الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما أهدر دم عصماء نذر عمير إن رد الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة سالما ليقتلنها، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة عدا عليها عمير رضي الله تعالى عنه فقتلها. وفي كلام السهيلي رحمه الله أن الذي قتل عصماء بعلها.
وقد يقال: لا مخالفة لأن عميرا رضي الله عنه جاز أن يكون كان بعلا لها قبل مرثد بن زيد. وذكر في الاستيعاب في ترجمة عمير رضي الله عنه أنه قتل أخته لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمها.
أقول: الظاهر أنها كانت غير عصماء، لأن نسب عصماء غير نسب عدي، إلا أن يقال إنها أخته لأمه ويبعده ما تقدم من أنه كان زوجا لها، والله أعلم وبعث وفي الأصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي.
سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك
أي والعفك بفتح العين المهملة وبالفاء وبالكاف: أي الحمق أي أبي الحمق اليهودي، قال صلى الله عليه وسلم يوما:«من لي بهذا الخبيث، يعني أبا عفك» أي من ينتدب إلى قتله وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة، وكان يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبه في شعر له، فقال سالم بن عمير رضي الله عنه، أي وهو أحد البكائين، وقد شهد بدرا: عليّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه فطلب له غرة: أي غفلة، فلما كانت ليلة صائفة أي شديدة الحر نام أبو عفك بفناء بيته، أي خارجه، فعلم بذلك سالم رضي الله عنه فأقبل نحوه فوضع السيف على كبده ثم تحامل حتى خش السيف في الفراش وصاح عدو الله، فتركه سالم رضي الله عنه وذهب، فقام إلى أبي عفك ناس من أصحابه فاحتملوه وأدخلوا داخل بيته فمات عدو الله، وابن إسحاق قدم هذا البعث على بعث عمير.
سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه إلى كعب بن الأشرف الأوسي
أي فإن أباه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف منهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة، وكان شاعرا مجيدا، وقد كان ساد يهود الحجاز بكثرة ماله، وكان يعطي أحبار اليهود ويصلهم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أحبار يهود من بني قينقاع وبني قريظة لأخذ صلته على عادتهم، فقال لهم: ما عندكم من أمر هذا الرجل:
يعني النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو الذي كنا ننتظر، ما أنكرنا من نعوته شيئا، فقال لهم قد حرمتم كثيرا من الخير، فارجعوا إلى أهليكم، فإن الحقوق في مالي كثيرة، فرجعوا عنه خائبين، ثم رجعوا إليه وقالوا له إنا أعجلناك فيما أخبرناك به، ولما استثبتنا علمنا أنا غلطنا وليس هو المنتظر، فرضي عنهم ووصلهم، وجعل لكل من تابعهم من الأحبار شيئا من ماله، وهذا نزل فيه قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران: الآية 75] استودعه شخص دينارا فجحده كذا في تكملة الجلال السيوطي. وفي الكشاف وفروعه أنها نزلت في فنحاص بن عازوراء. وقد يقال: لا مانع من تعدد الواقعة.
ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنهما مبشرين لأهل المدينة بذلك وصارا يقولان قتل فلان وفلان وأسر فلان وفلان من أشراف قريش، صار كعب يكذب في ذلك ويقول هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها، أي كما تقدم، فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة وكان شاعرا فجعل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويمدح عدوهم ويحرضهم عليه، وينشد الأشعار ويبكي من قتل ببدر من أشراف قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت، ثم رجع إلى المدينة: أي بعد أن لم يجد من يأوي رحله بمكة، أي لأنه لما قدم مكة وضع رحله عند المطلب بن وداعة وأكرمته زوجة المطلب وهي عاتكة بنت أسيد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وأخبره بذلك، فهجا المطلب وزوجته، فلما بلغهما هجاء حسان ألقت رحله، وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي؟ وأسلم المطلب وزوجته بعد ذلك رضي الله عنهما، وصار كلما تحول عند قوم من أهل مكة صار حسان يهجوهم فيلقون رحله، أي يقال إنه خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على أبي سفيان فقال لهم أبو سفيان إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما، ففعلوا، فأنزل الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النّساء: الآية 51] أي وحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين، فخرج من مكة للمدينة، فلما وصل إلى المدينة وصار يشبب بنساء المسلمين: أي يتغزل فيهن ويذكرهن بالسوء حتى آذاهن.
أي وقيل إن كعب بن الأشرف صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام، فإذا حضر يفتكون به، ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه، فأعلمه جبريل عليه السلام بما أضمروه بعد أن جالسه، فقام صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يستره بجناحه حتى خرج، فلما فقدوه تفرّقوا، ولا مانع من تعدد الأسباب، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف؟ وفي لفظ: من لنا بابن الأشرف، فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا، أي وفي رواية: إنه يؤذي الله ورسوله، وفي أخرى فإنه قد آذانا بشعره وقوى المشركين علينا، أي فإن أبا سفيان قال لكعب: فإنك تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق، أنحن أم محمد؟ فقال كعب: اعرضوا عليّ دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا قديم ودين محمد الحديث، فقال كعب لعنه الله: أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: من لي بقتل ابن الأشرف؟ فقال محمد بن سلمة الأوسي: أنا لك به يا رسول الله، هو خالي- لأن محمد بن مسلمة ابن أخته- أنا أقتله، وأجمع: أي عزم على ذلك هو وأربعة: أي من الأوس عباد بن بشر وأبو نائلة، وكان رضي الله عنه أخا لكعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن عيسى والحارث بن أوس. ومكث محمد بن مسلمة رضي الله عنه بعد قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا ما تقوم به نفسه خوفا من عدم وفائه بما ذكر، ثم قال: يا رسول الله لا بد لنا أن نقول: أي نذكر ما نتوصل به إليه من الحيلة، وحينئذ كان المناسب أن يقول لا بد لنا أن نتقول: أي نخترع ما نحتال به عليه، فقال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك، فأباح صلى الله عليه وسلم لهم الكذب لأنه من خدع الحرب كما تقدم.
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه، والجمع ممكن، فتقدمهم إلى كعب أبو نائلة رضي الله عنه، وكان يقول الشعر فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني، قال: افعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، فقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس. أي وسألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل، وسائر ما عندنا أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه، فقال كعب: لقد كنت أخبرتك يا بن مسلمة أن الأمر سيصير إلى ما تقول، أي ثم قال له كعب: أصدقني ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال شر تبين، بأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل، فقال أبو نائلة، وقيل محمد بن مسلمة كما في رواية صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن كلا منهما قال له: إني أريد أن تبيعني وأصحابي طعاما ونرهنك ونوثق لك، فقال: أترهنوني أبناءكم. وفي رواية نساءكم، قال: أردت أن تفضحنا، نرهنك من الحلقة: أي السلاح كما تقدم- وقيل الدرع
خاصة- ما فيه وفاء، وقد أردت أن آتيك بأصحابي، أراد أبو نائلة رضي الله عنه أن لا ينكر كعب السلاح إذا جاء به هو وأصحابه، فقال إن في الحلقة لوفاء: أي وفي البخاري، قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب.
زاد في رواية: ولا نأمنك عليهنّ، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك فإنك تعجب النساء، قال: فارهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم، فيقال رهن يوسف، قالوا: هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللامة: أي السلاح، فرجع أبو نائلة رضي الله عنه إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، وأمرهم أن يأخذوا السلاح، ثم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا من عنده متوجهين إلى كعب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته: أي وأمرّ عليهم محمد بن مسلمة، وكانت تلك الليلة مقمرة، فأقبلوا رضي الله عنهم حتى انتهوا إلى حصن كعب فهتف به أبو نائلة رضي الله عنه، وكان كعب قريب عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها أي طرفها، وقالت: إنك امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة، لو وجدني قائما لا يوقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، أي وفي البخاري: فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فإني أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم. وفي مسلم كأنه صوت دم: أي صوت طالب دم، قال: إنما هو ابن أختي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب كذا في البخاري. وفي مسلم: إنما هو محمد ورضيعته، قيل وصوابه إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة.
فقد ذكر أهل العلم أن أبا نائلة رضي الله عنه كان رضيعا لمحمد فنزل أي وهو ينفح منه ريح طيب، فتحدث معه هو وأصحابه ساعة ثم تماشوا، ثم إن أبا نائلة رضي الله عنه وضع يده على رأس كعب ثم شم يده، وقال: ما رأيت طيبا أعطر من هذا الطيب. أي فقال: وكيف وعندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب؟ وفي لفظ:
وأجمل بدل أكمل، وهي أشبه، فقال له: يا أبا سعيد ادن مني رأسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي، ثم مشوا ساعة، ثم عاد أبو نائلة لوضع يده على رأسه، واستمسك به وقال اضربوا عدوّ الله، فضربوه، فاختلفت أسيافهم، فلم تغن شيئا: أي وقع بعضها على بعض ولصق عدوّ الله بأبي نائلة وصاح صيحة لم يبق حصن إلا وعليه نار، قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: فوضعت سيفي في ثنيته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع، أي ولما صاح اللعين صاحت امرأته: يا آل قريظة والنضير مرتين، فخرجت اليهود فأخذوا على غير طريق الصحابة ففاتوهم.
قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: وأصيب الحارث بن أوس من بعض