الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصلاة والسلام أتاني فأخبرني أن الله برأها ونزهها مما وقع في نفسي، وبشرني أن في بطنها غلاما مني، وأنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم، وكناني بأبي إبراهيم، ولولا أني أكره أن أحول كنيتي التي تكنيت بها لتكنيت بأبي ابراهيم» والله أعلم.
أي وفي النور: إني لا أعرف في الصحابة خصيا إلا هذا وشخصا آخر يقال له سفد، رآه مولاه يقبل جارية له فخصاه وجدعه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه سيده. وفي كلام بعضهم عد ابن منده وأبو نعيم مأبورا في الصحابة، وقد غلطا في ذلك، فإنه لم يسلم وما زال نصرانيا، ومنه أي بسببه فتح المسلمون مصر في خلافة عمر رضي الله عنه.
باب ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم
أعمامه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر، وهم: الحارث وهو أكبر أولاد جده عبد المطلب وبه كان يكنى. وشقيقه قثم وقد هلك صغيرا. وأبو طالب. والزبير. وعبد الكعبة، وهؤلاء الثلاثة أشقاء لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل الحارث لا شقيق له، وحمزة وشقيقاه المقوم بفتح الواو وكسرها مشددة، وجحل بتقديم الجيم على الحاء، واسمه المغيرة، والجحل السقاء الضخم، أي وقيل بتقديم الحاء مفتوحة على الجيم، وهو في الأصل الخلخال. والعباس وشقيقه ضرار، وقد تقدم أن أم العباس رضي الله عنه أول من كست الكعبة الحرير، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والغيداق واسمه مصعب، وقيل نوفل، ولقب بالغيداق لكثرة جوده، أي لأنه كان أجود قريش وأكثرها طعاما ومالا، وذكر بعضهم في أعمامه العوام.
وعماته صلى الله عليه وسلم ست وهن: أم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة، وهؤلاء الخمسة أشقاء لعبد الله والده صلى الله عليه وسلم وصفية: أي وهي شقيقة حمزة ولم يسلم من أعمامه صلى الله عليه وسلم الذين أدركوا البعثة إلا حمزة والعباس، وحكي إسلام أبي طالب وقد تقدم ما فيه ولم يسلم من عماته اللاتي أدركن البعثة من غير خلاف إلا صفية أي وهي أم الزبير بن العوام، أسلمت وهاجرت أي وماتت في خلافة عمر رضي الله عنه.
قيل وأسلمت عاتكة التي هي صاحبة الرؤيا يوم بدر، وقيل وأروى. قال بعضهم: والمشهور أن عاتكة لم تسلم.
باب ذكر أزواجه وسراريه صلى الله عليه وسلم
لا يخفى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة: خديجة رضي الله عنها، وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت أبي هالة بن زرارة التيمي، وقيل كانت
تحت عتيق بن عائد الخزومي أولا ثم تحت أبي هالة كما تقدم. وجاء: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» أي ليس فيه رفع صوت ولا تعب: أي من درة مجوفة، فقد جاء:«أنها قالت له: يا رسول الله هل في الجنة قصب؟ فقال: إنه من لؤلؤ مجبى» بالجيم وبالموحدة مشددة: أي مجوف. وجوزيت رضي الله عنها بهذا البيت، لأنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزوجها برسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء «من كسا مسلما على عري كساء الله من حلل الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق جزاء وفاقا» .
وعن عائشة رضي الله عنها: ما غرت على أحد ما غرت على خديجة رضي الله عنها، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له صلى الله عليه وسلم يوما وقد مدح خديجة رضي الله عنها: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد بدلك الله خيرا منها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها» واتفق له صلى الله عليه وسلم: «أنه أرسل لحما لامرأة تناوله صلى الله عليه وسلم ودفعه لآخر يدفعه لها، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لم تحرز يدك فقال: إن خديجة أوصتني بها، فقالت عائشة:
لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا، فلبث ما شاء الله ثم رجع، فإذا أم رومان أم عائشة رضي الله عنهما، فقالت يا رسول الله ما لك ولعائشة؟ إنها حديثة السن وأنت أحق من يتجاوز عنها، فأخذ بشدق عائشة رضي الله عنها، وقال: ألست القائلة: كأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة، والله لقد آمنت بي إذ كفر بي قومك ورزقت منها الولد وحرمتموه» .
ثم سودة بنت زمعة أي وأمها من بني النجار لأنها بنت أخي سلمى بنت عمرو، أم عبد المطلب كما تقدم.
ثم أم عبد الله عائشة رضي الله عنها بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، اكتنت بابن أختها أسماء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فصار يقال لها أم عبد الله كما تقدم.
وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: «هو عبد الله وأنت أم عبد الله» قالت: فما زلت أكتني به، أي وكان يدعوها أما لأنه رضي الله عنه تربى في حجرها.
ويقال إنها أتت منه صلى الله عليه وسلم بسقط: أي وسمي عبد الله. قال الحافظ الدمياطي ولم يثبت كما تقدم، وتزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال وهي بنت سبع سنين، وبنى صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت تسع سنين أي في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة على الصحيح كما تقدم، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها:
أريتك في النوم مرتين، أرى ملكا يحملك في سرقة» أي شقة حرير «فيقول: هذه
امرأتك فأكشف فأراك فأقول، إن كان من عند الله يمضه» وقبض صلى الله عليه وسلم عنها وهي بنت ثمان عشرة ولم يتزوّج بكرا غيرها، وقبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها، ودفن في بيتها كما سيأتي، وماتت وقد قاربت سبعا وستين سنة في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه بالبقيع، وقيل سعيد بن زيد، ودفنت به ليلا وذلك في زمن ولاية مروان بن الحكم على المدينة في خلافة معاوية. وكان مروان استخلف أبا هريرة رضي الله عنه لما ذهب إلى العمرة في تلك السنة.
ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهي شقيقة عبد الله بن عمر وأسن منه، وأمها زينب أخت عثمان بن مظعون، وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة رضي الله عنه، فتوفي عنها بجراحة أصابته ببدر، وقيل بأحد وهو خطأ لما سيأتي من أن تزوجه صلى الله عليه وسلم لها في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد بشهرين.
أقول: وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت. وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو أمير يومئذ، وحمل سريرها، وحمله أيضا أبو هريرة رضي الله عنه وقد بلغت ثلاثا وستين سنة. وقيل ماتت لما بويع معاوية سنة إحدى وأربعين والله أعلم، وطلقها صلى الله عليه وسلم.
وقيل في سبب طلاقها أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاستأذنت في زيارة أبيها، أي وقيل في زيارة عائشة لأنهما كانتا متصادقتين: أي بينهما المصافاة فأذن لها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مارية وأدخلها بيت حفصة وواقعها، فرجعت حفصة فأبصرت مارية مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت، وقالت له: إني رأيت من كان معك في البيت وغضبت وبكت، أي وقالت: يا رسول الله لقد جئت إليّ بشيء ما جئت به إلى أحد من نسائك في يومي وفي بيتي وعلى فراشي، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهها الغيرة، قال لها: اسكتي فهي حرام عليّ أبتغي بذلك رضاك.
وفي رواية: «أما ترضين أن أحرمها على نفسي ولا أقربها أبدا؟ قالت: بلى، وحلف أن لا يقربها» : أي قال إنها حرام.
وفي رواية: «قد حرمتها عليّ، ومع ذلك أخبرك أن أباك الخليفة من بعد أبي بكر فاكتمي عليّ» .
وفي رواية قال لها: «لا تخبري بما أسررت إليك» فأخبرت بذلك عائشة رضي الله عنهما، فقالت: قد أراحنا الله من مارية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها على نفسه وقصت عليها القصة. وقيل خلا صلى الله عليه وسلم بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة،
فقال لها: اكتمي عليّ قد حرمت مارية على نفسي، فأخبرت بذلك عائشة وكانتا متصادقتين بينهما المصافاة كما تقدم، فطلقها وأنزل الله تعالى عند تحريم مارية قوله:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التحريم: الآية 1] إلى قوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: الآية 2] أي أوجب عليكم كفارة ككفارة أيمانكم، لأن الكفارة تحل ما عقدته اليمين لأن هذا ليس من الأيمان: أي واطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أن حفصة قد نبأت عائشة بما أسرّه إليها من أمر مارية وأمر الخلافة، فلما أخبر صلى الله عليه وسلم عائشة ببعض ما أسرته لها وهو أمر مارية وأعرض عما أسره إليها من أمر الخلافة أن ينتشر ذلك في الناس، قالت عائشة: من أنبأك هذا؟ قال: «نبأني العليم الخبير» ، ومن ثم كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: والله إن خلافة أبي بكر وعمر لفي كتاب الله ثم يقرأ هذه الآية.
ولما أفشت حفصة رضي الله عنها سره صلى الله عليه وسلم طلقها كما تقدم، فجاءه جبريل عليه السلام يأمره بمراجعتها، لأنها صوامة قوامة، وإنها إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وفي رواية، تأتي: راجعها رحمة لعمر. وقيل همّ صلى الله عليه وسلم بتطليقها ولم يفعل، فقد جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلقها، فقال له جبريل عليه السلام: إنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة. وعليه فيراد بالمراجعة المصالحة والرضا عنها كما سيأتي. قال في الينبوع: وهذا هو المشهور، فسيأتي ما يدل على صحته: أي والذي سيأتي قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال لا.
وفيه أن هذا كان عند طلبهن منه صلى الله عليه وسلم النفقة، وهذه الواقعة غير تلك، وقيل في سبب نزول الآية غير ذلك.
وفي البخاري في سبب نزول الآية عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها، فلتقل له صلى الله عليه وسلم أكلت مغافير: أي أجد منك ريح مغافير، فدخل على حفصة رضي الله عنها، فقالت له ذلك، فقال لها: لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا» أي لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يظهر منه ريح كريهة، لأن المغافير صمغ العوسج من شجر الثمام كريه الريح.
وعن عمر رضي الله عنه أن امرأته راجعته في شيء فأنكر عليها مراجعتها، فقالت له: عجبا لك يا بن الخطاب: ما تريد أن تراجع، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقام عمر رضي الله عنه، فدخل على حفصة رضي الله عنها فقال لها: يا بنية إنك لتراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقالت
له حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا بنية لا تغررك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، يريد عائشة، قال: ثم دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت: يا بن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه، فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها، فأنا في منزلي، فجاءني صاحب لي من الأنصار، وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه، فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة فأخذت ثوبي وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في مشربة له يرقى إليها بعجلة، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشربة وينحدر منها عليه، وغلام له أسود يقال له رباح على رأس العجلة، فقلت له قل له هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي: أي بعد أن قال له: يا رباح استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وفي كل مرة ينظر رباح إلى المشربة ولا يرد له جوابا، وفي الثالثة رفع له عمر رضي الله عنه صوته فأومأ إليه أن ارق، قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه القصة، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم، ويأتي أن هذا كان عند اجتماعهن عليه في النفقة لا لأجل معاتبة الله إياه بسبب الحديث الذي أفشته حفصة. ويحتمل أنه لا جتماع الأمرين.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى فيهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم: الآية 4] فقال: وا عجبا لك يا بن العباس هما عائشة وحفصة: أي فإن الله خاطبهما بقوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ [التحريم: الآية 4] أي فهو خير لكما فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم: الآية 4] أي مالتا عما يجب عليكما من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتغاء مرضاته، ثم استقبل الحديث قال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نسائهم، فصخبت عليّ امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت:
ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك منهن، فدخلت على حفصة، فقلت له: أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم فقلت: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله بغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي، لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة، فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا، فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ ألم أكن حذرتك هذا؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، ها هو معتزل في المشربة: أي الغرفة، فإنه صلى الله عليه وسلم لما عاتبه الله سبحانه بسبب الحديث الذي أفشته حفصة على عائشة حلف لا يدخل على نسائه شهرا،
فصار صلى الله عليه وسلم يتغدى ويتعشى وحده في تلك المشربة، فجئت المشربة، فقلت لغلام أسود:
استأذن لعمر، فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، فقال: كلمته وذكرتك له فصمت، فانصرفت، ثم غلبني ما أجد، فجئت، فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع إليّ فقال: ذكرتك له فصمت، فرجعت، ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام، ثم قلت: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع إليّ، فقال ذكرتك له، فصمت، فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني، فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت له: وأنا قائم: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: لا، فقلت: الله أكبر، كنا معاشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة فإذا قوم تغلبهم نساؤهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته صلى الله عليه وسلم تبسم.
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه لما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة حثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم من الغد وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر.
وقد يراد بالمراجعة المصالحة والرضا فلا ينافي ما تقدم أنه لم يطلقها وإنما أراد ذلك، ويدل له ما جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلقها فقال له جبريل عليه السلام: إنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة، ومن هذا وما يأتي يعلم أنه صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه، وأما الظهار فلم يظاهر أبدا خلافا لمن زعمه.
أي وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه في المشربة أنه شجر بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين حفصة أمر، فقال لها: اجعلي بيني وبينك رجلا، قالت: نعم، قال: فأبوك إذن، فأرسلت إلى عمر فجاء، فلما دخل عليهما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: تكلمي، فقالت: بل أنت يا رسول الله تكلم ولا تقل إلا حقا، فرفع عمر رضي الله عنه يده فوجأها في وجهها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كف يا عمر، فقال عمر: يا عدوة الله، النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد إلى الغرفة، فمكث فيها شهرا لا يعرف شيئا من نسائه ونزلت آية التخيير. ويقال: لا مانع من اجتماع هذا السبب مع ما تقدم.
ويروى أن سبب نزول آية التخيير أن نساءه صلى الله عليه وسلم اجتمعن عليه فسألنه النفقة ولم يكن عنده شيء فآلى أن لا يجتمع بهن شهرا وصعد المشربة الحديث.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم
فوجد الناس جلوسا ببابه ليؤذن لهم، قال فأذن لأبي بكر رضي عنه فدخل، ثم أقبل عمر ماشيا، فأذن له فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم حوله نساؤه: أي قد سألنه النفقة وهو واجم ساكت لا يتكلم، فقال عمر رضي الله عنه: لأقولن شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني زوجته سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة فوجأ عنقها، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة فوجأ عنقها وكل يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمع بهن شهرا.
وفي رواية أخرى عن عمر رضي الله عنه أنه ذكر أن بعض أصدقائه من الأنصار جاء إليه ليلا، فدق عليه بابه وناداه، قال عمر: فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: ماذا أجاءت غسان، لأنا كنا حدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فقال: لا، بل أمر أعظم من ذلك وأطول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت: خابت حفصة وخسرت، كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ودخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري هو هذا معتزلا في هذه المشربة: أي لأن نساءه صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه صلى الله عليه وسلم في طلب النفقة أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن، قال عمر رضي الله عنه:
لأقولن من الكلام شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيت غلاما له صلى الله عليه وسلم أسود، فقلت له:
استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج وقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المسجد، فجلست قليلا، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ، فقال: قد ذكرتك له فصمت، فلما كان في المرة الرابعة وقال لي مثل ذلك وليت مدبرا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، قد أذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمل حصير قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ قال: فرفع رأسه إليّ وقال: لا، فقلت:
الله أكبر، ثم قلت: كنا معاشر قريش بمكة نغلب على النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن منهن، فكلمت فلانة يعني زوجته فراجعتني، فأنكرت عليها، فقالت: تنكر أن راجعتك؟ فو الله لقد رأيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد من فعل ذلك وخسر، أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى حفصة فقلت: أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسألينه شيئا، وسليني ما بدا
لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك؟ يعني عائشة رضي الله تعالى عنها، فتبسم أخرى، فقلت، أستأنس يا رسول الله؟ قال: نعم فجلست وقلت: يا رسول الله قد أثر في جنبك رمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله، فاستوى صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: أفي شك أنت يا بن الخطاب أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: أستغفر الله يا رسول الله، فلما مضى تسع وعشرون يوما أنزل الله تعالى عليه أن يخير نساءه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: الآية 28] الآية، فنزل ودخل على عائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت له: يا رسول الله أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد دخلت وقد مضى تسع وعشرون يوما أعددهن، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشهر تسع وعشرون.
وفي رواية يكون هكذا وهكذا وهكذا، يشير بأصابع يديه وفي الثالثة حبس إبهامه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إني ذاكر لك أمرا: فلا عليك أن لا تعجلي. وفي رواية: إني أعرض عليك أمرا وأحب أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك. قالت: وما هو يا رسول الله فقرأ عليّ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: الآية 28] الآية، قلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. وفي رواية: أفيك يا رسول الله أستشير أبويّ بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت رضي الله تعالى عنها: ثم قلت له لا تخبره امرأة من نسائك بالذي قلت لك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا، ثم فعل بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنهن.
ثم زينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنها، وهي أخت ميمونة لأمها، كانت تدعى: أي في الجاهلية أم المساكين لرأفتها وإحسانها إليهم أي كما سمى صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأبي المساكين لحبه لهم، وجلوسه عندهم، وتحدثه معهم، وإحسانه إليهم رضي الله تعالى عنه، كانت قبله تحت الطفيل بن الحارث، فطلقها فتزوجها أخوة عبيدة بن الحارث، فقتل يوم بدر شهيدا، فخطبها صلى الله عليه وسلم، فجعلت أمرها إليه فتزوجها صلى الله عليه وسلم وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا، أي وذلك على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد بشهر. وفي لفظ أن عبيدة بن الحارث قتل عنها يوم أحد فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ أنها كانت تحت عبد الله بن جحش، قتل عنها يوم أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في المواهب:
وهو أصحّ.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله عروسا بزينب، فعمدت أم سليم إلى تمر وسمن وأقط، فصنعت حيسا فجعلته في تور، فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرئك السلام، فقال صلى الله عليه وسلم:
ادع لي فلانا وفلانا رجالا سماهم، وادع لي من لقيت، فدعوت من سمى ومن لقيت، فرجعت، فإذا البيت غاصّ، بأهله، قيل لأنس: ما عددهم؟ قال: كانوا ثلاثمائة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده الشريفة على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عنده عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: اذكروا الله وليأكل كل رجل مما يليه، فأكلوا حتى شبعوا كلهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم لي: يا أنس ارفع فرفعت، فما أدري حين وضعت كانت أكثر أو حين رفعت، فمكثت عنده صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر وقيل شهران أو ثلاثة، ثم توفيت وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع، وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها. ولم يمت من أزواجه صلى الله عليه وسلم في حياته إلا هي وخديجة رضي الله تعالى عنهما.
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد زينب هذه أم سلمة. واسمها هند. وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند أبي سلمة رضي الله تعالى عنه عبد الله بن عبد الأسد ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب، وأخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وكانت هي وهو أول من هاجر إلى الحبشة على ما تقدم، فلما مات أبو سلمة رضي الله تعالى عنه، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيرا، فقالت: ومن يكن خيرا من أبي سلمة؟ ولما اعتدت أم سلمة رضي الله تعالى عنها أرسل صلى الله عليه وسلم يخطبها مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه، أي وكان خطبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأبت، وخطبها عمر فأبت، فلما جاءها حاطب، قالت: مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول له: إني امرأة مسنة، وإني أم أيتام: أي لأنها رضي الله تعالى عنها كان معها أربع بنات: برة وسلمة وعمرة ودرة، وإني شديدة الغيرة، فأرسل صلى الله عليه وسلم يقول لها: أما قولك إني امرأة مسنة فأنا أسن منك، ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها. وأما قولك: إني أم أيتام فإن كلهم على الله وعلى رسوله. وأما قولك: إني شديدة الغيرة فإني أدعو الله أن يذهب ذلك عنك. أي وفيه أنهم قالوا: يا رسول الله ألا تتزوج من نساء الأنصار؟
قال: إن فيهن غيرة شديدة. وفي لفظ أنها قالت زيادة على ما تقدم: ليس لي ههنا أحد من أوليائي فيزوجني، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله أن يذهبها عنك. وأما ما ذكرت من صبيتك فإن الله سيكفيهم. وأما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك يكرهني، فقالت لابنها: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه أي على متاع منه رحى وجفنة وفراش حشوه ليف، وقيمة ذلك المتاع عشرة دراهم، وقيل أربعون درهما. قالت: فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخلني بيت زينب أم المساكين رضي الله تعالى عنها بعد أن ماتت، فإذا جرة فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة وقدر وكعب: أي ظرف الأدم، فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة، وأخذت الكعب فأدمته، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه.
وماتت أم سلمى رضي الله تعالى عنها في ولاية يزيد بن معاوية، وكان عمرها أربعا وثمانين سنة ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وقيل سعيد بن زيد وغلط قائله.
وذكر بعضهم أن تزويج ولدها لها رضي الله تعالى عنهما إنما كان بالعصوبة لأنه كان ابن ابن عمها.
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد أم سلمة رضي الله تعالى عنها زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، وكان اسمها برة، فسماها صلى الله عليه وسلم زينب: أي خشي أن يقال خرج من عند برة، وهي بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند مولاه زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما ثم طلقها، فلما انقضت عدتها زوجه الله إياها، أي لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة يخطبها له صلى الله عليه وسلم، قال زيد: فذهبت إليها فجعلت ظهري إلى الباب فقلت: يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، فقالت: ما كنت لأحدث شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل، فأنزل الله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [الأحزاب: الآية 37] فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، فكانت رضي الله تعالى عنها تفتخر بذلك على نسائه صلى الله عليه وسلم وتقول: إن الله أنكحني إياه من فوق سبع سموات، وهذا يرد ما قيل إن أخاها أبا أحمد بن جحش زوجها منه صلى الله عليه وسلم.
قال في النور: ويمكن تأويل تزويج أخيها إياها.
أي وقد ذكر مقاتل رحمه الله أن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما لما أراد أن يتزوج زينب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله اخطب علي، قال له: من؟
قال: زينب بنت جحش، قال: لا أراها تفعل، إنها أكرم من ذلك نفسا، فقال: يا رسول الله إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس عليّ فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها امرأة لسناء، فذهب زيد رضي الله تعالى عنه إلى عليّ كرم الله وجهه، فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه، فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا علي إلى أهلها فتكلمهم، ففعل، ثم عاد يخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قد رضيته لكم، وأقضي أن تنكحوه، فأنكحوه، وساق لهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأو لم عليها، وأطعم المساكين خبزا ولحما: أي وتزوجها صلى الله عليه وسلم هلال ذي القعدة سنة أربع من الهجرة على الصحيح وهي بنت خمس وثلاثين سنة، وقيل نزلت في ذلك اليوم آية الحجاب، فإنه صلى الله عليه وسلم لما دعا القوم وطعموا تهيأ صلى الله عليه وسلم للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس فلم يدخل، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب: الآية 53] الآية وتكلم في
ذلك المنافقون وقالوا: محمد حرم نساء الأولاد، وقد تزوج امرأة ابنه أي لأن زيد بن حارثة كان يقال له زيد بن محمد: أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان تبناه كما تقدم، فأنزل الله تعالى:
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب: الآية 40] وأنزل ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب: الآية 5] فمن حينئذ كان يقال له رضي الله تعالى عنه زيد بن حارثة كما تقدم.
وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به. ماتت رضي الله تعالى عنها بالمدينة سنة عشرين، ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة. وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أي فإن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل إلى زينب رضي الله تعالى عنها بالذي لها من العطاء، فسترته بثوب، وأمرت بتفرقته، فكان خمسة وثمانين درهما، ثم قالت: اللهم لا تدركني عاما لعمر بعد عامي هذا فماتت.
وهي أول من جعل على نعشها قبة، أي بعد فاطمة رضي الله تعالى عنها، فلا يخالف ما سبق مما ظاهره أنه فعل لها ذلك.
وفي كلام بعضهم أن زينب هذه أول من حمل على نعش، وقيل أول من حمل على نعش فاطمة رضي الله تعالى عنها، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول في حقها: هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى لله وأصدق في حديث وأوصل للرحم وأعظم صدقة من زينب رضي الله تعالى عنها.
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها: إنها لأواهة، فقال رجل: يا رسول الله ما الأواه؟ قال:
الخاشع المتضرع. وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به كما تقدم. وقال له صلى الله عليه وسلم بعض نسائه: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: أطولكن يدا، فأخذن قصبة يذرعنها، وفي لفظ عن عائشة رضي الله تعالى عنها: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فكانت سودة رضي الله تعالى عنها أطولهن، فلما ماتت زينب رضي الله تعالى عنها، أي وكانت امرأة قصيرة علموا أن المراد بطول اليد الصدقة، لأنها كانت تعمل وتتصدق لا الجارحة وما في البخاري من أنها سودة، قال ابن الجوزي: غلط من بعض الرواة.
والعجب من البخاري رحمه الله كيف لم ينبه عليه ولا علم بفساد ذلك الخطأ، فإنه قال: لحوق سودة به صلى الله عليه وسلم من أعلام النبوة وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء. وجمع الطيبي رحمه الله بأنه يمكن أن يقال إن سودة رضي الله تعالى عنها أوّل نسائه صلى الله عليه وسلم موتا التي اجتمعن عند موته، وكانت زينب رضي الله تعالى عنها غائبة.
وفيه أن في رواية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم يغادر منهن واحدة أي فقد قال له بعضهن. وفي لفظ قلن له: أينا أسرع لحوقا بك يا رسول الله؟ وقد قال الإمام النووي: أجمع أهل السيرة على أن زينب رضي الله تعالى عنها أوّل من مات من أزواجه صلى الله عليه وسلم بعده.
ثم جويرية رضي الله تعالى عنها بنت الحارث من بني المصطلق. سبيت في غزوة بني المصطلق، ووقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها على تسع أواق، فأدى عليه الصلاة والسلام عنها ذلك وتزوّجها.
وقيل جاء أبوها فافتداها، ثم نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم. وقيل إنها كانت بملك اليمين فأعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوّجها، وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية، أي لما تقدم. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسافع بن صفوان، وتقدم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كانت جويرية عليها ملاحة وحلاوة، لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بنفسه. وكانت بنت عشرين سنة. أي وتوفيت في المدينة سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو والي المدينة يومئذ، وقد بلغت سبعين سنة، وقيل خمسا وستين سنة.
ثم ريحانة بنت يزيد من بني النضير. وقيل من بني قريظة، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجل من بني قريظة، يقال له الحكم. قال الحافظ الدمياطي رحمه الله:
ولذلك ينسبها بعض الرواة إلى بني قريظة، وكانت جميلة وسيمة، وقعت في سبي بني قريظة، فكانت صفيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام ودينها، فاختارت الإسلام، فأعتقها وتزوّجها، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا، وقيل كانت موطوءة له صلى الله عليه وسلم بملك اليمين.
أي فقد ذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها ويتزوّجها، وبين أن تكون له في ملكه، وعليه فتكون من السراري لا من الزوجات.
قال الحافظ الدمياطي: والأوّل، أي أنها زوجة أثبت عند أهل العلم. وقال العراقي إن الثاني: أي كونها سرية أضبط. ودخل بها صلى الله عليه وسلم بعد أن حاضت حيضة أي وذلك في بيت أمّ المنذر سلمى بنت قيس النجارية سنة ست من الهجرة، وغارت عليه صلى الله عليه وسلم غيرة شديدة فطلقها فأكثرت البكاء، فراجعها صلى الله عليه وسلم، وهذا مؤيد للقول بأنها كانت زوجة.
قيل ماتت مرجعه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ودفنها بالبقيع.
ثم أم حبيبة رضي الله عنها، وهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنهما وهي بنت عمة عثمان بن عفان. هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش
إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى، وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت في حجره رضي الله تعالى عنها، وتنصر عبيد الله بن جحش هناك وثبتت هي على الإسلام رضي الله تعالى عنها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي رحمه الله فزوّجه صلى الله عليه وسلم إياها، وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، أي والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص على الأصح وكلته في ذلك، وهو ابن عم أبيها.
وقيل الذي تولى عقد النكاح عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وقيل كان الصداق أربعة آلاف درهم، وجهزها النجاشي من عنده، وأرسلها مع شرحبيل ابن حسنة في سنة سبع. وقيل تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وعليه يحمل ما في كلام العامري أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد نكاح أم حبيبة رضي الله تعالى عنها بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنه تطبيبا لخاطره.
ثم صفية رضي الله تعالى عنها بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير، قتل مع بني قريظة كما تقدم. وكانت عند سلام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وقتل عنها يوم خيبر، وتقدمت قصة قتله في خيبر، ولم تلد لأحد منهما، واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، لأنه لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه. فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية رضي الله تعالى عنها. فقيل:
يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ جارية من السبي غيرها، فحجبها وجهزتها له أم سليم رضي الله تعالى عنها، وأهدتها له من الليل وكان عمرها لم يبلغ سبع عشرة سنة، فأولم صلى الله عليه وسلم عليها بتمر وسويق.
وفي لفظ: لما أصبح صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء فليجيء به، فبسط نطعا، فجعل الرجل يأتي بالأقط، وجعل الرجل يأتي بالتمر، وجعل الرجل يأتي بالسمن، فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: كانت صفية عاقلة فاضلة، ودخل عليها صلى الله عليه وسلم يوما وهي تبكي.
فقال لها في ذلك؟ فقالت قد بلغني أن عائشة وحفصة ينالان مني، ويقولان: نحن خير من صفية، نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولي لهن:
كيف تكن خيرا مني، وأبي هارون، وعمي موسى عليهما الصلاة والسلام، وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم: أي فهي بنت نبي وزوج نبي، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا في وجهها، فسألها عن ذلك. فقالت: رأيت كأن القمر وقع في حجري، فذكرت ذلك لأبي.
وتقدم في رواية أنها ذكرت ذلك لزوجها كنانة، فضرب وجهي ضربة أثرت فيّ هذا الأثر، وقال: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب.
ولا مانع من تعدد الواقعة. فقد قال في النور: لعلهما فعلا بها ذلك، وتقدم في رواية أنها رأت الشمس وقعت على صدرها، وتقدم أنه يجوز تعدد الرؤيا، أو أنها رأت الشمس والقمر في وقت واحد.
وفي زمن خلافة عمر رضي الله عنه أتت جارية لها إلى عمر رضي الله عنه، فقالت له: يا أمير المؤمنين إن صفية تحبّ السبت وتصل اليهود، فسألها عمر رضي الله عنه، فقالت: أما السبت فإني لا أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة. وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟
قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرة.
قال الحافظ الدمياطي رحمه الله: ماتت في رمضان سنة خمسين. وقيل سنة اثنتين وخمسين ودفنت بالبقيع. وخلفت ما قيمته مائة ألف درهم من أرض وعرض.
وأوصت لابن أختها بثلثها وكان يهوديا.
وذكر الرافعي رحمه الله عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه أنها أوصت لأخيها، وكان يهوديا بثلاثين ألفا، أي وهذا لا يعارض ما ذكر لأنه لا يجوز أن يكون من روى عنه إمامنا لم يعتبر ما زاد على الثلاثين الذي هو تتمة الثلث، وهو ثلاثة وثلث، لأن ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث، أو أن القائل أوصت بثلثها تجوّز وأطلق على الثلاثين ثلثا.
ثم ميمونة رضي الله عنها بنت الحارث، وكان اسمها برة فسماها ميمونة، زوّجها له صلى الله عليه وسلم عمه العباس رضي الله عنه، وهي خالة ابنه عبد الله بن عباس، وأختها أسماء بنت عميس وسلمى بنت عميس وزينب بنت خزيمة أم المؤمنين، وخالة خالد بن الوليد رضي الله عنه. وكانت في الجاهلية عند مسعود بن عمرو ففارقها، فخلف عليها أبو رهم فتوفي عنها فتزوجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم، أي كما عليه جمهور علماء المدينة في عمرة القضاء.
وفي الهدى: يشبه أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم خلافا لابن عباس ووهمه في ذلك، قال: لأن السفير بينهما في النكاح وهو أبو رافع أعلم بالقصة وهو رجل بالغ، وابن عباس كان سنه نحو عشر سنين. قال: ولا يخفى أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم، وكان ذلك سنة سبع.
وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا وبنى بها بسرف بعد أن أحل على ما تقدم، وماتت سنة إحدى وخمسين على الأصح وبلغت ثمانين سنة، ودفنت بسرف الذي هو محل الدخول بها.
والحاصل أن جملة من خطبه صلى الله عليه وسلم من النساء ثلاثون امرأة منهن من لم يعقد
عليه ومنهن من عقد عليه، وهذا القسم أيضا منه من دخل به ومنه من لم يدخل به.
وفي لفظ: جملة من عقد عليه ثلاث وعشرون امرأة، والذي دخل به منهن اثنتا عشرة.
فمن غير المدخول بها غزية، وهي أم شريك العامرية، وهذه قبل دخوله بها طلقها ولم يراجعها. وهناك أم شريك السلمية أخرى، وهي خولة أو خويلة ولم يدخل بها. وهناك أم شريك ثالثة وهي الغفارية. وأم شريك رابعة وهي الأنصارية.
واختلف في الواهبة نفسها، فقيل ميمونة، وقيل أم شريك غزية، وقيل أم شريك خولة التي لم يدخل بها.
ورجح القول الثاني الحصني حيث اقتصر عليه في كتاب المؤمنات، فقال:
ومنهن أم شريك، واسمها غزية، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها على ما قاله الأكثرون، فلم تتزوج حتى مات عليه الصلاة والسلام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن للإسلام وترغبهن فيه حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها، وقالوا لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا نسيرك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوقفوني في الشمس واستظلوا، فبينما هم قد نزلوا منزلا وأوقفوني في الشمس إذا أنا بأبرد شيء على صدري فتناولته، فإذا هو دلو من ماء، فشربت قليلا ثم نزع مني ورفع، ثم عاد فتناولته فشربت من ثم رفع، ثم عاد ثم رفع مرارا فشربت منه حتى رويت ثم أفضت سائرة على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على ثيابي فقالوا: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه، فقلت: لا والله، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا: لئن كنت صادقة لدينك خير من ديننا، فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموها عند ذلك، وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوهبت نفسها له بغير مهر فقبلها ودخل عليها.
قال: وفي ذلك أن من صدق في حسن الاعتماد على الله وقطع طعمه عما سواه جاءته الفتوحات من الغيب، هذا كلامه.
وقد كان صلى الله عليه وسلم أرجأ من نسائه خمسا: سودة وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة، وآوى إليه أربعا: عائشة وزينب وأم سلمة وحفصة، وهؤلاء التسعة مات عنهن صلى الله عليه وسلم.
وقد نظمهن بعضهم فقال:
توفي رسول الله عن تسع نسوة
…
إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة ميمونة وصفية
…
وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة
…
ثلاث وست ذكرهن مهذب
ومن جملة اللاتي لم يدخل به النبي صلى الله عليه وسلم التي ماتت من الفرح، لما علمت أنه صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهي عز أخت دحية الكلبي رضي الله تعالى عنهما التي ماتت قبل دخوله بها.
ومن جملتهن سودة القرشية التي خطبها صلى الله عليه وسلم فاعتذرت بينيها، وكانوا خمسة، وقيل ستة، فقال لها خيرا.
ومن جملتهن التي تعوذت منه صلى الله عليه وسلم، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عذت بمعاذ، وقد أعاذك الله مني. وفي لفظ: عذت بعظيم، وفي لفظ: عائذ الله.
وفي كلام بعضهم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم خفن أن تغلبهن عليه لجمالها، فقلن لها:
إنه صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا دنا منك أن تقولي له أعوذ بالله منك، فلما دنا منها قالت: أعوذ بالله منك. وفي رواية: قلن لها: إن اردت أن تحظي عنده فتعوّذي بالله منه فلما دخل عليها قالت له: أعوذ بالله منك، فصرف صلى الله عليه وسلم وجهه عنها وقال ما تقدم وطلقها، وأمر أسامة رضي الله تعالى عنه فمتعها بثلاثة أثواب.
وفي لفظ أتى أبو أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجونية: أي أسماء بنت النعمان بن أبي الجون الكندية، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها فقالت تعال أنت. وفي رواية فقال: هبي نفسك، فقالت: تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى صلى الله عليه وسلم بيده إليها لتسكت، فقالت: أعوذ بالله منك، قال: عذت بمعاذ، فخرج فقال: يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها، وهذا هو المشهور.
وروي هذا الخبر عن أسيد بن أبي أسيد قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة يتزوجها من بلجون: أي من بني الجون، فجئت بها، فأنزلتها بالشعب في أجم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله جئتك بأهلك، فأتاها صلى الله عليه وسلم، فأهوى إليها ليقبلها فقالت: أعوذ بالله منك» الحديث.
ومن جملتهن التي اختارت الدنيا. وقيل التي كانت تلتقط البعر هي المستعيذة منه.
ومن جملتهن قتيلة بضم القاف وفتح الباء المثناة فوق، بنت قيس أخت الأشعث بن قيس الكندي، زوجه إياها أخوها وهي بحضرموت، ومات صلى الله عليه وسلم قبل قدومها عليه، وأوصى صلى الله عليه وسلم بأن تخير، فإن شاءت ضرب عليها الحجاب وكانت من أمهات المؤمنين، وإن شاءت الفراق فتنكح من شاءت فاختارت الفراق، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال: هممت أن أحرق عليها بيتها، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: ما