الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أشهر المؤلفات في العصر الحديث
مدخل
…
المبحث الثاني: أشهر المؤلفات في العصر الحديث:-
وبعد هذه الجهود المباركة جاءت على المسلمين فترة ضعف خفتت فيها تلك الجذوة الوهاجة التي شهدتها القرون السابقة، فضعف التأليف في العلوم عامة، وفي علوم القرآن خاصة، ولم يظهر في العالم الإسلامي الواسع من المصنفات إلا اليسير النادر بين الفينة والفينة، يعتمد مؤلفوها على جهود سابقيهم ومصنفاتهم، فغلب على مؤلفاتهم النادرة صبغة الاختصار حيناً، والشرح والتبسيط حيناً آخر، وقد دامت مدة الفتور هذه أكثر من ثلاثة قرون، ولعل أسبابه تعود إلى ما تعرض له العالم الإسلامي من كيد الأعداء، والضربات الموجعة التي تلقاها في مواطن عديدة من دياره، كان أقواها تلك الحملة الصليبية الشرسة التي نكبت بديار الأندلس في المغرب العربي، والأندلس كما هو معروف مركز من مراكز الإشعاع الحضاري والعلمي الذي مد العالم الإسلامي خلال القرون الماضية بنخبة من المفسرين الذين لا يشق لهم غبار، بل يستطيع المرء أن يقرر هنا أن التفسير وعلوم القرآن والقراءات نضج واستوى على سوقه بالصورة المشرقة التي نراها من خلال جهود المفسرين والقراء من الديار المغربية وعلمائها، وبخاصة أهل الأندلس، غير أن الهجمة التي تعرض لها أرض العلم ومأوى العلماء في الأندلس، والاحتلال الذي اغتصب أرض الخير هناك، جعل العلماء الذين هم القادة ينصرفون عن التعليم ليحملوا السلاح، وليدافعوا عن ديار الإسلام لتطهير الأراضي كما كانوا يفعلون لتطهير القلوب وحينما سئل المؤرخ الإسلامي الأستاذ محمود شاكر عن سبب فتور العلم في هذه المرحلة، وعدم ظهور المصنفات، لم يتردد في عزو ذلك إلى انشغال العلماء بالجهاد حيث قال: حين سقطت الأندلس عام 897هـ وبدأت سيطرة النصارى توجه العلماء وطلبة
العلم والخيرات إلى المقاومة، وكان العلماء هم الذين يقودون المقاومة. وقد دامت هذه الفترة العصيبة مدة طويلة. قال: ولهذا نجد حقد الصليبية على العلماء وعلى فكرهم إلى يومنا هذا.
وأضاف يقول: وهذه الظاهرة لم تقتصر على العلوم الدينية بل شملت العلوم التجريبية وتابع قوله: وبعد سقوط الخلافة الإسلامية، انحصر كل مصر من أمصار المسلمين بنفسه، واستقل بذاته، وفصلت الديار الإسلامية. وحين رأى الخيرون من أبناء المسلمين أنهم أصبحوا في المساجد، ودفع الناس أبناءهم إليها، وتزاحم الطلبة على أبواب من بقي من أهل العلم، ينهلون المعارف، حتى شهد العالم الإسلامي بفضل الله نهضة مباركة شملت كثيراً من ميادين الحياة، فكانت المرحلة الثالثة في العصر الحديث.
هذا وقد وجدت مجموعة مؤلفات هنا وهناك من ديار الإسلام بين الحين والآخر، من ذلك:
النشر في القراءات العشر، وغاية النهاية في طبقات القراء: للإمام محمد ابن الجزري (ت 833هـ) .
الدقائق المحكمة في القراءات: لزكريا الأنصاري (ت 926هـ) .
قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن: لمرعي بن يوسف الكرمي (ت 1033هـ) وقد طبع.
القواعد المقررة والفوائد المحررة في القراءات السبع: للعلامة أبو الإكرام شمس الدين البقري (ت 1111هـ) .
تحفة الفقير ببعض علوم التفسير: لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن سلامة الإسكندري المالكي (ت 1149هـ) وقد طبع.
الزيادة والإحسان في علوم القرآن: لابن عقيلة محمد بن أحمد الحنفي المكي (ت 1150هـ) .
الفوز الكبير في أصول التفسير: لولي الله الدهلوي (ت 1176هـ) .
إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابهة وتجويد القرآن: لعطية الله بن عطية البرهان الأجهوري (ت 1190هـ) .
لب التفاسير في معرفة أسباب النزول والتفسير: لمحمد بن عبد الله القاضي الرومي (ت 1195هـ) .
عجيب البيان في علوم القرآن: للشيخ عبد الباسط بن رستم علي بن أصغر القنوجي (ت 1223هـ) .
هبة المنان في تحرير أوجه القرآن: للعلامة محمد الطباخ المصري (ت 1250هـ) .
جواهر القرآن في التجويد: محمود بن محمد بن مهدي العلوي التبريزي (ت 1287هـ) .
وكان الغالب على تلك المؤلفات سمة النقل والانتخاب، يتخللها أحياناً تعليقات وإضافات هي الأخرى مختارة ومنتقاة من علوم الأولين، ويستطيع المرء أن يؤكد هنا فقدان هذه الفترة لعنصر التجديد والابتكار.
في عصرنا الحديث نهضت جملة من العلوم، وشهدت الساحة العلمية تنافساً قوياً في شتى ميادين المعرفة، وقد كان للعلوم الإسلامية عامة وعلوم القرآن بصورة خاصة حظ وافر، ونصيب كبير من ذلك الاهتمام، زادت الصحوة المباركة التي شملت كافة الديار الإسلامية من هذا الاهتمام، فظهرت المؤلفات التي تخصصت بالدراسات القرآنية، وأعاد ثلة من العلماء النظر في
ذلك التراث الضخم الذي بقي مخطوطاً والذي أثقلت رفوف المكتبات العامة والخاصة من حمله، فأخرجته أيدي المحققين، بعد أن نفضت عنه تراب السنين، وعكف الباحثون على تحقيقه وإخراجه بصورة مرضية، وفق أسس منهجية علمية، يعيدون النظر في المواضع التي تحتاج منهم إلى إعادة نظر، فقوموا النص، وأخرجوه على أفضل صورة بعد أن وقفوا على النسخ المتعددة وقابلوا بينها، ولم يأل أولئك جهداً في إثبات التعليقات المفيدة، والإضافات النافعة، وشرح الغامض من الألفاظ والعبارات، وبخاصة تلك التي أصبحت غريبة على جيل العصر، فذيلت الأصول بحواش قربت البعيد، ويسرت الصعيب، وأصبح في إمكان طالب العلم فهم نصوص السلف على مرادهم بيسر وسهولة.
واتجه فريق آخر من أهل العلم إلى الكتابة ابتداءً، ورأى أن لكل جيل مفهومه وقدراته وحاجاته، وأن من حق أبناء العصر أن يقدم لهم العلم بالطريقة التي يفهمونها، وبالأسلوب الذي يرتاحون له، فظهرت المصنفات التي بدا عليها هذه السمات، مع التحقيق والتمحيص بين المنقولات، ويمثل كتاب الأستاذ الدكتور مصطفى زيد "النسخ في القرآن الكريم" واحداً من هذه المصنفات التي عالجت موضوعاً قرآنياً بنظرة حديثة، وكذا كتاب الأستاذ غانم قدوري الذي أسماه: رسم المصحف، دراسة لغوية وتقويمية.
كما كان للاستحداث الذي حدث لأسلوب التعليم في الجامعات والأكاديميات العلمية، أثر عظيم في نوعية التآليف التي ظهرت.
ولأن العصر الحديث قد أفرز على السطح علوماً تجريبية علمية، واعتمدت النظريات العلمية الحديثة والتي على ضوئها شهدت الساحة هذا التفوق الحضاري في الميادين التجريبية، وكانت الحاجة لتفسير نصوص الشرع التي فيها إشارات - قريبة كانت أم بعيدة - تفسيراً علمياً يواكب التقدم ضرورة ملحة، فظهرت المؤلفات التي حاول مؤلفوها مواكبة هذا التطور، وظهر ما يسمى بالتفسير العلمي، فكان فناً من فنون علوم القرآن، وظهر التفسير الموضوعي الذي عالج موضوعاً معيناً من خلال القرآن كله، أو من خلال سورة منه، أو بتتبع لفظة من كتاب الله، وزاد الاهتمام بإظهار جوانب الإعجاز العلمي في القرآن، وظهرت المؤلفات في الإعجاز الطبي والكوني. وغير ذلك، والمؤلفات في ذلك كثيرة لعلنا نشير إلى بعضها في ختام هذا البحث.
كما دعت الحاجة حين أصبح التواصل بين شعوب العالم يسيراً، إلى تقديم ترجمات ميسرة من معاني كتاب الله إلى تلك الشعوب، فأصبح البحث الدقيق في مسألة ترجمة معاني القرآن إلى تلك اللغات العالمية، أمراً في غاية الضرورة. وقل مثل هذا في عدد العلوم التي دعت حاجة العصر إلى نشوئها أو التعمق فيها.
أريد أن أؤكد هنا أن العصر الحالي قد أوجد مجموعة من العلوم لم تكن موضع اهتمام العلماء السابقين لكونها لم تكن من قبل، أو لأنها لم تتضح لهم بمثل ما اتضح للجيل الذي عاصر التقدم العلمي في المجالات التجريبية.