الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه
أولاً: المراطلة:
المراطلة: مفاعلة من الرطل.
وهي عرفاً: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزناً (1).
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ((الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة؛ أنه لا بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير، يداً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير)) (2).
فعلى هذا فالمعتبر في بيع الذهب بالذهب، وبيع الورق بالورق هو الوزن لا العدد، فلو كان عند رجل عشر قطع من الذهب ثم باعها بخمس قطع من الذهب، والوزن لعشر قطع يساوي وزن الخمس قطع، فهذا جائز، وهذا ما قصده الإمام مالك بالمراطلة.
ثانياً: الصرف:
لا شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس، لتحويل العملات من عملة إلى عملة أخرى، فلما كان الأمر كذلك لم يغفله الإسلام؛ بل أوضحه للناس، الجائز منه وغير الجائز.
(1) انظر: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، 3/ 284.
(2)
موطأ الإمام مالك، كتاب البيوع، باب المراطلة، 2/ 638.
عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم، قال طلحة بن عبيد الله – وهو عند عمر بن الخطاب –: أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال عمر بن الخطاب: كلا والله لتعطينَّه ورقه، أو لَتَرُدَّنَّ إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الورق بالذهب ربا إلا هاء، وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء، وهاء (1)، والشعير بالشعير ربا إلا هاء، وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء، وهاء)) (2).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال العلماء: ومعناه التقابض، ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في عِلّة الربا، سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب، أم اختلف كذهب بفضة، ونبّه النبي صلى الله عليه وسلم بمختلف الجنس على متفقه
…
وأما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما أراد أن يصارف صاحب الذهب، فيأخذ الذهب ويؤخّر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنما قاله؛ لأنه ظن جوازه كسائر المبيعات، وما كان بلغه حكم المسألة، فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة)) (3).
وعن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم، أو إلى الحج، فجاء إليّ فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك عليّ أحد، فأتيت البراء بن
(1) أصله هاك فأبدلت الهمزة من الكاف، ومعناه: خذ هذا.
(2)
البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الشعير بالشعير، برقم 2174، والموطأ، 3/ 636، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1586.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 13.
عازب فسألته، فقال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ونحن نبيع هذا البيع، فقال:((ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا))، وائت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته، فقال مثل ذلك (1).
قال البخاري رحمه الله: ((باب بيع الذهب بالورق يداً بيد))، ثم ذكر حديث أبي بكرة رضي الله عنه ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا)) (2).
وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم:((نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً)) (3).
ومن الأحاديث السابقة اتضح ما يأتي:
1 -
أن صرف الفضة بالفضة، والذهب بالذهب جائز، على أن يكون الصرف مثلاً بمثل، وسواءً بسواء، ويكون ذلك يداً بيد أثناء وقت المصارفة.
2 -
أن صرف الذهب بالفضة، والفضة بالذهب جائز، على أن يكون الصرف يداً بيد في وقت المصارفة، أما المفاضلة بين الذهب والفضة
(1) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم 2180، 2181، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم 1589.
(2)
البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالورق يداً بيد، برقم 2182.
(3)
البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم 2180، 2181، وانظر: شرح الموطأ للزرقاني، 3/ 282.
بحيث يكون الذهب أكثر من الفضة وزناً، أو الفضة أكثر من الذهب وزناً فلا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يكون يداً بيد في لحظة المصارفة.
3 -
أن شراء وبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، لا يجوز الدين في ذلك مطلقاً، فلو أراد شخص أن يصرف من المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب، وسلّم أحدهما عملته والآخر أجّل تسليم عملته إلى أجل فهذا لا يجوز، لأنه فَقَدَ شرط المقابضة يداً بيد، وكذلك الفضة بالفضة، والذهب بالفضة والعكس، كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً.