الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيهما أسبق وجودا الحق أم الباطل
؟
وما دام الله سبحانه وتعالى هو الحق- و {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] وهو الذي خلق الكون كله بالحق، ولم يعرف من يؤمن بالباطل ويصر عليه وعلى نشره إلا إبليس لعنه الله ثم من تبعه بعد ذلك- فإن الباطل أمر طارئ والحق هو الأصل الثابت، فالحق هو الكلمة الطيبة، والباطل هو الكلمة الخبيثة.
والكلمة الطيبة هي كلمة الله ومنهاج رسله، والكلمة الخبيثة هي كلمة الشيطان وسبل أتباعه، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 25-27]
تأمل هذه الآيات من سورة إبراهيم الواضحة غاية الوضوح، في ثبات الحق وطيبته ورسوخه وسموه وعلوه وامتداده ودوام آثاره التي لا يخلو زمان من قطوفها الدانية ومنحها السابغة، ومع ثبات الحق ثبات أهله في الدنيا والآخرة.
أما الباطل، فهو خبيث مقطوع الجذور لا ثبات له ولا قرار، وهكذا أهله مضمحلون {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}
…
وقبل هذه الآيات صور سبحانه وتعالى اضمحلال أهل الباطل وأعمالهم وباطلهم أبلغ تصوير، فقال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18 - 19] ثم أتبعها بقوله تعالى مبينا أن الباطل وأهله في شذوذ عن الكون كله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ}
قلت: إنه لم يُعرَف من يؤمن بالباطل ويصر عليه وعلى نشره إلا إبليس لعنه الله، فالباطل إذًا طارئ طروء إبليس.
وقبل أن يغري إبليسُ آدمَ عليه السلام وزوجه حواء بالأكل من الشجرة التي حرم الله عليهما الأكل منها، نهاهما الله تعالى عن الأكل منها وحذرهما منه، أي إن حفظ العقول من الباطل كان أسبق من إيصاله إليها، كما قال تعالى:{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} . [البقرة:35]
وكان آدم عليه السلام عندما أهبطه الله هو وزوجه وإبليس إلى الأرض، على الفطرة والدين والتوحيد الخالص، وكان قائما بالخلافة التي ناطها الله به وأخبر بها ملائكته، وكان إبليس وحده على الشرك والمعصية -كما سيأتي- وهذا يدل على بطلان ما يزعم المتخرصون من المؤرخين الذين يفترون على الله بدون علم ولا برهان، أن الأصل كان عبادة غير الله وأن العقيدة قد تطورت من الشرك والوثنية حتى وصلت إلى التوحيد، فهذا افتراء وتقوُّل على التاريخ وجهل بالله وبكتبه ورسله ووحيه الذي لا مستند سواه لأحد في هذا الباب، الذي هو من الغيب، ولا سبيل إليه إلا بوحي من الخالق، وقد أخبرنا الخالق سبحانه وتعالى أنه جعل آدم خليفة في الأرض، والخليفة الذي يمنحه الحق تبارك وتعالى الخلافة، لا بد أن يزوده الحق عز وجل بالمنهاج الحق الذي يقوم بالخلافة على أساسه {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . [البقرة: 38-39]
ومما يدل على أن آدم وذريته كانوا على هدى من عند الله، ما تضمنته قصة ابني آدم الذي قتل أحدهما أخاه، فقد دلت القصة على أنهم كانوا يتقربون إلى الله بقرابين، وأن الله يتقبل من المتقي ولا يتقبل من الظالم، وأن المتقين كانوا يخافون الله ويتورعون عن معصيته، وأنهم كانوا يؤمنون بالجنة والنار والجزاء، كما قال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} إلى قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} . [المائدة: 27-31]
فآدم وذريته كانوا على التوحيد والطاعة، وكان لهم منهج من عند الله يسيرون عليه ويتقربون إليه، وكانوا يعرفون الحلال والحرام والجنة والنار والإثم والجزاء، وكان إبليس نفسه الذي أغوى آدم وزوجه في الجنة أولا وأقسم على إضلال ذرية آدم بعد طرده من رحمة الله ثانيا، كان يعلم الحق والباطل، وارتكب الباطل وعصى أمر الله متعمدا متكبرا.
ولسنا في حاجة إلى مناقشة شبهات جهلة التاريخ الغابر، فلا توجد وثيقة أصدق من كتاب الله ولا أصح منه حتى نحتاج إلى مناقشتهم على ضوئها {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]