الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتشار لغة الأمة من علامات قوتها
.
وإن انتشار لغة أي أمة لهو دليل عظمتها وتفوقها، وبلغتها تستطيع أن تسبق بدينها وفكرها وسياستها واقتصادها وسائر علومها، غيرَها من الأمم إلى عقول الناس.
وهذا ما تحقق للأمة الإسلامية أيام مجدها، حيث انتشرت لغة دينها انتشار مساجدها ومعاهدها ودعاتها، ونبغ في اللغة العربية أئمة من غير العرب فملئوا بعلمهم الآفاق من حدود الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا.
وكانت الأمم تتسابق إلى علوم المسلمين في كل مجال من مجالات الحياة، كما نقل المسلمون علوم الأمم الأخرى إلى لغتهم، واستفادوا منها وطبقوها عمليا وزادوا عليها، وعلى أيديهم تعلم الأوروبيون أسس حضارتهم التي يفخرون بها اليوم.
وإن مما يؤسف له أن تنحدر الأمة الإسلامية انحدارا مروعا، في دينها وخلقها وسياستها واقتصادها وأمنها ووحدتها وقوتها العسكرية، مما كان له أثره البالغ على لغتها التي لم تعد لها مكانتها في العالم، بل أصبحت في مؤخرة اللغات، وأصبحت لغات الأجانب من النصارى وغيرهم هي لغات العلم والثقافة والفكر في العالم وأصبح المسلمون -والعرب منهم بصفة خاصة- يفتخرون باللغات الأجنبية ويتكالبون على أفكار أهلها وآدابهم ويتأثرون بهم، فأصبح السبق للأجانب ولغاتهم وأفكارهم إلى عقول أبناء الأمة الإسلامية بدلا من أن تسبق الأمة الإسلامية بلغتها ودينها وفكرها إلى عقول أبناء الأمم الأخرى (1) .
وها هي أمم الغرب تنشر لغتها في كل مكان، عن طريق مناهج التعليم والإعلام والبحث العلمي والأدوات المتنوعة والمواصلات والاتصالات، حتى ليكاد المسلم العربي يكون غريبا بلغته في بلاده، يقتني الجهاز الذي يحتاج إليه فلا يستطيع استخدامه؛ لأن الكتب الإرشادية المتعلقة باستخدامه قد أعدت باللغات الأجنبية. وهكذا الدواء والغذاء وغيرها، وهكذا الفنادق والشركات والمستشفيات، بل إن بعض البلدان العربية ما زالت معاملاتها الرسمية باللغة الأجنبية!
(1) ليس المراد هنا التنفير من تعلم اللغات الأجنبية للاستفادة منها في العلوم المحتاج إليها وفي دعوة أهل تلك اللغات بها إلى الإسلام فهذا من فروض الكفاية في الإسلام، وإنما المراد المبالغة في تقديس تلك اللغات ونسيان اللغة العربية لغة الإسلام.
وإنما هانت اللغة العربية عند أهلها، لهوان الدين في نفوسهم وضعف فقههم له، ولو كان الدين قويا في نفوسهم مطبقا في حياتهم، لعرفوا للغته حقها وقدروها حق قدرها، وسابقوا غيرهم بدينهم الحق بلغته إلى عقول الناس في الأرض كلها.
إن ترجمة معاني الإسلام من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى لإبلاغ أهل تلك اللغات هذا الدين هي فريضة كفائية، ولكن أنى لأهل تلك اللغات أن يفهموا حقائق هذا الدين كاملة عن طريق ترجمته وليس عن طريق اللغة العربية مباشرة؟!
ولقد بذل علماء الإسلام من سلفنا الصالح جهودا مضنية لإبلاغ حقائق الإسلام إلى عقول الناس عربا وعجما، بما وضعوه من قواعد اللغة العربية من نحو وصرف واشتقاق وغيرها، وبما وضعوه من قواعد شرعية تضبط بها مقاصد الشريعة وأحكامها، من أصول الفقه وقواعده، فبينوا النص والظاهر والمجمل والمبين والمقيد والمطلق والخاص والعام، وما وضعوه من مصطلحات في علوم الحديث وعلوم التفسير، فكانوا بذلك أعظم أمة اتخذت وسائل لغوية وشرعية لتسبق بالحق الذي آتاها الله باطلَ الأمم الأخرى إلى عقول الناس. هذا بالإضافة إلى بذل جهودهم في مجالات التعليم والدعوة والجهاد في سبيل الله.