الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: حكم الدعوة إلى الله
قد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة منها:
1 -
قوله سبحانه وتعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (1).
2 -
قوله عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2).
3 -
ومنها قوله جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (3). فبين سبحانه أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله. والواجب كما هو معلوم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (4).
وصَرَّحَ العلماء أن الدعوة إلى الله فرض كفاية بالنسبة للأقطار التي يقوم فيها الدعاة
…
إذا قام بالدعوة من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحاً جليلاً.
(1) سورة آل عمران، الآية:104.
(2)
سورة النحل، الآية:125.
(3)
سورة يوسف، الآية:108.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:21.
وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المُعيَّن بالدعوة على التمام صار الإثم عاماً وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكاناته، أما بالنظر إلى عموم البلاد فالواجب أن يوجه طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله
عز وجل في أرجاء المعمورة، تُبلِّغ دعوة الإسلام وتُبيِّن أمر الله
عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة وأرسل الكتب إلى الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل.
وقد تكون الدعوة فرض عين إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه يكون فرض عين ويكون فرض كفاية
…
وبهذا يُعلم أن كون الدعوة فرض عين وكونها فرض كفاية أمر نسبي يختلف: فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام؛ لأنه وجد في مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم
…
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يُبلِّغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان بالطرق الممكنة، وباللغات الحيَّة التي ينطق بها الناس
…
فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق الميسرة اليوم، ولم تنتشر في السابق: طرق الإذاعة، والتلفزة، والصحافة، وغير ذلك من الطرق. ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد، والرسالات، واليوم الآخر، وانتشار الدعوة
النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة إلى هذا، فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً عاماً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام، الذين يدينون بالإسلام فرض عليهم أن يبلغوا دين الله: حسب الطاقة، والإمكان بالكتابة، والخطابة، وبالإذاعة، وبكل وسيلة استطاعوا، وألاّ يتقاعسوا عن ذلك، أو يتَّكلوا على زيد وعمر؛ فإن الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك؛ لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصدِّ عن سبيل الله، والتشكيك في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضلل وهذا النشاط الملحد بنشاطٍ إسلامي، وبدعوةٍ إسلامية على شتى المستويات والوسائل بجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده ومن الدعوة إلى سبيله (1).
* * *
(1) فضل الدعوة إلى الله وحكمها وأخلاق القائمين بها، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، من أبحاث اللقاء الخامس للندوة العالمية للشباب الإسلامي (ص371) بتصرف.