المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجمعة - الدراري المضية شرح الدرر البهية - جـ ١

[الشوكاني]

الفصل: ‌باب صلاة الجمعة

‌باب صلاة الجمعة

تجب على مكلف إلا المرأة والعبد والمسافر والمريض وهي كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبتين قبلها ووقتها وقت الظهر وعلى من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس وأن ينصت حال الخطبتين وندب له التبكير والتطيب والتجمل والدنو من الإمام ومن أدرك ركعة منها فقد أدركها وهي في يوم العيد رخصة.

أقول: صلاة الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه وقد صرح بذلك كتاب الله عز وجل وما صح من السنة المطهرة كحديث أنه صلى الله عليه وسلم هم بإحراق من يتخلف عنها" وهو في الصحيح من حديث ابن مسعود وكحديث أبي هريرة "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" أخرجه مسلم وغيره ومن ذلك حديث حفصة مرفوعا "رواح الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه النسائي بإسناد صحيح وحديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم" أخرجه أبو داود وسيأتي وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الوقت الذي شرعها الله فيه إلى أن قبضه الله عز وجل وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين وقال: ابن العربي الجمعة فرض بإجماع الأمة وقال: ابن قدامة في المغني أجمع المسلمون على وجوب الجمعة وإنما الخلاف هل هي من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات ومن نازع في فريضة الجمعة فقد أخطأ ولم يصب.

وأما كونها لا تجب على المرأة والعبد والمسافر والمريض فلحديث "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أوصبي أو

ص: 110

مريض" أخرجه أبو داود من حديث طارق ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه الحاكم من حديث طارق عن أبي موسى قال: الحافظ وصححه غير واحد وفي حديث أبي هريرة وحديث جابر ذكر المسافر وفي الحديثين مقال: معروف والغالب أن المسافر لا يسمع النداء وقد ورد أن الجمعة على من سمع النداء كما في حديث ابن عمرو عند أبي داود.

وأما كونها كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبة قبلها فلكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها في غير ذلك وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل أنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم والمصر الجامع والعدد المحصوص فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطا بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلا ما يجب عليهما فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط ولولا حديث طارق ابن شهاب المذكور قربيا من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها في زمنه صلى الله عليه وسلم في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات.

وأما كون وقتها وقت الظهر فلكونها بدلا عنه وقد ورد ما يدل على أنها تجزئ قبل الزوال كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم يرجعون إلى القائلة يقيلون" وهو في الصحيح ومثله من حديث سهل بن سعد في الصحيحين وثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيرحونها حين تزول الشمس" وهذا فيه التصريح بأنهم صلوها قبل زوال الشمس وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وهو الحق وذهب الجمهور إلى أن أول وقتها أول وقت الظهر.

وأما كون على من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فلحديث عبد الله بن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت" أخرجه أحمد وأبو

ص: 111

داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وغيره ولحديث أرقم بن أبي الأرقم المخزومي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي يتخطى رقاب يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبة في النار" أي أمعاءه أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده مقال: وفي الباب أحاديث منها عن معاذ بن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جنهم وعن عثمان وأنس أيضا.

وأما كونه ينصت حال الخطبتين فلحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" وهو في الصحيحين وغيرهما وأخرج أحمد وأبو داود من حديث على قال: "من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ومن قال: صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم" وفي إسناده مجهول وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة1.

وأما كونه يندب التبكير فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة

1 أغفل شيخنا المصنف أبقاه الله تعالى مما صح دليله أحكام الخطبتين، وهي القيام حالهما، والفصل بينهما بالقعود. لما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما" فمن أنبأك أنه خطب جالسا فقد كذب، واشتمالها على الحمد لله والثناء عليه وتلاوة القرآن، لما أخرجه مسلم رحمه الله عن جابر قال:" كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقوم وقد على صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم ويقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها".

وأخرج مسلم أيضا عن أم هاشم بنت حارثة قالت: ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [قّ:1] إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمع على المنبر إذا خطب الناس" وتقصيرهما، لما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى أيضا عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه" من خط العمراني سلمه الله تعالى.

ص: 112

فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" وفي الباب أحاديث في مشروعة التبكير. وأما مشروعية التطيب والتجمل فلحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه" أخرجه أحمد وأبو داود وهو في الصحيحين بلفظ "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا إن وجد" وأحرج أحمد والبخاري وغيرهما من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما أستطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب الله له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى" وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلى كان كفارة لما بينهما وبين الجمعة الأخرى" ورجال إسناده ثقات وفي الباب أحاديث.

وأما كونه يندب الدنو من الإمام فلحديث سمرة عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احضروا الذكر وادنوا من الأمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها" وفي إسناده انقطاع وفي الباب أحاديث.

ومن جملة ما يشرع يوم الجمعة الغسل وقد تقدم الكلام عليه في باب الغسل.

وأما كون من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها فلحديث "من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته" وله طرق كثيرة يصير بها حسنا لغيره وقد قدمنا أنها كسائر الصلوات وليست الخطبة بشرط من شروط الجمعة حتى يتوقف إدراك الصلاة على إدراك الخطبة وقد أوضحت

ص: 113

المقال: في أبحاث مطولة وقعت مع بعض الأعلام مشتملة على مايحتاج إليه في هذا البحث فليرجع إلى ذلك فهو مفيد جدا.

وأما كونها في يوم العيد رحصة فلحديث زيد بن أرقم "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد في يوم جمعة ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يجمع فليجمع" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه على بن المدينى وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه قال: اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون" وقد أعل بالإرسال وفي إسناده أيضا بقية ابن الوليد1 وفي الباب أحاديث عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما وظاهر أحاديث الترخيص تشمل من صلى العيد ومن لم يصل بل روى النسائي وأبو داود أن ابن الزبير أيام خلافته لم يصل بالناس الجمعة بعد صلاة العيد فقال: ابن عباس لما بلغه ذلك أصاب السنة وفي إسناده مقال2

1لكنه رواه عن شعبة رحمه الله مصرحا بالتحديث. وقال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن بقية لم يختلف في صدقة إذا روى عن المشهورين من خط العمراني.

2 الحديث المذكور، أخرجه أبو داود، عن محمد بن طريف البجلي، عن أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح قال:"صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا له ذلك، فقال: أصاب السنة". وهؤلاء كلهم رجال الصحيح، وأسباط بن محمد إنما ضعف في الثوري فقط، وعن يحيى بن خلف عن أبي عاصم عن ابن جريج قال، قال عطاء:"اجتمع يوم الفطر ويوم الجمعة على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر". وهؤلاء كلهم رجال الصحيح أيضا، فإن أبا عاصم هم النبيل. قال المزي في الأطراف في ترجمة ابن جريج من ترجمة عطاء عن جابر حديث "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا الأضحى" –ح- في العيدين، عن إبراهيم بن موسى عن هشام، وعن محمد ابن رافع قصة لابن الزبير، ثم قال في ترجمة عطاء عن ابن الزبير: حديث "اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا" الحديث موقوف، وأبو داود في الصلاة

ص: 114