المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط - السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون - جـ ٣

[نور الدين الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌[تتمة باب ذكر مغازيه ص]

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذي قرد

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌غزوة خيبر

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌عمرة القضاء أي ويقال لها عمرة القضية

- ‌غزوة مؤتة

- ‌فتح مكة شرفها الله تعالى

- ‌غزوة حنين

- ‌ غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌باب: سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه

- ‌سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الخرار

- ‌سرية عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه إلى بطن نخلة

- ‌سرية عمير بن عدي الخطمي الضرير إلى عصماء

- ‌سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك

- ‌سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه إلى كعب بن الأشرف الأوسي

- ‌سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه لقتل أبي رافع

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى القردة

- ‌سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد

- ‌سرية الرجيع

- ‌سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة

- ‌سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء

- ‌سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه إلى الغمر

- ‌سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لذي القصة

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة أيضا

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بالجموح

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني ثعلبة

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام

- ‌سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه لبني فزارة كما في صحيح مسلم بوادي القرى

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى مدين

- ‌سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بني سعد بن بكر بفدك

- ‌سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إلى أسير

- ‌سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما

- ‌سرية سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى طائفة من هوازن

- ‌سرية أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب

- ‌سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة، اسم محل وراء بطن نخل

- ‌سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى يمن

- ‌سرية ابن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني الملوّح

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه أي في بني مرة بفدك

- ‌سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر

- ‌سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل

- ‌سرية الخبط وهو ورق السمر

- ‌سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى غطفان أرض محارب

- ‌سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله تعالى عنه إلى الغابة

- ‌سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى بطن أضم

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى

- ‌سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى سواع

- ‌سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه إلى مناة

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة

- ‌سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس

- ‌سرية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حميمة الدوسي ليهدمه

- ‌سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه إلى بني تميم

- ‌سرية قطبة بن عامر رضي الله تعالى عنه إلى حي من خثعم

- ‌سرية الضحاك الكلابي رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما

- ‌سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى هدم الفلس بضم الفاء وسكون اللام «صنم طيىء» والغارة عليهم

- ‌سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بلاد مذحج

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وكان نصرانيا

- ‌سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى

- ‌باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة، أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوي العبدي بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني

- ‌حجة الوداع

- ‌باب ذكر عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر نبذ من معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌باب نبذة من خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أزواجه وسراريه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر المشاهير من خدمه صلى الله عليه وسلم من الأحرار

- ‌باب ذكر المشاهير من مواليه صلى الله عليه وسلم الذين أعتقهم

- ‌باب ذكر المشاهير من كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه حراسه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67]

- ‌باب يذكر فيه من ولي السوق في زمنه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه من كان يضحكه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه أمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه شعراؤه صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يناضلون عنه بشعرهم ويهجون كفار قريش

- ‌باب يذكر فيه من كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه العشرة المبشرون الجنة رضي الله تعالى عنهم

- ‌باب يذكر فيه حواريوه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الظاهرة وإن شاركه فيها غيره

- ‌باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الباطنة وإن شاركه فيها غيره

- ‌باب يذكر فيه مدة مرضه، وما وقع فيه، ووفاته صلى الله عليه وسلم التي هي مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين

- ‌باب بيان ما وقع من الحوادث من عام ولادته صلى الله عليه وسلم إلى زمان وفاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال وبيان زمن ولادته عاما ويوما وشهرا ومكانا

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط

ففيه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النجاشي الذي كتب إليه ليس بالنجاشي الذي صلى عليه. ويردّ بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم كتب للنجاشي الذي صلى عليه وللنجاشي الذي تولى بعده على يد عمرو بن أمية فلا مخالفة.

ومن ثم قال في النور: والظاهر أن هذه الكتابة متأخرة عن الكتابة لأصحمة الرجل الصالح الذي آمن به صلى الله عليه وسلم وأكرم أصحابه هذا كلامه.

وفيه أن رد الجواب على النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب المذكور ورده على عمرو بن أمية بقوله أشهد بالله النبي الذي ينتظره أهل الكتاب إلى آخره إنما يناسب الأوّل الذي هو الرجل الصالح ويكون جواب الثاني لم يعلم، وقد تقدم عن ابن حزم أنه لم يسلم.

وقال بعضهم: إنه الظاهر، وحينئذ يكون الراوي خلط فوهم أن المكتوب إليه ثانيا هو المكتوب إليه أوّلا كما أشار إليه في الهدى، والله أعلم.

‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط

وهم أهل مصر والإسكندرية وليسوا من بني إسرائيل- على يد حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه.

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس، أي فإنه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية، قال: أيها الناس، أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله، فوثب إليه حاطب رضي الله عنه، وقال، أنا يا رسول الله، قال: بارك الله فيك يا حاطب، قال حاطب رضي الله عنه: فأخذت الكتاب وودّعته صلى الله عليه وسلم، وسرت إلى منزلي، وشددت على راحلتي، وودعت أهلي وسرت.

زاد السهيلي: وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل مع حاطب جبيرا مولى أبي رهم الغفاري، فإن جبيرا هو الذي جاء بمارية من عند المقوقس.

واعترض بأن هذا لا يلزمه أن يكون صلى الله عليه وسلم أرسل جبيرا مع حاطب للمقوقس، لجواز أن يكون المقوقس أرسل جبيرا مع حاطب. والمقوقس لقب، وهو لغة:

المطول للبناء، واسمه جريج بن مينا. وبعث معه صلى الله عليه وسلم كتابا فيه:«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتّين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط» أي الذين هم رعاياك، ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: الآية 64] وختم الكتاب، وجاء به حاطب رضي الله عنه حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية: أي بعد أن

ص: 349

ذهب إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية، فأخبر أنه في مجلس مشرف على البحر، فركب حاطب رضي الله عنه سفينة وحاذى مجلسه، وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه أمر باحضاره بين يديه، فلما جيء به نظر إلى الكتاب وفضه وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه: أي من قومه، وأخرجوه من بلده إلى غيرها أن يسلط عليهم، فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت، فقال له حاطب: ألست تشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى حتى رفعه الله إليه؟ قال: أحسنت، أنت حكيم جاء من عند حكيم، ثم قال له حاطب رضي الله عنه: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى يعني فرعون فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25)[النّازعات: الآية 25] فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك، إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس، فكان أشدّهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوما فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي. ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليه السلام، ولكنا نأمرك به. فقال: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضالّ ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوّة بإخراج الخبء بفتح الخاء المعجمة وهمز في آخره: أي الشيء الغائب المستور، والإخبار بالنجوى، أي يخبر بالمغيبات وسأنظر، وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في حق عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له.

ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية، فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم:«بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك. أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك» ، أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب «وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم» أي وهما مارية وسيرين بالسين المهملة مكسورة «وبثياب: أي وهي عشرون ثوبا من قباطي مصر» قال بعضهم: وبقيت تلك الثياب حتى كفن صلى الله عليه وسلم في بعضها.

وفي كلام هذا البعض: وأرسل له صلى الله عليه وسلم عمائم وقباطي وطيبا وعودا وندا ومسكا مع ألف مثقال من الذهب ومع قدح من قوارير، فكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه، أي لأنه سأل حاطبا رضي الله عنه فقال: أي طعام أحب إلى صاحبكم؟ قال: الدباء: يعني القرع، ثم قال له: في أي شيء يشرب؟ قال: في قعب من خشب، ثم قال «وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك» ، ولم يزد على ذلك، ولم يسلم.

ص: 350

ولا يخفى أنه سيأتي أنه أهدى إليه صلى الله عليه وسلم زيادة على الجاريتين جارية أخرى اسمها قيسر، وهي أخت مارية، ولعله إنما اقتصر على ذكر الجاريتين دون هذه الثالثة مع أنها أخت مارية لأنها دونهما في الحسن.

وذكر بعضهم أن سيرين أيضا أخت مارية، فالثلاث أخوات.

وفي ينبوع الحياة لابن ظفر: فأهدى إليه صلى الله عليه وسلم المقوقس جواري أربعا، أي ويوافقه قول بعضهم: وأرسل إليه صلى الله عليه وسلم جارية سوداء اسمها بريرة.

وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إحدى الجاريتين لأبي جهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر. وأخرى أهداها لحسان بن ثابت، وهي أم عبد الرحمن بن حسان كما تقدم في قصة الإفك. وأهدى إليه المقوقس زيادة على ذلك خصيا: أي مجبوبا: أي غلام أسود يقال له مأبور بإثبات الراء، وقيل بحذفها، وقيل هابو أي بالهاء بدل الميم وإسقاط الراء ابن عمّ مارية. وكونه كان مجبوبا عند إرساله وكان المهدي له المقوقس هو المشهور.

وفي كلام بعضهم أن المهدي له جريج بن مينا القبطي الذي كان على مصر من قبل هرقل، وأنه لم يكن حال الإرسال مجبوبا، وأنه قدم مع مارية فأسلم وحسن إسلامه، وكان يدخل عليها، وأنه رضي من مكانه من دخوله على سرية النبي صلى الله عليه وسلم أن يجبّ نفسه فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق منه شيء فليتأمل، وسيأتي ما وقع له.

وأهدى إليه المقوقس زيادة على البغلة وهي الدلدل، وكانت شهباء. والدلدل في اللغة: اسم للقنفذ العظيم، وكانت أنثى، ولا يستدل بلحوق التاء لها لأنها للوحدة.

وفي كلام بعضهم: أجمع أهل الحديث على أن بغلة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ذكرا لا أنثى، وأول من استنتج البغال قارون. قالوا: والبغل أشبه بأمه منه بأبيه.

قيل: ولم يكن يومئذ في العرب بغلة غيرها. وقد قال له سيدنا على رضي الله عنه: لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. قال ابن حبان: أي الذين لا يعلمون النهي عنه.

وفيه أن الله امتن بها كالخيل والحمير، ولا يقع الامتنان بالمكروه. وحمارا أشهب يقال له يعفورا وعفير بالعين المهملة مضمومة. وضبطه القاضي عياض بالمعجمة وغلط في ذلك، مأخوذ من العفرة: وهي لون التراب، وفرسا وهو اللزاز، أي فإن المقوقس سأل حاطبا رضي الله عنه ما الذي يحب صاحبك من الخيل؟ فقال له حاطب: الأشقر، وقد يركب عنده فرسا يقال له المرتجز، فانتخب له صلى الله عليه وسلم فرسا من خيل مصر الموصوفة، فأسرج وألجم، وهو فرسه صلى الله عليه وسلم الميمون.

وأهدى له صلى الله عليه وسلم عسلا من عسل بنها بكسر الباء الموحدة: قرية من قرى مصر،

ص: 351

وأعجب به صلى الله عليه وسلم ودعا في عسل بنها بالبركة، لأنه حين أكل منه قال: إن كان عسلكم أشرف فهذا أحلى، ثم دعا فيه بالبركة.

وأهدى إليه مربعة يضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك، ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا، أي فإن المقوقس سأل حاطبا عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يكتحل؟ فقال له: نعم، وينظر في المرآة، ويرجل شعره، ولا يفارق خمسا في سفر كان أو في حضر، وهي: المرآة، والمكحلة، والمشط، والمدرى، والمسواك والمدرى: شيء كالمسلة يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالأصبع يشوش الشعر ويلوي بها قرون شعر الرأس.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: «سبع لم تفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر: القارورة التي يكون فيها الدهن، والمشط، والمكحلة، والمقراض» ، أي المقص والمسواك، والمرآة. زاد بعضهم «والإبرة، والخيط» ولعل عدم ذكر ذلك في الكتاب أنه لم يره شيئا ينبغي ذكره.

أي وقد قال بعضهم: إن المقوقس أرسل مع الهدية طبيبا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

«ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع» .

واعترض كون الحمار الذي أرسله المقوقس يسمى يعفورا، بأن الحمار الذي يسمى يعفورا أهداه له فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر.

وأهدى إليه أيضا بغلة شهباء يقال لها فضة. وفرسا يقال له الظرب كما تقدم.

ثم رأيت بعضهم سمى الحمار الذي أهداه عامل قيصر عفيرا أيضا، وعليه فتسمية حمار المقوقس عفيرا أيضا كما في الأصل أن الحمار الذي أهداه المقوقس يقال له يعفورا وعفير من خلط بعض الرواة فلا منافاة. وفي هذا قبول هدية المشركين. وقد تقدم رده صلى الله عليه وسلم لهداياهم وقال: لا أقبل زبد المشركين.

ومما يشكل عليه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية أهدى صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان عجوة، واستهداه أدما فأهداه إليه أبو سفيان وهو على شركه.

وذكر أن المقوقس قال لحاطب رضى الله عنه: القبط لا يطاوعوني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا أضنّ: أي أبخل بملكي أن أفارقه، وسيظهر على البلاد، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده أي وكان كذلك، فإن المسلمين فتحوا مصر سنة ست عشرة ونزلها الصحابة. فارجع إلى صاحبك، وارحل من عندي، ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا. قال حاطب رضي الله عنه: فرحلت من عنده، أي وبعث معه جيشا إلى أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فردّ الجيش وارتفق بالقافلة.

ص: 352