الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم
ولد له صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها قبل البعثة: القاسم، وهو أول أولاده صلى الله عليه وسلم، وبه كان يكنى، قيل عاش سنتين، وقيل سنة ونصفا، وقيل حتى مشى، وقيل بلغ ركوب الدابة، وقيل عاش سبع ليال. وهو أول من مات من ولده قبل البعثة، ثم ولدت قبل البعثة أيضا زينب، ثم رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن. وقيل أول بناته صلى الله عليه وسلم رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن. وقيل أكبر بناته صلى الله عليه وسلم رقية، ثم زينب، ثم أم كلثوم ثم فاطمة. وقيل أول بناته صلى الله عليه وسلم زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة. وبعض الناس ذكر رقية بعد فاطمة.
وبعد البعثة ولد له صلى الله عليه وسلم عبد الله، ويسمى الطيب الطاهر. وقيل الطيب والطاهر غير عبد الله المذكور ولدا في بطن واحدة قبل البعثة.
أي وقيل اللذان ولدا في بطن واحدة قبل البعثة الطاهر والمطهر. وقيل ولد له أيضا قبل البعثة في بطن واحد الطيب والمطيب. وقيل ولد له قبل البعثة عبد مناف، مات هؤلاء قبل البعثة وهم يرضعون، أما عبد الله الذي ولد له بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فكان آخر الأولاد من خديجة رضي الله تعالى عنها.
وبهذا يظهر التوقف في قول السهيلي رحمه الله كلهم ولدوا بعد النبوة. وأجاب بعضهم بأن المراد بعد ظهور دلائل النبوة.
وفيه أن دلائل النبوة وجدت قبل تزويجه بخديجة رضي الله تعالى عنها.
وعند موت عبد الله هذا قال العاص بن وائل والد عمرو بن العاص. وقيل أبو لهب قد انقطع ولده: أي لا ولد له ذكر لأن ما عدا الذكر عند العرب لا يذكر فهو أبتر، فأنزل الله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)[الكوثر: الآية 3] .
أقول: في مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله، فقال:
أنزل عليّ آنفا سورة فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)[الكوثر: الآيات 1- 3] ولا يخفى أن هذا يقتضي أن السورة المذكورة مدنية، ثم رأيت الإمام النووي رجح ذلك لما ذكر.
وقد يقال: يجوز أن يكون إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)[الكوثر: الآية 3] نزل بمكة وما عداه نزل بالمدينة وقد يعبر عن معظم السورة بالسورة. ثم رأيته في الإتقان ذكر أن مما نزل دفعة واحدة سورا منها الفاتحة والإخلاص والكوثر. ثم رأيت الإمام
الرافعي رحمه الله قال: فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة، وقالوا: من الوحي ما كان يأتيه في النوم، لأن رؤيا الأنبياء وحي، وهذا غير صحيح، لكن الأشبه أن يقال: القرآن كله نزل يقظة، وكان صلى الله عليه وسلم خطر له في النوم سورة كوثر المنزل عليه في اليقظة: أي قبل ذلك.
وفيه أن قول آنفا لا يناسبه، قال: أو يحمل الإغفاء على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي. ثم رأيت الجلال السيوطي في الإتقان نظر في جواب الرافعي الأول بما ذكرته واستحسن الجواب الثاني.
وفي المواهب أن العاص بن وائل اجتمع هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في باب من أبواب المسجد فتحدثا وصناديد قريش جلوس في المسجد، فلما دخل العاص المسجد قالوا له: من ذا الذي كنت تتحدث معه؟ قال: ذاك الأبتر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان توفي أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها أي الذكور، فرد الله سبحانه وتعالى عليه وتولى جوابه بقوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) [الكوثر:
الآية 3] أي عدوك ومبغضك هو الذليل الحقير: أي باغضك هو الأبتر: أي المقطوع عن كل خير، أو المقطوع رحمه بينه وبين ولده، لأن الإسلام حجزهم عنه فلا توارث بينهم.
فلا يقال العاص وأبو لهب لهما أولاد ذكور؟ فالأول له عمرو وهشام رضي الله تعالى عنهما. والثاني له عتبة ومعتب رضي الله تعالى عنهما.
قيل وكان بين كل ولدين لخديجة سنة. وكانت رضي الله تعالى عنها تعق عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة، وكانت تسترضع لهم.
وذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره في قوله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً [الشّورى: الآية 49] كلوط عليه الصلاة والسلام كان له إناث ولم يكن له ذكور وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ [الشّورى: الآية 49] كإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يكن له بنت أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً [الشّورى: الآية 50] كنبينا صلى الله عليه وسلم وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً [الشّورى: الآية 50] كيحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، فإنهما لم يولد لهما ولد.
أما زينب رضي الله تعالى عنها، فتزوجها ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة شقيقتها، وهو العاصي بن الربيع كما تقدم. وذكر بعضهم بدل هالة هند.
قال: وهالة صحابية، وهند لا أعرف لها إسلاما. ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا، فهما واحدة.
وفي سنة ثمان من الهجرة، أي من ذي الحجة ولدت له صلى الله عليه وسلم مارية القبطية رضي الله تعالى عنها- وكان صلى الله عليه وسلم معجبا بها، لأنها كانت بيضاء جميلة- ولده إبراهيم. وعق عنه صلى الله عليه وسلم بكبشين يوم سابعه، وحلق رأسه، وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، أي وغارت نساؤه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن
من ذلك ولا كعائشة رضي الله تعالى عنها حتى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: انظري إلى شبهه، فقالت: ما أرى شيئا فقال: ألا تري إلى بياضه ولحمه، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول صلى الله عليه وسلم، أي وكانت قبل ذلك مولاة عمته صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله تعالى عنها وهبتها له صلى الله عليه وسلم، وسلمى زوجة أبي رافع رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لعمه العباس رضي الله تعالى عنه قبل ذلك، وهبه له صلى الله عليه وسلم واسمه إبراهيم وكان قبطيا.
وقيل غير ذلك، أعتقه صلى الله عليه وسلم لما أخبره بإسلام العباس، وزوّجه مولاته سلمى المذكورة. وقيل كان مولى لسعيد بن العاص، فورثه بنوه ثمانية فأعتقوه كلهم إلا ولده خالد فإنه لم يعتق نصيبه منه، فكلمه صلى الله عليه وسلم أن يعتق نصيبه أو يبيعه أو يهبه منه، فوهبه منه صلى الله عليه وسلم فأعتقه، قيل بعد أن سأله صلى الله عليه وسلم أبو رافع في ذلك، وبقي عقبة من أشراف المدينة.
وكان ولده عبد الله كاتبا وخازنا لعلي كرم الله وجهه أيام خلافته، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أن مارية قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره، فوهب له عبدا.
وروى أبو رافع رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه واغتسل عند كل واحدة منهن غسلا» قال أبو رافع «فقلت له: يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا، قال: هذا أزكى وأطيب» وسمى صلى الله عليه وسلم ابنه يومئذ: أي يوم ولادته، وقيل سماه سابع ولادته، ودفعه لأم بردة خولة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس لترضعه، وأعطاها قطعة نخل، فكانت ترضعه في بني مازن وترجع به إلى المدينة، وكان صلى الله عليه وسلم ينطلق إليها فيدخل البيت ويأخذه فيقبله، ثم يرجع.
ولما احتضره جاء صلى الله عليه وسلم فوجده في حجر أمه، فأخذه صلى الله عليه وسلم في حجره وقال:«يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئا، ثم ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ونهانا عن الصياح. أي وفي لفظ: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» ولولا أنه وعد صادق وموعود جامع- فإن الآخر منا يتبع الأول- وجدنا عليك يا إبراهيم وجدا شديدا ما وجدناه، أي وفي لفظ:«ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وإنها سبيل مأتية لحزنا عليك حزنا شديدا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» وفي لفظ: «وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .
وعن سيرين: لما نزل بإبراهيم الموت صرت كلما صحت أنا وأختي نهانا صلى الله عليه وسلم عن الصياح، أي ولما بكى صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما: «أنت أحق من علم الله حقه، قال: تدمع العين، وقال له صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: ولا ولكني نهيت عن صوتين
أحمقين وآخرين: صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان، وصوت عند نغمة لهو، وهذه رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم» وذكر «أنه لما مات كان صلى الله عليه وسلم مستقبلا للجبل فقال: يا جبل لو كان بك مثل ما بي لهدك، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون وصرخ أسامة رضي الله تعالى عنه، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:
رأيتك تبكي، فقال له صلى الله عليه وسلم البكاء من الرحمة، والصراخ من الشيطان» .
ولما مات ولد سليمان بن عبد الملك التفت إلى ولي عهده عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقال له: إني أجد في كبدي جمرة لا يطفئها إلا عبرة، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: اذكر الله يا أمير المؤمنين وعليك بالصبر. والتفت إلى وزيره رجاء، فقال له رجاء اقضها يا أمير المؤمنين فما بذلك من بأس، فقد دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، فأرسل سليمان عينيه فبكى حتى قضى أربا، ثم أقبل عليهما، فقال: لو لم أنزف هذه العبرة لا نصدعت كبدي ثم لم يبك بعدها، ولذلك قيل:
في إفاضة الكئيب لدمعته
…
ما يذهب من لوعته
وفي إرساله لعبرته
…
ما يعينه على سلوته
ومات سنة عشرة من الهجرة.
واختلف في سنة؟ فقيل سنة وعشرة أشهر وستة أيام، وقيل ثمانية عشر شهرا، مات عند ظئره أم بردة، وغسلته، وحملته بين يديها على سرير.
وفي رواية غسله الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على سرير.
وفي كلام ابن الأثير رحمه الله قيل: إن الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما غسل إبراهيم ونزل في قبره هو وأسامة بن زيد، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، قال الزبير: ورش على قبره ماء، وعلم على قبره بعلامة. وهو أول قبر رش عليه الماء، وفيه أنه رش على قبر عثمان بن مظعون بالماء، وهو سابق على سيدنا إبراهيم كما تقدم، وصلى عليه صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا، أي وقيل لم يصلّ عليه: أي لم تقع الصلاة عليه من أحد. وفي كلام النووي رحمه الله القول بالصلاة عليه، هو قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
وما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لم يصلّ عليه قال ابن عبد البر رحمه الله إنه غلط، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا عملا مستفيضا عن السلف والخلف.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في خبر عائشة رضي الله تعالى عنها: إنه خبر
منكر جدا، أي وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم:«الطفل يصلى عليه» وجاء: «صلوا على أطفالكم فإنه من أفراطكم» وقد جاء: في المرفوع: «إذا استهل المولود صلى عليه وورّث وورث» وجاء: «أحق ما صليتم على أطفالكم» ومن المقرر أنه إذا تعارض الإثبات والنفي قدم الإثبات على النفي.
ولما كسفت الشمس في ذلك اليوم قال قائل: كسفت لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكسف لموت أحد ولا لحياته» . وفي لفظ: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فلا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» الحديث. ودفن بالبقيع وقال: «الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون رضي الله عنه» ولقنه صلى الله عليه وسلم. قال الإمام السبكي: وهو غريب. وقد احتج به بعض أئمتنا على استحباب تلقين الطفل.
وفي التتمة للمتولي من أئمتنا: والأصل في التلقين ما روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال: قل الله ربي، ورسول الله أبي، والإسلام ديني. فقيل له: يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا؟ فأنزل الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم: الآية 27] أي وفي رواية: «أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره، فقال: يا بني إن القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا بني قل الله ربي، والإسلام ديني، ورسول الله أبي، فبكت الصحابة رضوان الله عليهم. ومنهم عمر رضي الله عنه بكى حتى ارتفع صوته، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يبكيك يا عمر؟ فقال: يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى تلقين مثلك يلقنه التوحيد في مثل هذا الوقت، فما حال عمر وقد بلغ الحلم، وجرى عليه القلم، وليس له ملقن مثلك؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه، ونزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم: الآية 27] يريد بذلك وقت الموت:
أي عند وجود الفتانين وعند السؤال في القبر، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية، فطابت الأنفس وسكنت القلوب، وشكروا الله» .
وفيه أن هذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يلقن أحدا قبل ولده إبراهيم، وهذا الحديث استند إليه من يقول بأن الأطفال يسألون في القبر فيسن تلقينهم.
وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون، وأن السؤال خاص بالمكلف، وبه أفتى الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: والذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا، ويوافقه قول النووي رحمه الله في الروضة وشرح المهذب: التلقين إنما هو في حق الميت المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن. قال الزركشي: وهو مبني على أن غير المكلف لا يسأل في قبره.
وذكر القرطبي رحمه الله أن الذي يقتضيه ظواهر الأخبار أن الأطفال يسألون، وأن العقل يكمل لهم.
وذكر أن الأحاديث مصرحة بسؤال الكافر، أي من هذه الأمة. ويخالفه قولهم حكمة السؤال تمييز المؤمن من المنافق الذي يظهر الإسلام في الدنيا، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل. قال الفاكهاني: إن الملائكة لا يسألون.
قال بعضهم: ووجهه ظاهر، فإن الملائكة إنما يموتون عند النفخة الأولى، أي فلم يبق منهم من يقع منه السؤال. وأما عذاب القبر فعام للمسلم والكافر والمنافق، فعلم الفرق بين فتنة القبر وعذابه، وهو أن الفتنة تكون بامتحان الميت بالسؤال، وأما العذاب فعام يكون ناشئا عن عدم جواب السؤال، ويكون عن غير ذلك.
وقد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بسؤال أمته عنه، بخلاف بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما ذاك إلا أن الأنبياء كان الواحد منهم إذا أتى أمته وأبوا عليه اعتزلهم وعوجلوا بالعذاب. وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فبعث رحمة بتأخير العذاب ولما أعطاه الله السيف دخل في دينه قوم مخافة من السيف، فقبض الله تعالى فتاني القبر ليستخرجا بالسؤال ما كان في نفس الميت فيثبت الله المسلم ويزل المنافق.
وفي بعض الآثار تكرر السؤال في المجلس الواحد ثلاث مرات. وفي بعضها أن المؤمن يسأل سبعة أيام والمنافق أربعين يوما، أي قد يقع ذلك.
وفي بعض الآثار أن فتاني القبر أربعة: منكر، ونكير، وناكور، وسيدهم رومان وفي بعضها ثلاثة، أنكر، ونكير، ورومان. وقيل أربعة: منكر، ونكير يكونان للمنافق، ومبشر وبشير للمؤمن.
ونقل الحافظ السيوطي عن شيخه الجلال البلقيني رحمهما الله أن السؤال يكون بالسريانية، واستغربه وقال: لم أره لغيره. وفي كلام الحافظ السيوطي: لم يثبت في التلقين حديث صحيح ولا حسن، بل حديثه ضعيف باتفاق جمهور المحدثين. ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة، وآخر من أفتى بذلك العز بن عبد السلام، وإنما استحسنه ابن الصلاح وتبعه النووي نظرا إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. وحينئذ فقول الإمام السبكي: حديث تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لابنه ليس له أصل أي صحيح أو حسن.
وقال صلى الله عليه وسلم في حق إبراهيم: «إن له ظئرا تتم رضاعه» وفي رواية «إن له ظئرين يكملان رضاعة في الجنة» وقال: «لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي» وفي لفظ: «وعتقت القبط وما استرق قبطي قط» وفي لفظ: «مارق له خال» .
قال بعضهم: معناه لو عاش فرآه أخواله القبط لأسلموا فرحا به وتكرمة له،
فوضعت الجزية عنهم، لأنها لا توضع على مسلم. ومعنى الثاني إذا أسلموا وهم أحرار لم يجر عليهم الرق، لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق.
وذكر أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كلم معاوية في أن يضع الخراج عن أهل بلد مارية وهي حفنة بالحاء المهملة وإسكان الفاء وبالنون قرية من قرى الصعيد، ففعل معاوية ذلك رعاية لحرمتهم.
أي وقال النووي رحمه الله: وأما ما روي عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان نبيا فباطل، وجسارة على الكلام في المغيبات، ومجازفة وهجوم على بعض الزلات. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، وهو أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، أي وكان اللائق به أن يكون نبيا وإن لم يكن ذلك. ثم رأيت الجلال السيوطي رحمه الله نقل عن الأستاذ أبي بكر بن فورك وأقره:«أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره وقال: يا بني إن القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون» وكنى به صلى الله عليه وسلم، فقد جاء: «أن جبريل عليه السلام قال له:
السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه، وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة» زاد الحافظ الدمياطي رحمه الله:«فاطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك» .
أقول: وسبب اطمئنانه صلى الله عليه وسلم بذلك أن مأبورا كان يأوي إليها ويأتي إليها بالماء والحطب، فاتهمت به وقال المنافقون علج يدخل على علجة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليا كرم الله وجهه ليقتله، فقال له علي كرم الله وجهه: يا رسول الله أقتله أو أرى فيه رأيي؟ فقال: بل ترى رأيك فيه، فلما رأى السيف بيد علي كرم الله وجهه تكشف، وفي لفظ: فإذا هو في ركي يتبرد، فقال علي كرم الله وجهه: اخرج، فناوله يده، فأخرجه فإذا هو مجبوب، أي ممسوح، فكف عنه علي كرم الله وجهه ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أصبت، إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. أي وتكون هذه القضية متقدمة على قول جبريل عليه الصلاة والسلام المذكور، فالمراد مزيد الاطمئنان.
وفي كلام بعضهم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مارية رضي الله تعالى عنها وهي حامل بولده إبراهيم فوجد عندها من ذكر، فوقع في نفسه شيء، فخرج صلى الله عليه وسلم وهو متغير اللون، فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه فعرف الغيظ في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأخبره، فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية رضي الله عنها وهو عندها فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه فإذا هو مجبوب فلما رآه عمر رضي الله عنه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ألا أخبرك يا عمر؟ إن جبريل