الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجابت اللجنة بما يلي:
أركان الخطبة وشروطها وسننها وآدابها في مذاهب الفقهاء عامّة لا تحتاج إلى أكثر من وقت قصير جداً، وفوق ذلك فالأمر منوط بمدى حاجة المصلين وقدرتهم على الصبر والاحتمال من غير مشقة أو ضيق.
وقد نصَّ الفقهاء على أن من مكروهات الخطبة الإطالة فيها، ولم يحددوا لذلك حدّاً معيّناً من الزمان، وتركوه لحصافة الخطيب ومهارته في تقدير حاجة المصلين وقدرتهم على الصبر والاحتمال، مع ملاحظة أضعفهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«اقدرِ الناس بأضعفهم؛ فإن فيهم الكبير والصغير والسقيم والبعيد وذا الحاجة» أخرجه ابن خزيمة وصححه
(1)
، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال لأبي هريرة:«يا أبا هريرة إذا كنت إماماً فَقِسِ الناس بأضعفهم»
(2)
، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما أطال الصلاة مرة:«أفتّان أنت يا معاذ؟» رواه الشيخان
(3)
، وقوله لعثمان بن أبي العاص:«إذا أَمَمْتَ قوماً فأَخِفَّ بهم الصلاة» رواه مسلم
(4)
، وقوله:«إذا أمَمَت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها» رواه مسلم والنسائي
(5)
.
ولو تصفحنا عامّة خطب النبي، وخطب أصحابه الأخيار في الجمعة والعيدين لما وجدنا فيها ما يزيد على بضع دقائق.
ولهذا فإن على الخطيب والإمام أن لا يطيل الخطبة ولا الصلاة أكثر من طاقة القوم الذين يخطب فيهم أو يؤمّهم من غير إخلال بأحكام الخطبة والصلاة، فإن زاد عن ذلك أثم لما فيه من إعناتهم وصرفهم عن الخشوع وحسن الاستماع
(1)
رقم (1608).
(2)
ينظر المقاصد الحسنة (ص 397) وعزاه إلى مسند الحارث.
(3)
البخاري (رقم 705)، ومسلم (رقم 465).
(4)
رقم (468).
(5)
مسلم (رقم 465)، والنسائي (رقم 998).
وإيقاعهم في الفتنة، وهي إفساد ممنوع شرعاً لم ينصب الخطيب ولا الإمام له، ثمّ إنّ فيه صرف المسلمين عن الجماعة والجمعة كرهاً به ونفوراً منه، وهو إثم يحبط العمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبدُ الآبقُ حتى يرجع، وامرأةٌ باتت وزوجُها عليها ساخِطٌ، وإمامُ قومٍ وهُمْ له كارهون» رواه الترمذي
(1)
.
لهذا فإنّ اللجنة تتوجّه إلى السّادة الخطباء والأئمّة والقائمين على قطاع المساجد، بالالتزام والتنبيه إلى ضرورة تقصير الخطبة وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وسائر صلوات الجماعة على قدر طاقة المصّلين؛ بل على قدر طاقة أضعفهم لما تقدم من الأدلة، بشرط استكمال الشروط والأركان والسنن من غير زيادة، ولا بأس بأن يقوم المسؤولون عن قطاع المساجد بنصح المخالفين وتوجيههم المرّة بعد المرّة، قبل اتّخاذ أي إجراء معهم، فإذا لم يلتزموا بذلك رغم تكرّر النصح فلا بأس باتّخاذ إجراءات مخففة معهم؛ حماية للمصلين من شططهم.
كما أنّ اللجنة تتوجّه للسّادة المصلّين بأنّ الصلاة عبادة من أعلى العبادات، وأنّ إطالتها على قدر الطاقة طاعة من أكثر الطاعات، والتبكير إلى المسجد من أجلّها من أفضل القربات، وأنّ المسلم في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وأنّ سماع الخطبة والتفكّر فيها والانتفاع منها فيه الصلاح والفلاح والمثوبة؛ لقوله:«الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» رواه البخاري
(2)
.
كما تذكّر المصلّين بأنّ المكث في المسجد بنيّة الطاعة والعبادة اعتكاف مأجور ومثاب عليه.
(1)
رقم (360).
(2)
رقم (445).
وتذكّرهم بضرورة احترام العلماء وتوقيرهم وعدم مقابلتهم بما يكرهون لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لم يجلّ كبيرنا، ويعطف على صغيرنا، ويوفّ عالمنا حقّه»
(1)
، فإذا اختلفوا مع العالم في أمر حاوروه فيه في أدب واحترام.
وإذا كان لا بد من تحديد فترة زمنية لخطبة الجمعة تستوفي فيها أركانها وسننها وآدابها دون أن يلحق بالمصلين عنت، أو ينصرفوا عن الاستماع إلى الخطبة دفعاً لإطالة بعض الخطباء، فإنّ اللّجنة ترى أن يفوّض ذلك إلى القائمين على إدارة المساجد يحدّدونه بما يرونه مناسباً.
وعلى الخطيب أن يكون بليغاً يحسن اختيار العبارات والجمل ذات المدلولات العميقة والواضحة، ولا بأس بقراءة الخطبة من ورقة يعدّها الخطيب مسبقاً، وبخاصة إذا كان مبتدئاً، أو يكتب المخطط العام للخطبة؛ لئلا ينسى نفسه ويسترسل ويخرج عن الوقت المحدد، ولا بأس للخطيب إذا وجد موضوعه شائكاً وطويلاً أن يجلس بعد الصلاة ليتمّ للمصلّين موضوعه في درس يستمع إليه فيه من يرى في نفسه الحاجة والقدرة على الاستماع، أو أن يدّخر باقي جزئيات الموضوع ليقدّمها في خطبة أو خطب تالية، وبذلك يستطيع أن يوفر للمصلّين مصلحتي رفع الحرج عنهم، وإتمام فضله وعلمه عليهم، والله أعلم.
[11/ 96 / 3239]
(1)
أحمد (رقم 21693)، بلفظ:«ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه» .