الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمشي منتعلا، وربما مشى صلى الله عليه وسلم حافيا.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل من هدية أهديت إليه حتى يأكل منها صاحبها: أي بعد أن أهديت إليه صلى الله عليه وسلم الشاة المسمومة.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعقهن إذا فرغ يلعق الوسطى، ثم التي يليها ثم الإبهام، وقال:«إن لعق الأصابع بركة» .
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بلعق الصحفة ويقول: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» اه.
ونحن نوضح بعض هذه الصفات الظاهرة بعبارة واضحة قريبة للأفهام فنقول:
كان صلى الله عليه وسلم عظيما معظما في الصدور والعيون كبير الرأس، لأن كبر الرأس يدل على كثرة العقل غالبا، ووجهه كالقمر ليلة البدر، لون جسده الذي ليس تحت الثياب أبيض مشرب بحمرة، طويل الحاجبين مع دقة ما بينهما خال ما الشعر وهو البلج، وضده القرن، وهو أن يتصل شعر أحدهما بالآخر.
بين حاجبيه عرق إذا غضب انتفخ، طويل الأنف مع حدب في وسطه ودقة في طرفه ليس في حدبة ارتفاع لأن العرب تذم به.
في عينيه شكلة: وهي بياض وحمرة، شديد سواد العين مع اتساعها، واسع الفم، لأن سعة الفم تدل على الفصاحة. بين ثناياه والرباعيات فرجة، ويقال له الفلج. كثير شعر اللحية، شيبه قليل، عنقه كالإبريق الفضة. إذا مشى مال إلى أمامه.
باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الباطنة وإن شاركه فيها غيره
كان صلى الله عليه وسلم سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مزاح: أي كثير المزاح، فلا ينافي ما روي: كان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه قال: وقد جاء «إني لأمزح ولا أقول إلا حقا» لكن جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مزاحا. وكان يقول: إن الله تعالى لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه.
وجاء عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: ما رأيت أحدا أكثر مزاحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانت في النبي صلى الله عليه وسلم دعابة. وعن بعض السلف: كان للنبي صلى الله عليه وسلم مهابة، فكان يبسط الناس بالدعابة. قال صلى الله عليه وسلم لعمته صفية لا تدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها وهو يضحك: الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً (37)[الواقعة: الآيات 35- 37] وهن العجائز الرمص:
أي والعرب المتحببة لزوجها التي تقول وتفعل ما تهيج به شهوته إياها، وأترابا:
كأنهن ولدن في يوم واحد لأنهن يكن بنات ثلاث وثلاثين سنة.
وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل وطلب أن يحمله على بعير فقال له: إني حاملك على ولد الناقة، فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟.
وقد أتى أزيهر، وفي لفظ زاهر وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فكان كلما قدم من البادية يأتي معه بطرف وهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: زاهر باديتنا ونحن حاضروه. وفي لفظ: لكل حاضر بادية، وبادية آل محمد زاهر، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه. جاءه يوما وهو يبيع متاعه في السوق وكان رجلا دميما، فاحتضنه من خلفه، فقال أرسلني، من هذا؟ فلما عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم صار يمكن ظهره من صدره الشريف عليه الصلاة والسلام، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله تجدني كاسدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ولكن عند الله لست بكاسد أو قال: أنت عند الله غال. ويجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم جمع بين هذين اللفظين، وكل روى ما سمع منهما.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت حتى إذا حملت اللحم، وكنا في سفرة أخرى، قال صلى الله عليه وسلم للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني، فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: هذه بتلك.
وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل صلى الله عليه وسلم على أمي فوجد أخي أبا عمير حزينا، فقال: يا أم سليم، ما بال أبي عمير حزينا؟ فقالت: يا رسول الله مات نغيره: تعني طيرا كان يلعب به، فقال صلى الله عليه وسلم: أبا عمير ما فعل النغير: وكان كلما رآه قال له ذلك.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة طبختها فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها كلي فأبت، فقلت لها: كلي كلي، أو لأطلخن وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فطليت وجهها، فضحك صلى الله عليه وسلم وأرخى فخذه لسودة، وقال: الطخي وجهها فلطخت وجهي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم أي وقال صلى الله عليه وسلم يوما لعائشة: ما أكثر بياض عينك انتهى.
وكان صلى الله عليه وسلم يتغافل عما لا يشتهي، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والأكبار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب
عورته، وكان صلى الله عليه وسلم يقابل السيئة بالحسنة، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه. والذواق الشيء، يقال ما ذقت ذواقا: أي شيئا من طعام أو شراب.
وعن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما عن رجل من العرب. قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعجني بعجة بسوط في يده، وقال: بسم الله أوجعتني، قال: فبت لنفسي لائما، أقول أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا إذا رجل يقول أين فلان، فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس فأوجعتني فبعجتك بالسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها، ولما نزل قوله تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)[الأعراف: الآية 199] قال له جبريل عليه السلام، أي بعد أن سأله صلى الله عليه وسلم في ذلك: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
وفي الحديث: «لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يكون كذلك» وفي الحديث إن ذلك أفضل أهل الدنيا والآخرة.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق والمسألة، لا يقطع على أحد حديثه، ولا يتكلم في غير حاجة، يعظم النعمة وإن دقت، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. وإنما يغضب إذا تعرض للحق بشيء وعند غضبه لذلك لا يثنيه شيء عن الانتصار له، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويتفقد أصحابه ويسأل عنهم، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده، ويسأل الناس عما الناس فيه، أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة، لا يجلس، ولا يقوم إلا عن ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أحدا أكرم عليه منه.
من جالسه أو نادمه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه. من سأله حاجة لم يردّه إلّا بها أو بميسور من القول.
عنده الناس في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء: لا ترفع فيه الأصوات، ولا يتنازعون عنده الحديث.
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير: أي على غاية من السكون والوقار لأن الطير لا تكاد تقع إلا على ساكن، وإذا تكلم عنده أحد أنصتوا له حتى يفرغ من حديثه: أي لا يقطع بعضهم على بعض حديثه، يضحك مما يضحكون، ويعجب مما يعجبون.
فقد ذكر أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسويط بن حرملة وكلاهما بدري. وكان سويط على زاد أبي بكر فجاءه نعيمان وقال له أطعمني، فقال: لا حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا فيه دعابة وله أخبار ظريفة في دعابته، فقال لسويط: لأغيظنك، فذهب إلى ناس، وفي رواية: فمروا بقوم، فقال لهم نعيمان: تشترون من عبدا لي؟ قالوا نعم.
قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم لست بعبده، أنا رجل حر، فإن كان إذا قال لكم هذه تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا عليّ عبدي، قالوا لا بل نشتريه، ولا ننظر في قوله، فاشتروه منه بعشرة قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم هو هذا، فجاء القوم له وقالوا له: قد اشتريناك، فقال: هو كاذب أنا رجل حر، وفي رواية أنهم وضعوا عمامته في عنقه، فقال لهم: إنه يتهزأ ولست بعبده، فقالوا له قد أخبرنا بخبرك، فطرحوا الحبل في عنقه وذهبوا به، ولم يسمعوا كلامه، فجاء أبو بكر رضي الله عنه، فأخبره خبره، فذهب هو وأصحابه وأتبعوا القوم، وأخبروهم أنه يمزح، وردوا عليهم القلائص، وردوا سليطا منهم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فضحك من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حولا كاملا، لأن سفر أبي بكر رضي الله عنه كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعام.
ووقع لنعيمان هذا أنه مر بمخرمة بن نوفل رضي الله عنه وقد كف بصره وهو يقول ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ مؤخر المسجد قال له: ههنا فبال فصاح الناس به، فقال: من قادني؟ قيل نعيمان، فقال صلى الله عليه وسلم عليّ أن أضربه بعصاي هذه، فبلغ نعيمان فأتاه، فقال له: هل لك في نعيمان؟ قال نعم، قال: فقم فقام معه، فأتى به عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو إذ ذاك أمير المؤمنين وهو يصلي، فقال: دونك الرجل، فجمع يديه في العصا ثم ضربه، فقال الناس:
أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ فقيل نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبدا.
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وأناخ راحلته بفنائه فقال بعض الصحابة لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها؟ فإنا قد قرمنا إلى اللحم، ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها، فنحرها نعيمان، فخرج الأعرابي فرأى راحلته، فصاح: واعقراه يا محمد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من فعل هذا؟ قالوا نعيمان، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عنه، فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد، فأشار إليه رجل ورفع صوته: ما رأيته يا رسول الله وأشار بأصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعفر وجهه بالتراب، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله هم الذين أمروني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه التراب ويضحك، ثم غرم صلى الله عليه وسلم ثمنها.
وكان رضي الله عنه إذا دخل المدينة طرفة اشتراها في ذمته، ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله هذه هدية، فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أعط هذا ثمن ما جئت به إليك، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لم تهد ذلك لي؟ فيقول: يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه، وأحببت أن يكون لك، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه.
وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ضحوك السن: أي أكثر أحواله ذلك حسما رآه هذا المخبر، فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر.
وفي كلام ابن القيم رحمه الله: قد صانه الله عن الحزن في الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن، كذا قال.
وفي كلام الإمام أبي العباس بن تيمية رحمه الله: ليس المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه، فإن ذلك منهي عنه، وإنما المراد به الاهتمام واليقظة لما يستقبله من الأمور، وهذا مشترك بين القلب والعين.
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: خلقه القرآن: أي ما ذكره القرآن: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)[القلم: الآية 4] وإنه تأدب بآدابه وتخلق بمحاسنه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال» .
قال: وذكر في عوارف المعارف أن في قول عائشة رضي الله عنها خلقه القرآن سرا غامضا، حيث عدلت إلى ذلك عن قولها كان متخلقا بأخلاق الله سترا للحال بلطف المقال استحياء من سبحات ذي الجلال اه، أي فكان صلى الله عليه وسلم متصفا بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله والخضوع له، والانقياد لأمره والشدة على أعدائه، والتواضع لأوليائه، ومواساة عباده وإرادة الخير لهم، والحرص على كمالهم، والاحتمال لأذاهم، والقيام بمصالحهم وإرشادهم إلى ما يجمع لهم خيري الدنيا والآخرة مع التعفف عن أموالهم إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة التي اتصف بها صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم.
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية وخوفا من الله، أي ومن ثم كان صلى الله عليه وسلم يقول:«أنا أتقاكم صلى الله عليه وسلم، وأخوفكم منه» .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فدخل معي في لحافي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي، فقام صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم قام فصلى فبكى حتى سال
دمعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاءه بلال رضي الله عنه فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا، ولم لا أفعل وقد أنزل الله تعالى عليّ في هذه الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)[آل عمران: 190] إلى قوله: سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)[آل عمران: الآية 191] .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أواه من عذاب الله قبل أن لا ينفع أواه» أي وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، فلما دخله وجد حره وغمه قال:
أواه من عذاب الله، أواه أواه قبل أن لا يكون أواه» .
أي وفي «سفر السعادة» : لم يدخل صلى الله عليه وسلم الحمام أبدا، والحمام الموجودة الآن بمكة شرفها الله تعالى المشهورة بحمام النبي صلى الله عليه وسلم لعلها بنيت في موضع اغتسل فيه صلى الله عليه وسلم مرة، هذا كلامه.
وأرسل صلى الله عليه وسلم وصيفة فأبطأت عليه، فقال لها: لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك. وما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة امرأة ولا خادما من أهله.
قال: وعن خادمه أنس رضي الله عنه: ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر فتوانيت عنه، أو ما صنعته فلامني، ولا لامني أحد من أهله صلى الله عليه وسلم إلا قال دعوه. وفي لفظ:
خدمته في السفر والحضر عشر سنين والله ما قال لي في شيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه هذا هكذا؟ وهذا يدل على أنه رضي الله عنه خدمه أنس له صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة، وتقدم أن في بعض الروايات ما يدل على أن ابتداء خدمة أنس له صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر، وتقدم ما فيه.
ووصف صلى الله عليه وسلم في الكتب القديمة بأن حلمه صلى الله عليه وسلم يسبق غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
وقد تقدمت قصته صلى الله عليه وسلم مع اليهودي الذي طلب منه وفاء ما اقترض منه صلى الله عليه وسلم قبل حلول الأجل ونظيرها.
وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فحاشا. استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه.
فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من
تركه الناس اتقاء شره.
قال ابن بطال رحمه الله: إن هذا الرجل هو عيينة بن حصن، لأنه كان يقال له الأحمق المطاع، وهو صلى الله عليه وسلم إنما تطلق في وجهه تألفا له ليسلم قومه، لأنه كان المطاع فيهم. وأما ذمه صلى الله عليه وسلم له فلأنه يعلم ما يقع منه بعد، فإنه ارتد في زمن الصديق رضي الله عنه وحارب ثم رجع وأسلم.
أي وقد قيل إن سبب نزول قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف: الآية 28] الآية أن عيينة هذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال له أسلم قال: على أن تبني لي مقصورة في مسجدك هذا أكون أنا وقومي فيها وتكون أنت معي.
ومن تأمل سيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله وأصحابه وغيرهم من الفقراء والأيتام والأرامل والضعفاء والمساكين علم أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في التواضع ورقة القلب ولين الجانب.
وعن أنس رضي الله عنه: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة يوما. فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أني أذهب، فخرجت على صبيان يلعبون في السوق، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض ثيابي من ورائي، فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك. فقلت نعم أنا أذهب يا رسول الله اه.
وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وأرجح الناس حلما، وأعظم الناس عفوا، وأسخى الناس كفا.
وكان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وقال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه وقد اضطروه إلى شجرة فخطفت رداؤه الشريف فوقف، ثم قال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم.
وفي رواية: «لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا، ولا بخيلا، ولا جبانا» كما تقدم.
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس قلبا، وأشد الناس بأسا وأشد الناس حياء. وكان أشد حياء من البنت البكر في خدرها أي بيتها وسترها، وكان إذا فرح، غض طرفه، وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض صوته، وربما غطى وجهه بيده أو ثوبه.
وكان يحب الفأل الحسن، ويغير الاسم القبيح بالحسن كما تقدم، وربما غير الحسن بالقبيح كما تقدم. وكان يقول لأصحابه: إذا أرسلتم لي رسولا فليكن حسن الاسم، حسن الوجه.
من ذلك أن شخصا كان سادنا: أي خادما الصنم، وكان يسمى غاوي بن ظالم. فبينما هو عند صنمه إذ أقبل ثعلبان إلى الصنم ورفع كل واحد منهما رجله
وبال على رأس ذلك الصنم، فلما رأى ذلك كسر ذلك الصنم وأنشد:
أربّ يبول الثعلبان برأسه
…
لقد ذل من بالت عليه الثعالب
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له كيف اسمك؟ فقال: غاوي بن ظالم. فقال صلى الله عليه وسلم له: بل أنت راشد بن عبد ربه.
ومن هذا السياق يعلم أن الثعلبان بفتح الثاء المثلثة مثنى ثعلب لا بضمها ذكر الثعالب كما قيل.
ومن تغيير الاسم القبيح بالحسن ما وقع له صلى الله عليه وسلم في غزوة ذي قرد أنه مر على ماء فسأل عنه، فقيل له: هذا اسمه بئسان وهو مالح. فقال: لا، بل اسمه نعمان وهو طيب، فانقلب عذبا. واشتراه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ثم تصدق به، فلما جاء إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنت يا طلحة إلا فياض فسمي طلحة الفياض.
وكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر. قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رجلا أكثر مشاورة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال: لا ومقلب القلوب، وربما قال في يمينه وأستغفر الله، وإذا اجتهد في اليمين قال: لا، والذي نفس أبي القاسم بيده، وربما قال:
والذي نفس محمد بيده، وربما قال في يمينه: لا، وأستغفر الله والذي نفسي بيده.
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس إغضاء عن العورات. وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه، ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا. بل يقول: ما بال أقوام يقولون أو يفعلون كذا.
لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة. ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك، يخالط أصحابه، ويحادثهم، ويداعب، أي يمازح صبيانهم، ويجلسهم في حجره الشريف.
أي فقد كان صلى الله عليه وسلم يصفّ أولاد عمه العباس عبد الله وعبيد الله وغيرهما رضي الله عنهم ويقول: من سبق إليّ فله كذا، فيستبقون إليه فيقاعدون على صدره الشريف فيقبلهم ويلتزمهم. ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويشهد الجنائز، ويقبل عذر المعتذر. ما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا له حتى يفرغ من حديثه ويذهب، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده صلى الله عليه وسلم منه حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها.
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادا
رجليه بين أصحابه. يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له رداءه وآثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه بالجلوس عليها إن أبي، ويدعو أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم، ولا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته، وسأله عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته، وطعن في الحديث الذي ورد بذلك، وإذا سمع بكاء الصغير وهو يصلي تجوّز فيها: أي خففها.
أكثر الناس شفقة على خلق الله تعالى وأرأفهم بهم وأرحمهم بهم، قال تعالى:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)[الأنبياء: الآية 107] ومن ثم رغب صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى أن يجعل سبه ولعنه لأحد من المسلمين رحمة له: أي إذا كان لا يستحق ذلك السب في باطن الأمر ويستحقه في ظاهر الأمر. أي وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم» أوصل الناس للرحم، وأقومهم بالوفاء وحسن العهد.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» .
وكان يركب الحمار: أي وربما ركبه عريانا ويردف خلفه. فعن أنس رضي الله عنه: رأيته صلى الله عليه وسلم يوما على حمار خطامه ليف، أي وقد جاء أن ركوب الحمار براءة من الكبر، وكان يجلس على الأرض، وكان يشرب قائما وقاعدا وينتعل قائما وقاعدا، ويصلي منتعلا وحافيا.
وفي لفظ: كان أكثر صلاته صلى الله عليه وسلم في نعليه وكان يحب التيامن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله، وكان يحب السواك حتى لقد أحفى لثته. وكان يكتحل بالإثمد عند النوم ثلاثا في كل عين. وفي لفظ: ثلاثا في اليمنى ومرتين في اليسرى.
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر، وإنه من خير أكحالكم» وكان يعود المساكين ويجلس بين أصحابه.
«وحج صلى الله عليه وسلم على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم، وقال: اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة» كما تقدم، وأهدى في حجة ذلك مائة بدنة كما تقدم.
وكان يفلي ثوبه، أي وإن كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن القمّل لا يؤذيه، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه ويخدم نفسه، ويعلف ناضحه وهو الجمل الذي يسقي عليه الماء، ويقمّ البيت.
قال وعن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل عمل البيت، وأكثر ما يعمل الخياطة، ما يرى فارغا قط في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة انتهى، ويأكل مع الخادم، ويحمل بضاعته من السوق، ويحب الطيب، ويأمر به.
وكان يتطيب بالمسك والغالية، ويتبخر بالعود والعنبر والكافور، ويأمر أصحابه بالمشي أمامه. ويقول:«خلو ظهري للملائكة» زاهدا في الدنيا. ما ترك درهما ولا دينارا.
توفي ودرعه مرهونة، وتقدم أنها ذات الفضول عند يهودي وتقدم أنه أبو الشحم على نفقة عياله، وتقدم أن ذلك كان ثلاثين صاعا من شعير، وكان الأجل سنة.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» . ما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز البر حتى فارق الدنيا. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
وفي رواية: ما شبع يومين من خبز الشعير. أي ومعلوم أن ذلك إنما هو لتتأسى به أمته في الإعراض عن الدنيا. قالت عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني عرض عليّ أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، أجوع يوما، وأشبع يوما، فأما اليوم الذي أجوع فيه فأضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك» .
قال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا، إنما أنا في الدنيا كرجل سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة حتى مال الفيء فتركها ولم يرجع إليها» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أبالي بما رددت به عني الجوع» ولم ينخل له صلى الله عليه وسلم دقيق الشعير.
قال: وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا، ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله تعالى إلى أن قبض. فقيل لها: كيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قالت: كنا نقول أف أف انتهى، أي فيطير ما طار، وما بقي عجناه: ولا خبز له صلى الله عليه وسلم مرقق. ولا أكل النقي من الخبز.
وعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة رضي الله عنها بكسرة خبز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام» أي فإنه صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتابعة طاويا. ولا أكل على خوان قط، إنما كان يأكل على السفرة، وربما وضع صلى الله عليه وسلم طعامه على الأرض.
أي وخطب صلى الله عليه وسلم يوما فقال: والله ما أمسى في بيت محمد صاع من طعام وإنها لتسعة أبيات. قال الحسن: والله ما قالها استقلالا لرزق الله، ولكن أراد صلى الله عليه وسلم أن تتأسى به أمته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: كان يمر هلال ثم هلال لا يوقد في بيت من
بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار لا لخبز ولا لطبخ، فقيل له: بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟ فقال: بالأسودين الماء والتمر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والله لقد كان يأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الليالي ما يجدون فيها عشاء.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: أهدى لنا أبو بكر شاة قالت إني لأقطعها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلمة البيت، فقال لها قائل: أما كان لكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما نسرج به أكلناه.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجمع في بطنه بين طعامين، إن أكل لحما لم يزد عليه، وإن أكل تمرا لم يزد عليه، وإن أكل خبزا لم يزد عليه، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم إلا ثوب واحد من قطن، قصير الكمين، كمه إلى الرسغ، وطوقه مطلق من غير أزرار. أي وفي لفظ:
كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا، قصير الطول، قصير الكمين، كمه إلى الرسغ.
وكان له صلى الله عليه وسلم جبة ضيقة الكمين، وكان له رداء طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر من نسج عمان.
وكان له صلى الله عليه وسلم بردة يمانية طولها ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وشبر، كان يلبسهما في يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان.
وكان له صلى الله عليه وسلم رداء أخضر طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر تداولته الخلفاء.
وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، كساها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فكان ربما طلع عليه علي كرم الله وجهه فيقول صلى الله عليه وسلم: أتاكم عليّ في السحاب، يعني عمامته التي وهبها له صلى الله عليه وسلم.
وكان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه، وكان يلبس القلنسوة اللاطئة: أي اللاصقة بالرأس، وذات الآذان كان يلبسها في الحروب، والقلانس الطول إنما حدثت في أيام الخليفة المنصور.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «فرق بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» أي فإنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم، ويلبس القلانس بغير عمائم ويلبس العمائم بغير قلانس.
وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة لابسها. وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه» .
وجاء أن جبريل عليه السلام كانت عمامته يوم غرق فرعون سوداء. ومقدار
عمامته الشريفة صلى الله عليه وسلم لم يثبت في حديث. قال بعض الحافظ أنها كانت نحو العشرة أذرع أو فوقها بيسير، وكانت له صلى الله عليه وسلم خرقة إذا توضأ تمسح بها، هذا.
وفي «سفر السعادة» : لم يكن صلى الله عليه وسلم ينشف أعضاءه بعد الوضوء بمنديل ولا منشفة، وإن أحضروا له شيئا من ذلك أبعده. والحديث المروي عن عائشة رضي الله عنه: كانت له صلى الله عليه وسلم نشافة يتنشف بها بعد الوضوء. وحديث معاذ رضي الله عنه في معناه كلاهما ضعيف وقال: تنشيف الأعضاء من الوضوء لم يصح فيه حديث.
وكانت له صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة إذا أراد أن يدور على نسائه رشها بالماء أي لتظهر رائحتها. وكان يصبغ قميصه ورداءه وعمامته بالزعفران. أي وفي لفظ: كان يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء.
وعن ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه: كان أحب الصبغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفرة. وقال الحافظ الدمياطي رحمه الله: ويعارض هذه الأحاديث ما روي في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزعفر، وفي لفظ: نهى عن أن يتزعفر الرجل.
أي وقد يقال: على تقدير صحة تلك الأحاديث فهي منسوخة، أو كان ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل. واختلف هل لبسها؟ فقيل نعم، ففي الأوسط للطبراني ومسند أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى بزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزّان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أوزن وأرجح. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل فذهبت لأحمله عنه، فقال:«صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم. قلت يا رسول الله إنك لتلبس السراويل. قال: أجل في السفر والحضر، وبالليل وبالنهار، فإني أمرت بالستر، فلم أجد شيئا أستر منه» ومخرجه هو وشيخه ضعيفان.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم توفني فقيرا ولا توفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين، وفي لفظ آخر «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين، فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة، أتتني الدنيا خضرة حلوة، ورفعت إليّ رأسها وتزينت لي، فقلت: إني لا أريدك، لا حاجة لي فيك.
ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء» انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت هو وأهله الليالي المتتابعة طاويا لا يجدون عشاء.
قال: وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، الفاقة أحب إليّ من اليسار» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أرثي له صلى الله عليه وسلم من الجوع، وأقول نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنع عنك الجوع، فيقول: يا عائشة إن إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، فتقدموا على ربهم، فأكرمهم وأجزل ثوابهم أخشى إن ترفعت في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فأصبر أياما يسيرة أحب إليّ من أن ينقص حظي غدا في الأخرى، وما من شيء أحب إليّ من اللحوق بإخواني» .
قال: وقال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولالآل محمد. يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر، وقال: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: الآية 35] والله أصبرن جهدي ولا قوة إلا بالله» انتهى.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تطروني كما أطرت النصاري عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» وكان صلى الله عليه وسلم على غاية من الإعراض عن الدنيا، وكان يصلي على الحصير وعلى الفروة المدبوغة، وربما نام على الحصير فأثرت في جسده الشريف.
وكان ينام على شيء أدم محشو ليفا، فقيل له في ذلك؟ فقال:«ما لي وللدنيا؟» .
وعن عائشة رضي الله عنها: «دخلت امرأة من الأنصار فرأت ذلك الأدم» . وفي لفظ رأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فانطلقت فبعثت إليه بفراش حشوة صوف، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت عليّ فرأت فراشك فذهبت فبعثت هذا، فقال: رديه، فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات، فقال: والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» .
وعنها رضي الله عنها أنها كانت تفرش تلك العباءة مثنية طاقين، ففي بعض الليالي ربعتها، فنام صلى الله عليه وسلم عليها ثم قال: «يا عائشة ما لفراشي الليلة ليس كما يكون؟
قلت: يا رسول الله ربعتها، قال: فأعيديه كما كان» .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا قال: «اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» . وكان يقول لأصحابه كلهم رضي الله عنهم: «إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي» قال: وكان أرجح الناس عقلا: والعقل مائة جزء:
تسعة وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم، وجزء في سائر الناس.