الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام
أي في الغالب، وإلا فمنها ما ليس كذلك، وهذه غير كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها بالأمان التي تقدم ذكرها.
أي ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتب للملوك قيل له: يا رسول الله إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما: أي ليكون في ذلك إشعار بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم. وفيه أن هذا واضح إذا كان الختم عليها بعد طيها، ويجعل عليها نحو شمع ويختم فوق ذلك. والظاهر أن ذلك لم يكن، وحينئذ يكون الغرض من ذلك أمن التزوير لبعده مع الختم، فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة، أي بعد أن اتخذ خاتما من ذهب، فاقتدى به صلى الله عليه وسلم ذو اليسار من أصحابه، فصنعوا خواتيم من ذهب. ولما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لبس أصحابه رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم، فجاءه جبريل عليه السلام بعد من الغد بأن لبس الذهب حرام على ذكور أمتك، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم، فطرح أصحابه خواتيمهم، وكان نقش خاتمه الفضة ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
وفي حديث موضوع: كان نقش خاتمه صدق الله: وفي رواية شاذة أنه بسم الله محمد رسول الله، والأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل إلى فوق، فمحمد آخر الأسطر، ورسول في الوسط، والله فوق، كذا قال بعض أئمتنا.
قال في النور: والذي يظهر لي أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها يختم على الاستواء كما في خواتم الكبراء اليوم. وختم صلى الله عليه وسلم بذلك الخاتم الكتب وكان في يده الشريفة، ثم في يد أبي بكر، ثم في يد عمر، ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم، حتى وقع في بئر أريس في السنة التي توفي فيها عثمان رضي الله تعالى عنه، فالتمسوه ثلاثة أيام فلم يجدوه.
وذكر أن هذا الخاتم الذي كان في يده صلى الله عليه وسلم ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم، كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة، وأنه الذي كان في يد خالد بن سعيد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما نقش هذا الخاتم، قال: محمد رسول الله، قال: اطرحه إليّ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه،
فكان في يده ثم في يد أبي بكر الحديث.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه: «أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة فصه حبشي أي من جذع» لأنه يؤتى به من بلاد الحبشة. وقيل صنف من الزبرجد، وأنه الذي نقش فيه «محمد رسول الله» وفي لفظ:«فصة منه» وفي لفظ «فصه من عقيق» .
أي ولا ينافي ذلك وصفه بأنه حبشي، لأن العقيق يؤتى به من بلاد الحبشة، ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتما كله عقيق. وفي الحديث:«تختموا بالعقيق فإنه مبارك، تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر» .
قيل وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم في خنصر يده اليسرى، وهو المرويّ عن عامة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
وقيل كان في خنصر يمينه صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة، ومنهم عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وقبض والخاتم في يمينه، قال بعضهم: وهذا رواه عبيدة بن القاسم وهو كذاب: أي وهو يخالف ما جمع به البغوي بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم به في يساره، وكان ذلك آخر الأمرين. وروى أشعب الطامع عن عبد الله بن جعفر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمنى» .
قال الإمام النووي رحمه الله: التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه في اليمين أفضل، لأنه زينة واليمين بها أولى، هذا كلامه، أي ولأن ابن حاتم نقل عن أبي زرعة أنه كان في يمينه صلى الله عليه وسلم أكثر منه في يساره وكان يجعل فصه مما يلي كفه، وتقدم أن الخاتم الذي لبسه صلى الله عليه وسلم يوما وألقاه كان من الذهب، وقيل كان ذلك الخاتم من حديد.
وقد قال صلى الله عليه وسلم للابس خاتم الحديد: «ما لي أرى عليك حلية أهل النار» فطرحه، ولعله لكون سلاسل أهل النار وأغلالهم وقيودهم من حديد، أي ثم جاء وعليه خاتم من صفر: أي نحاس فقال: «ما لي أجد فيك ريح الأصنام» ولعل الأصنام كانت تتخذ من نحاس غالبا، ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال:«ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة» أي المختص إباحتها بأهل الجنة في الجنة قال: «يا رسول الله: من أي شيء أتخذه؟ قال: من ورق ولا تتمه مثقالا» أي وزن مثقال، لكن في رواية أبي دواد:«ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال» وهي تفيد أن الخاتم إذا كان دون مثقال وزنا لكن بلغ بالصنعة قيمة مثقال كان منهيا عنه.
وفي الحديث: «ما طهر الله كفا فيه خاتم من حديد» وهو يفيد كراهة لبس الخاتم الحديد.