الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان (1).
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه وبعد ..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/ 7/1400هـ ونصّه:
لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حُسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حُسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد)، وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا
(1) فتاوى إسلامية، 2/ 415 - 416.
عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي:
1ـ عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئاً، وكذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي، ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر (1). رواه مسلم.
(1) أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم 1513، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2ـ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1).
3ـ عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما مُحَرَّم بالنّصّ والإجماع.
4ـ عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسِّنَان (2)، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا سبق إلا في: خُفٍّ، أو حَافرٍ، أو نَصْلٍ)) (3)، رواه
(1) سورة المائدة، الآية:90.
(2)
السِّنَان: هو: سِنان الرُّمح؛ وجمعه أسنة، مختار الصحاح، مادة (سنن).
(3)
أخرجه الترمذي، آخر كتاب فضائل الجهاد، باب السبق والرهان، برقم 1700، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في السبق، برقم 2574، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب السبق والرهان، برقم 44، و2878، والنسائي، كتاب الخيل، باب السبق، برقم 3587، و3588، وأحمد في المسند، 2/ 256، 358، 474، برقم 7476، و8981، و9483، عن أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن القطان، وابن دقيق العيد قال أحمد شاكر في تحقيق المسند، 7476، و8678، و8981، و9483،:((إسناده صحيح))، وقال الأرناؤوط في شرح السنة،10/ 393:((إسناده صحيح))، وقال الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2319:((إسناده صحيح)).
أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك، ولا شبيهاً به فكان محرماً.
5ـ عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل - هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية - مُحَرَّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (1).
6ـ في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً؛ فإن الُمؤمِّن لم يَحدث الخطر منه، ولم يتسبَّب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والُمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه.
(1) سورة النساء، الآية:29.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1).
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها:
1ـ فيه ربا؛ لأن الفائدة تُعطى في بعض أنواعه - وهو التأمين على الحياة -؛ لأنها تتضمن التزام المؤمِّن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدَّمه إلى المؤمِّن مضافاً إلى ذلك فائدته الربويَّة، فالمستأمن يعطي القليل من النقود، ويأخذ الكثير.
2ـ التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3ـ يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً.
4ـ التأمين فيه غرر وجهالة.
5ـ التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتَّب على ذلك نزاع ومشكلات، ومرافعات قضائية.
6ـ لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية
(1) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة) عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس)، فتوى رقم 3249، وتاريخ 9/ 10/1400هـ.
مسؤولة عن رعاياها (1).
(1) انظر: الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، للشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز المترك، ت1405هـ، ص425.