الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أحكام التيمم
يسباح به مايستباح بالوضوء والغسل لمن لا يجد الماء أو خشي الضرر من استعماله وأعضاؤه الوجه ثم الكفان يمسحهما مرة واحدة بضربة ناويا مسميا ونواقضه نواقض الوضوء.
أقول: حكم التيمم مع العذر المسوغ له حكم الوضوء لمن يكن جنبا وحكم الغسل لمن كان جنبا1 يصلي به ما يصلي المتوضئ بوضوئه ويستبيح به ما يستبيحه المغتسل بغسله فيصلي به الصلوات المتعددة ولا ينتقص بفراغ من صلاة ولا باشتغال بغيره ولا بخروج وقت على ما هو حق والخلاف في ذلك معروف والأدلة الواردة بمشروعية التيمم عند عدم الماء ثابتة كتابا وسنة.
وأما التيمم لخشية الضرر من الماء فلما أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث جابر قال: "خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون له رخصة في التيمم فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: " قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما
1قلت والحائض والنفساء، وقد أخرج البيهقي في سننه بسند فيه المثنى بن الصباح عن أبي هريرة قال:"جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نكون بالرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى، قال: عليكم بالصعيد" والله أعلم. من خط محمد العمراني. سلمه الله تعالى. ولا يخفى أن حكم الحيض والنفاس قد شمله قول المؤلف، يستباح به ما يستباح بالوضوء والغسل إلخ. هـ.
شفاء العي السؤال إنما كان يكفية أن يتيم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده" وقد تفرد به الزبير1 بن خريق وليس بالقوى وقد صححه ابن السكن وروى من طريق أخرى عن ابن عباس وقد ذهب إلى مشروعية التيمم للعذر الجمهور وذهب أحمد ابن حنبل2 وروى عن الشافعي في قوله: له أنه لا يجوز التيمم لخشية الضرر ولا أدري كيف صحة ذلك عنهما فإن هذا الحديث يؤيده قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:43] الآية وكذلك حديث المسح على الجبائر المروي عن علي رضي الله عنه وكذلك حديث عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل فاحتلم في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه فلما قدموا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب" فقال: ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا رواه أحمد والدارقطني وابن حبان والحاكم وأخرجه البخاري تعليقا.
1ولم يتكلم فيه في الخلاصة، ولا المنذري، وثقه ابن حبان. وقد رواه أبو داود من طريق الأوزاعي أنه بلغه، وعن عطاء عن ابن عباس وفيه انقطاع، وبينه ابن ماجه من طريق كاتب الأوزاعي فوصله عن عطاء، وما ذكره الشارح أشار إليه في التلخيص عن أبي داود، أعني أنه تفرد به وذكره عن الدارقطني، وقد حقق التفرد به ولم يظهر فيه علة. من خط العلامة الحسن ابن يحيى قدس سره.
2 ينظر هذا: فإن الخلاف فيمن كان جنبا وفي بدنه جراحة، وكذا فيمن كان جنبا ويخشى من الغسل التلف، لا في من لم يكن جنبا وهو مريض يخشى الضرر فلا خلاف فيه. ولفظ الخطابي في المسألة الأولى، أعني فيمن أجنب وبه شجة: أن في الحديث من الفقه، أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان أقل أعضائه مجروحا جمع بين الماء والتيمم وإن كان أكثر كفاه التيمم. وعلى قول الشافعي: لا يجزئه في الصحيح من بدنه قل أو كثر. قال في المسألة الأولى إنه اختلف فيها، فشدد فيها عطاء بن أبي رباح قال: يغتسل وإن مات. وقال سفيان ومالك: يغسل وهو بمنزلة المريض، وأجازه أبو حنيفة في الحضر. وقال الشافعي: يغتسل وإن مات. وقال سفيان ومالك: يغسل وهو بمنزلة المريض، وأجازه أبو حنيفة في الحضر. وقال الشافعي: إذا خاف على نفسه التلف من شدة البرد تيمم وصلى، ثم يعيد الصلاة. إلى آخره. فلم يذكر في الخلاف ما ذكره هنا، من خط العلامة الحسن بن يحيى قدس سره العزيز.
وأما كون أعضائه الوجه والكفين فلما ورد من الأحاديث الصحيحة قولا وفعلا وقد أشار بالعطف بثم إلى الترتيب بين الوجه والكفين وأما الاقتصار على الكفين فلكون الأحاديث الصحيحة مصرحة بذلك منها حديث عمار ابن ياسر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين" أخرجه الترمذي وغيره وصححه.
ومنها ما في الصحيحين من حديث عمار أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنما كان يكفيك هكذا وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجه وكفيه" وفي لفظ للدارقطني "إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين" وقد ذهب إلى أنه يقتصر من اليدين على الكفين عطاء ومكحول والأوزعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث هكذا في شرح مسلم وذهب الجمهور إلى أن المسح في التيمم إلى المرفقين وذهب الزهري إلى أنه يجب المسح إلى الإبطين وقال: الخطابي أنه لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم1 مسح ما وراء المرفقين والحق ما ذهب إليه الأولون لأن الأدلة التي استدل بها الجمهور منها ما لا ينتهض للاحتجاج به كحديث ابن عمر عند الدارقطني والحاكم والبيهقي مرفوعا بلفظ "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" وفي إسناده علي بن ظبيان قال الدارقطني: وثقة ابن القطان وهشيم وغيرهما وقال الحافظ: هو ضعيف ضعفه ابن القطان وابن معين وغير واحد وأما ما ورد فيه لفظ اليدين كما وقع في بعض روايات من حديث عمار فالمطلق يحمل على المقيد بالكفين واحتج الزهري بما ورد في رواية من حديث عمار أيضا بلفظ "إلى الآباط" وقد نسخ ذلك كما قال الشافعي:
وأما كون التيمم ضربة واحدة فلأن ذلك هو الثابت في الأحاديث الصحيحة ولم يثبت ما يخالف ذلك من وجه صحيح وقد ذهب إلى كون التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين الجمهور وذهب جماعة من الأئمة والفقهاء
1 إشارة إلى ضعف المنقول عن الذهري في وجوب مسح ذلك.
إلى أن الواجب ضربتان للوجه وضربة لليدين وذهب ابن المسيب وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين وأما كونه ناويا مسميا فلما تقدم في الوضوء لأنه بدلا عنه وأدلة النية شاملة لكل عمل.
وأما كون نواقضه نواقض الوضوء فلما ذكرنا من البدلية ومن أثبت للتيمم شيئا من النواقض لم يثبت في الوضوء لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ولم نجد دليلا تقوم به الحجة يصلح لذلك فالواجب الاقتصار على نواقض الوضوء.
وأما وجود الماء في الوقت بعد الفراغ من الصلاة بالتيمم فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يعد الصلاة من الرجلين اللذين سألاه بعد أن صلياها بالتيمم ثم وجدا الماء إن الذي لم يعد فقد أصاب السنة والحديث معروف وأما قوله للذي أعاد: "لك الأجر مرتين" فلكونه قد كرر العبادة معتقدا وجوب ذلك فكان له الأجر الآخر لذلك وليس المراد ههنا إلا الإجزاء وسقوط الوجوب وقد أفاد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أصبت السنة" مع ما في إصابة السنة من الخير والبركة والتعريض بأن ما عدا ذلك مخالف للسنة كما لا يخفى.
وأما القول بأن من أسباب التيمم تعذر استعمال الماء وخوف سبيله ونحو ذلك فلا يخفى أن هذه داخلة تحت ما ذكرناه من عدم الماء وخشية الضرر من استعماله فإن من تعذر عليه استعمال الماء فهو عادم للماء إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه فهو عادم وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء وهكذا من كان ينجسه ولا محالة إذا استعمله وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له بالنسبة إلى الوضوء وأما ما قيل من أن فوات الصلاة باستعمال الماء وإدراكها بالتيمم سبب من أسباب التيمم فليس على ذلك دليل بل الواجب استعمال الماء وهو أن كان تراخيه عن تأدية الصلاة إلى ذلك الوقت لعذر مسوغ للتأخير كالنوم والسهو ونحوهما فلم يوجب الله تعالى عليه إلا تأدية الصلاة في ذلك
الوقت بالطهور الذي أوجبه الله تعالى عليه وإن كان التراخي لا لعذر إلى وقت لو استعمل الوضوء فيه لخرج الوقت فعليه الوضوء وقد باء بإثم المعصية وأما ما قيل من الطلب إلى مقادير محدودة فليس على ذلك حجة نيرة.