ "لا يؤمن الرجل الرجلَ في أهله ولا سلطانه" وورد تقييد جواز ذلك بالإذن وفي لفظ لأبي داود "لا يؤم الرجل في بيته".

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن مالك بن الحويرث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم".

وأما تقديم الأقرأ ثم الأعلم ثم الأسن فلما في حديث أبي مسعود بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" وهو في الصحيح وإنما لم نذكر الهجرة في المختصر لأنه لا هجرة بعد الفتح كما في الحديث الصحيح.

وأما كونها إذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المؤتمين فلحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم" أخرجه البخاري وغيره وأخرج ابن ماجه من حديث سهل ابن سعد نحوه.

وأما كون موقف المؤتمين خلف الإمام إلا واحد فعن يمنيه فلحديث جابر بن عبد الله "إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه ثم جاء آخر فقام عن يسار

ص: 102

النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيديهما فدفعهما حتى أقامها خلفه" وهو في الصحيح وقد كان هذا فعله وفعل أصحابه في الجماعة يقف الواحد عن يمين1 الإمام والاثنان فما زاد خلفه وقد ذهب الجمهور إلى وجوب ذلك وقال: سعيد بن المسيب أنه مندوب فقط وروى عن النخعي أن الواحد يقف خلف الإمام.

وأما كون إمامة النساء وسط الصف فلما روى من فعل عائشة أنها أمت النساء فقامت وسط الصف" أخرجه عبد الرزاق والدراقطني والبيهقي وابن شيبة والحاكم وروى مثل ذلك عن أم سلمة أخرجه الشافعي وابن شيبة وعبد الرزاق والدارقطني.

1 وميمنة الصف أفضل، لما أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه عن عائشة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف".

وقد أغفل شيخنا حفظه الله تعالى من أحكام الجماعة أفضلية الوقوف في الصف الأول، كما أخرجه البخاري عن أبي هريرة في حديث طويل وفيه:"ولو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه" وأخرج ابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الصف المتقدم ثلاثا، وعلى الثاني مرة"، وشرعية تجنب الصلاة بين السواري لما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه عن عبد الحميد بن محمود قال، صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك:"كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأخرج الحاكم عن أنس وصححه: "كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها، وقال: وقال: "لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف". وأخرج ابن ماجه عن معاوية بن قرة قال: "كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد طردا" وفي إسناده مجهول. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس يرفعه: "عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة، وإياكم والصف بين السواري" وفيه إسماعيل بن يوسف المكي. قال الهيثمي: متروك.

وكراهيته التدافع عن الإمامة لما أخرجه أبو داود، وابن ماجه، عن سلامة بنت الحر الفزارية قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماما يصلي بهم". هـ. من خط العمراني سلمه الله تعالى.

أقول: الأولى كتب هذه الحاشية آخر هذا البحث عند قول المؤلف سلمه الله، وورد أيضا أن الوقوف يمنة الصف أولى وأفضل. هـ.

ص: 103

وأما تقديم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء فلحديث أن مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان. أخرجه أحمد وأخرج بعضه أبو داود وفي إسناده شهر ابن حوشب ويؤيده ما في الصحيحين من حديث أنس "أنه قام هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم خلفهم" وأما الأحق بالصف الأول هم أولو الأحلام والنهى فلحديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليلنى1 منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه".

وأما كون على الجماعة أن يسووا صفوفهم ويسدوا الخلل فلما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وسطوا الإمام وسدوا الخلل" وفي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" عنه أيضا في الصحيحين "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: "تراصوا واعتدلوا" وثبت في الصحيح من حديث النعمان بن بشير أنه قال صلى الله عليه وسلم: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".

وأما كونهم يتمون الصف الأول ثم الذي يليه فلما ورد من الأحاديث الصحيحة من أمره صلى الله عليه وسلم بإتمام الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك فالسنة ألا يقف المؤتم في الصف الثاني وفي الصف الأول سعة ثم لا يقف في الصف الثالث وفي الصف الثاني سعة ثم كذلك وورد أيضا "أن الوقوف يمنة الصف أولى وأفضل".

1 قوله: ليلني بكسر اللامين وخفة النون من غير ياء قبل النون، وبإثباتها مع شدة النون على التأكيد.! هـ. مناوي على الجامع الصغير.

ص: 104