الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الابتعاد عن الشبهات
لا شك أن المسلم دائماً ينبغي أن يكون حريصاً على التزام أمور الشرع كلها، فيعمل الواجبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، ويأخذ بالمستحبات، ويأخذ ويترك من المباحات على حسب حاله، وحاجته، ويبتعد عن الشبهات؛ لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات.
عن النعمان بن بشير قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ((إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (1).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ((الأعمال بالنية)) (2)، وحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا
(1) البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم واللفظ له، كتاب المساقاة والمزارعة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599.
(2)
البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه.
يعنيه)) (1).
وقال أبو داود: ((الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (2).
وقيل حديث: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)) (3).
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبّه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذّر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحِمَى، ثم بيّن أهمّ الأمور، وهو مراعاة القلب
…
فبيّن صلى الله عليه وسلم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن)) فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
حلال بيّن واضح، لا يخفى حلّه كالخبز، والعسل
…
وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب
…
وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحلّ، ولا الحرمة؛ فلهذا لا
(1) موطأ الإمام مالك، 3/ 903، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق.
(2)
البخاري، كتاب الإيمان، من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم 13، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم 45.
(3)
سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، برقم 4102، قال النووي:((رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة))، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 28.
يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك
…
)) (1).
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم:
عمدة الدين عندنا كلماتٌ
…
مسنداتٌ من قول خير البريَّة
اترك الشبهات، وازهد، ودع
…
ما ليس يعنيك، واعملن بنية (2)
نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، ببعض التصرف، 11/ 28.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/ 129.