الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد بالصباح اليوم وليلته.
وذكر بعض أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم: «كان يرفع يديه في الدعاء المذكور وقاس عليه رفعهما في قنوت الصبح» وروى الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في قنوت الصبح.
واستدل أصحابنا على استحباب القنوت للنازلة في سائر المكتوبات بقنوته ودعائه على قاتلي أصحاب بئر معونة.
وفي بعض السير: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عليهم في صلاة الغداة. وفي لفظ يدعو في الصبح، وذلك بدء القنوت، وما كان يقنت رواه الشيخان.
وقد سئل الجلال السيوطي هل دعاؤه صلى الله عليه وسلم على من قتل أصحابه كان عقب فراغه من القنوت المشهور أو كان الدعاء هو قنوته؟ فأجاب رحمه الله بأنه لم يقف على شيء من الأحاديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين القنوت والدعاء، قال: بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر على الدعاء، أي فيكون قنوته هو الدعاء، وهو الموافق لقول أصحابنا. ويستحب القنوت في اعتدال آخرة صبح مطلقا وآخر سائر المكتوبات أي باقيها للنازلة وهو: اللهم اهدنا الخ في أن أل في القنوت للعهد والله أعلم.
وفي رواية أنه يدعو على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين، أي بئر معونة والرجيع دعاء واحدا، لأنه صلى الله عليه وسلم جاءه خبرهما في وقت واحد كما تقدم، وأدمج البخاري رحمه الله بئر معونة مع بعث الرجيع لقربهما في الزمن، أي ففيه مكث صلى الله عليه وسلم يدعو على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، أي وهو يقتضي أنهما شيء واحد وليس كذلك، وقد علمت أن بني لحيان قتلوا أصحاب الرجيع ومن قبلهم قتلوا أصحاب بئر معونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء
بالقاف المفتوحة وبالطاء المهملة، وهم بنو بكر بن كلاب.
بعث صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء في ثلاثين راكبا أي وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار، وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار، قال: وصادف في طريقه ركبانا نازلين، فأرسل إليهم رجلا من أصحابه يسأل من هم؟ فذهب الرجل ثم رجع إليه، فقال: قوم من محارب، فنزل قريبا منهم، ثم أمهلهم حتى عطنوا: أي بركوا الإبل حول الماء، أغار عليهم، فقتل نفرا منهم أي عشرة وهرب سائرهم، واستاق نعما وشاء، ولم يتعرض للظعن أي النساء انتهى ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطلعه على بني بكر بعث عابد بن بشير إليهم وخرج محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه في أصحابه فشن عليهم الغارة، فقتل منهم عشرة واستاقوا النعم
والشاء، ثم انحدر رضي الله تعالى عنه إلى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به وعدل الجزور بعشرة من الغنم، وكان النعم مائة وخمسين بعيرا، والغنم ثلاثة آلاف شاة، وأخذت تلك السرية ثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أي سيد أهل اليمامة وهم لا يعرفونه، وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: أتدرون من أخذتم، هذا ثمامة بن أثال الحنفي، فأحسنوا إساره أي قيده فربط بسارية من سواري المسجد.
قال: وقيل إن هذه السرية لم تأخذه بل دخل المدينة وهو يريد مكة للعمرة فتحير في المدينة، وقد كان جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا من عند مسيلمة وأراد اغتياله صلى الله عليه وسلم، فدعا ربه أن يمكنه منه، فأخذ وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربط بسارية من سواري المسجد، فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه، وأمر له صلى الله عليه وسلم بناقة يأتيه لبنها مساء وصباحا، وكان ذلك لا يقع عند ثمامة موقعا من كفايته: أي وجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا ثمام:
هل أمكن الله منك؟ فقال: قد كان ذلك يا محمد. وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه فيقول:
ما عندك يا ثمامة، فيقول: يا محمد عندي خير، إن تقتل تقتل ذا كرم. وفي لفظ:
ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ففعل ذلك معه، ثلاثة أيام، قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: فجعلنا أيها المساكين أي أصحاب الصفة نقول: نبينا صلى الله عليه وسلم ما يصنع بدم ثمامة، والله لأكله جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة.
وفي الاستيعاب أنه صلى الله عليه وسلم انصرف عن ثمامة وهو يقول: اللهم أكلة لحم من جزور أحب إليّ من دم ثمامة، ثم أمر به فأطلق، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث قال: أطلقوا ثمامة فقد عفوت عنك يا ثمامة، فأطلق، فانطلق إلى ماء جار قريب من المسجد فاغتسل وطهر ثيابه، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أي وهذا يخالف ما ذكره فقهاؤنا من الاستدلال بقصة ثمامة على أنه يستحب لمن أسلم أن يغتسل لإسلامه، ثم رأيت بعض متأخري أصحابنا أجاب بأنه أسلم أولا، ثم لما اغتسل أظهر إسلامه.
وفي الاستيعاب: فأسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل كما في رواية أخرى أنه قال: يا محمد والله على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إليّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد إليّ، ثم شهد شهادة الحق، فلما أمسى جيء له بما كان يأتيه من الطعام، فلم ينل منه إلا قليلا. ولم يصب من حلاب اللقحة إلا يسيرا،
فعجب المسلمون. قال وقال: يا رسول الله إني خرجت معتمرا، وفي لفظ في الصحيح: فإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فأمره أن يعتمر، فلما قدم بطن مكة لبى، فكان أول من دخل مكة ملبيا، فأخذته قريش، فقالوا: لقد اجترأت علينا، أنت صبوت يا ثمامة. قال: أسلمت وتبعت خير دين محمد، والله لا يصل إليكم حبة من حنطة: أي من اليمامة من أرض اليمن، وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموه ليضربوا عنقه، فقال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة فخلوا سبيله، فخرج ثمامة إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا حتى أضرّبهم الجوع، وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم، فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا. فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الحمل. وفي لفظ: خلّ بين قومي وبين ميرتهم، ففعل، فأنزل الله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ [المؤمنون: الآية 76] الآية.
هذا والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره، فقالوا: يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك، قال: لا أدري ما تقولون، إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم، وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة، ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها. فلما أضرّ بهم ذلك كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضرّ بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلي بيننا وبين ميرتنا فافعل، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن خل بين قومي وبين ميرتهم.
ولما عجب المسلمون من أكله بعد إسلامه رضي الله تعالى عنه، لكونه دون أكله قبل إسلامه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تعجبون؟ أمن رجل أكل أول النهار في معى كافر وأكل آخر النهار في معى مسلم، إن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء، وإن المسلم يأكل في معى واحد اه.
أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم ذلك مع جهجهاه الغفاري رضي الله تعالى عنه فإنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر، ثم أكل معه وقد أسلم فأقل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب، ثم رأيت في الجامع الصغير:«إن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء والمسلم يشرب في معى واحد» والمراد أنه يأكل ويشرب مثل الذي يأكل ويشرب في سبعة أمعاء.