المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة - السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون - جـ ٣

[نور الدين الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌[تتمة باب ذكر مغازيه ص]

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذي قرد

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌غزوة خيبر

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌عمرة القضاء أي ويقال لها عمرة القضية

- ‌غزوة مؤتة

- ‌فتح مكة شرفها الله تعالى

- ‌غزوة حنين

- ‌ غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌باب: سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه

- ‌سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الخرار

- ‌سرية عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه إلى بطن نخلة

- ‌سرية عمير بن عدي الخطمي الضرير إلى عصماء

- ‌سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك

- ‌سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه إلى كعب بن الأشرف الأوسي

- ‌سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه لقتل أبي رافع

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى القردة

- ‌سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد

- ‌سرية الرجيع

- ‌سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة

- ‌سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء

- ‌سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه إلى الغمر

- ‌سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لذي القصة

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة أيضا

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بالجموح

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني ثعلبة

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام

- ‌سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه لبني فزارة كما في صحيح مسلم بوادي القرى

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى مدين

- ‌سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بني سعد بن بكر بفدك

- ‌سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إلى أسير

- ‌سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما

- ‌سرية سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى طائفة من هوازن

- ‌سرية أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب

- ‌سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة، اسم محل وراء بطن نخل

- ‌سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى يمن

- ‌سرية ابن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني الملوّح

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه أي في بني مرة بفدك

- ‌سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر

- ‌سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل

- ‌سرية الخبط وهو ورق السمر

- ‌سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى غطفان أرض محارب

- ‌سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله تعالى عنه إلى الغابة

- ‌سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى بطن أضم

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى

- ‌سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى سواع

- ‌سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه إلى مناة

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة

- ‌سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس

- ‌سرية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حميمة الدوسي ليهدمه

- ‌سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه إلى بني تميم

- ‌سرية قطبة بن عامر رضي الله تعالى عنه إلى حي من خثعم

- ‌سرية الضحاك الكلابي رضي الله تعالى عنه

- ‌سرية علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما

- ‌سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى هدم الفلس بضم الفاء وسكون اللام «صنم طيىء» والغارة عليهم

- ‌سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بلاد مذحج

- ‌سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وكان نصرانيا

- ‌سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى

- ‌باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة، أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوي العبدي بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة

- ‌ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني

- ‌حجة الوداع

- ‌باب ذكر عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر نبذ من معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌باب نبذة من خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر أزواجه وسراريه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر المشاهير من خدمه صلى الله عليه وسلم من الأحرار

- ‌باب ذكر المشاهير من مواليه صلى الله عليه وسلم الذين أعتقهم

- ‌باب ذكر المشاهير من كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه حراسه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67]

- ‌باب يذكر فيه من ولي السوق في زمنه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه من كان يضحكه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه أمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه شعراؤه صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يناضلون عنه بشعرهم ويهجون كفار قريش

- ‌باب يذكر فيه من كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه العشرة المبشرون الجنة رضي الله تعالى عنهم

- ‌باب يذكر فيه حواريوه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره صلى الله عليه وسلم

- ‌باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الظاهرة وإن شاركه فيها غيره

- ‌باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الباطنة وإن شاركه فيها غيره

- ‌باب يذكر فيه مدة مرضه، وما وقع فيه، ووفاته صلى الله عليه وسلم التي هي مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين

- ‌باب بيان ما وقع من الحوادث من عام ولادته صلى الله عليه وسلم إلى زمان وفاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال وبيان زمن ولادته عاما ويوما وشهرا ومكانا

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة

يمسه مشرك في حياته، وتقدم هنا أنه دعا الله أن يحمي لحمه فاستجاب الله له، فلم يحصل له ذلك لا في حياته ولا بعد موته.

أي وفي كلام بعضهم: لما نذر عاصم أن لا يمس مشركا ووفي بنذره عصمه الله عن مساس سائر المشركين إياه، فصار عاصم معصوما هذا.

وقيل إن هؤلاء العشرة لم يخرجوا ليأتوا بخبر قريش، وإنما خرجوا مع رهط من عضل والقارة، وهما بطنان من بني الهون قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا في الدين ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث صلى الله عليه وسلم معهم أولئك النفر، فساروا حتى إذا كانوا على الرجيع استصرخوا عليهم هذيلا، فلم يشعروا إلا والرجال بأيديهم السيوف فدعوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم، فقالوا لهم: والله لا نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم، فأبوا الحديث، والحافظ الدمياطي رحمه الله اقتصر على هذا الثاني، وأن أميرهم كان مرثدا الغنوي رضي الله تعالى عنه، فقال: سرية مرثد الغنوي إلى الرجيع، قال قدم رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما الحديث، لكنه في سياق القصة قال وأمر عليهم عاصما وقيل مرثدا رضي الله تعالى عنهما، وأخر هذه السرية عن السرية بعدها التي هي سرية القراء إلى بئر معونة.

‌سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة

لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة: أي ويقال له ملاعب الرماح وهو رأس بني عامر. أي ويقال له أيضا أبو براء بالمد لا غير، وهو عم عامر بن الطفيل عدوّ الله، أي وأهدي إليه صلى الله عليه وسلم ترسين وراحلتين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا أقبل هدية من مشرك» . وفي رواية: «نهيت عن عطايا المشركين» .

أقول: وفي كلام السهيلي أنه أهدي إليه فرسا، وأرسل إليه إني قد أصابني وجع فابعث إلى بشيء أتداوى به فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بعكة عسل، وأمره أن يستشفى به، وقال:«نهيت عن زبد المشركين» قال السهيلي: والزبد مشتق من الزبد، لأنه نهي عن مداهنتهم واللين لهم: كما أن المداهنة مشتقة من الدهن، فرجع المعنى إلى اللين، كذا قال، ولعل هذا كان بعد ما تقدم. ويحتمل أن يكون قبله وهو الأقرب والله أعلم.

فلما قدم عليه أبو عامر عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام، أي وقال إني أرى أمرك هذا أمرا حسنا شريفا، أي ولم يسلم

ص: 240

بعد ذلك على الصحيح، خلافا لمن عده في الصحابة، ثم قال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد: أي وهم بنو عامر وبنو سليم، فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخشى أهل نجد عليهم، قال أبو براء: أنا لهم جار وهم في جواري وعهدي، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك، وخرج أبو براء إلى ناحية نجد وأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو رضي الله تعالى عنه في أربعين، وقيل في سبعين، وعليه اقتصر الحافظ الدمياطي: أي لأنه الذي في الصحيح البخاري، وقيل في ثلاثين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين.

أي وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا القيل وهم، وأنه يمكن الجمع بين كونهم سبعين وكونهم أربعين بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة كانوا أتباعا، ويقال لهؤلاء القراء: أي لملازمتهم قراءة القرآن، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا في ناحية المدينة يصلون ويتدارسون القرآن، فيظن أهلوهم إنهم في المسجد، ويظن أهل المسجد أنهم في أهاليهم، حتى إذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا وجاؤوا بذلك إلى حجر النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي كلام بعضهم إنهم كانوا يحتطبون بالنهار، ويتدارسون القرآن بالليل، وكانوا يبيعون الحطب ويشترون به طعاما لأصحاب الصفة.

وقد يقال: لا منافاة، لجواز أنهم كانوا يفعلون هذا مرة وهذا أخرى، أو بعضهم يفعل أحد الأمرين وبعضهم يفعل الآخر، وكان منهم عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه.

وكتب صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فساروا حتى نزلوا بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، والحرة: أرض فيها حجارة سود، فلما نزلوها بعثوا حرام، بالحاء المهملة والراء، ابن ملحان وهو خال أنس بن مالك بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوّ الله عامر بن الطفيل لعنه الله. أي وهو رأس بني سليم. وفي لفظ سيد بني عامر وابن أخي أبي براء عامر بن مالك كما تقدم، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله، أي بعد أن قال: يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، فآمنوا بالله ورسوله، فجاء إليه رجل من خلفه قطعنه بالرمح في جنبه حتى نفذ من جنبه الآخر، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، وقال: بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه، ثم استصرخ عليهم: أي استغاث بني عامر. فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: إنا لن نخفر بأبي براء: أي لا نزيل خفارته وتنقض عهده، وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم. قال الحافظ الدمياطي: عصية ورعلا وذكوان زاد بعضهم: وبني لحيان، قال بعضهم: وليس في محله.

ص: 241

أقول: كان قائله سرى إليه ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم جمع بني لحيان في الدعاء عليهم مع من ذكر قبله. وسيأتي أنه إنما جمعهم معهم لأن خبر أصحاب الرجيع وأصحاب بئر معونة جاءه صلى الله عليه وسلم في يوم واحد وبنو لحيان أصحاب الرجيع، فدعا عليهم دعاء واحدا، والله أعلم، فلما دعا تلك القبائل الثلاثة التي هي عصية ورعل وذكوان أجابوه إلى ذلك، ثم خرجوا حتى أحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد رضي الله تعالى عنه، فإنه بقي به رمق، وحمل من المعركة، فعاش بعد ذلك حتى قتل يوم الخندق شهيدا، وإلا عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ورجلا آخر كانا في سرح القوم، لما أحاطوا بهم قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك، فأقرأه منا السلام، فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال: وعليهم السلام.

أي وفي لفظ أنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلما جاءه الخبر من السماء قام صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن إخوانكم قد لقوا المشركين، وقتلوهم، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا. وفي لفظ: فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم إليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم.

وذكر أنس رضي الله عنه أن ذلك: أي قولهم المذكور كان قرآنا يتلى، ثم نسخت تلاوته، أي فصار ليس له حكم القرآن من التعبد بتلاوته وأنه لا يمسه إلا الطاهر ولا يتلى في صلاة إلى غير ذلك من أحكام القرآن.

ولما رأى عمرو بن أمية والرجل الذي معه الطير تحوم على محل أصحابهما، أي وكانا في رعاية إبل القوم كما تقدم، قالا والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا ينظران، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الرجل الذي مع عمرو: ماذا ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال له لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، فأقبلا فلقيا القوم، فقتل ذلك الرجل وأسر عمرو، فأخبرهم أنه من مضر. فأخذه عامر بن الطفيل وجز ناصيته. وأعتقه عن رقبة كانت على أمه. فخرج عمرو حتى جاء إلى ظل فجلس فيه.

فأقبل رجلان حتى نزلا به معه، فسألهما فأخبراه أنهما من بني عامر، وفي لفظ من بني سليم وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو. فأمهلهما حتى ناما فعدا عليهما فقتلهما وهو يرى أي يظن أنه قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وأخبره بقتل الرجلين، فقال له: لقد قتلت قتيلين لأدينهما: أي لأدفعن ديتهما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عمل أبي براء. قد كنت لهذا كارها متخوفا. ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه

ص: 242

أزال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه فعند ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل، أي الذي هو ابن عمه فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ووقع عن فرسه، وقال: إن أنا مت فدمي لعمي يعني أبا براء، وإن أعش فسأرى رأيي، أي وفي لفظ: نظرت في أمري.

وفي الإصابة أن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيغسل عن أبي هذه العذرة أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة، قال نعم فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه، فقالوا لعامر بن الطفيل اقتص، فقال قد عفوت. أي وعقب ذلك مات أبو براء أسفا على ما صنع به ابن أخيه عامر بن الطفيل من إزالته خفارته، وعاش عامر بن الطفيل ولم يمت من هذه الطعنة، بل مات بالطاعون بدعائه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الوفود في وفد بني عامر.

أي وقال بعضهم: قد أخطأ المستغفري في عده صحابيا، ولما قتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه رفع إلى السماء، فلما رأى قاتله ذلك أسلم، أي وهو جبار بن سلمى، أي لا عامر بن الطفيل كما وقع في بعض الروايات، كما علمت.

وقال صلى الله عليه وسلم أي لما بلغه قتل عامر بن فهيرة: «إن الملائكة وارت جثة عامر بن فهيرة» أي في الأرض: أي بناء على أنه لما رفع إلى السماء وضع كما في البخاري، فقد جاء أن عامر بن الطفيل، قال لعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه وأشار إلى قتيل من هذا، فقال له عمرو هذا عامر بن فهيرة، فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء وبين الأرض ثم وضع.

وفي بعض الروايات أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ، أي فلم يوجد فيرون أن الملائكة رفعته، وظاهرها أن الملائكة لم تضعه في الأرض بل رفعته، أي ويؤيده أن عامر بن الطفيل لعنه الله دخل بعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه في القتلى، وصار يقول له ما اسم هذا، ما اسم هذا، ما اسم هذا؟ ثم قال له هل من أصحابك من ليس فيهم؟ قال نعم، ما رأيت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، قال له عامر: أي رجل هو فيكم؟ قال: من أفضلنا وأولى، أي ومن أولى المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عامر: لما قتل رأيته رفع إلى السماء.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة، ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا.

أقول: وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة، أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون

ص: 243