المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابفي تفسير التقوى والمتقين وأقل ذلك - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٩

[ابن الوزير]

الفصل: ‌بابفي تفسير التقوى والمتقين وأقل ذلك

‌باب

في تفسير التقوى والمتقين وأقل ذلك

وقد ذكر الثَّعلبيُّ (1) أكثر من ثلاثين قولاً (2) في ذلك من غير حجة، فيها حديثان وآثار بلا إسنادٍ.

وقيل: إن الشرع قد ينقُلُ معنى التقوى في اللغة إلى اتِّقاء المعاصي كلِّها، وقيل: إلى اتِّقاء الكبائر، ولم أعرف الحجة في ذلك، لكن هذه آياتٌ من كتابِ الله تدل على غير ذلك.

قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُون} [الزمر: 33 - 35].

وقال الله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26].

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131].

وفي أول " النحل "[2]: {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُون} .

ومنه: {أفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُون} [النحل: 52].

(1) هو الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي. له عدة مؤلفات، أشهرها تفسيره المعروف بالكشف والبيان في تفسير القرآن. توفي سنة 427 هـ. انظر ترجمته في " السير " 17/ 435.

(2)

في (ف): " وجهاً ".

ص: 315

وقال تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].

وروى السيد أبو طالب في " أماليه "، والحاكم في " المستدرك "، وأبو داود، والترمذي من حديث أنسٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية:{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} ، " قال الله تعالى: أنا أهلٌ أن أُتَّقَى، فمنِ اتَّقاني، فلم يَجْعَلْ معيَ إلهاً، فأنا أهلٌ أن أغفرَ له " (1).

ومما يدلُّ على ذلك أن الله تعالى قد أضاف التقوى إلى القلوب، لاختصاصها بالقلوب، فقال:{فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وقال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الحجرات: 3]، والقلوبُ ليس فيها شيءٌ من أعمال الجوارح الظاهرة، وإنما فيها تقوى الشِّرك، وتقوى الرياء بتصحيح النية، وإخلاص التوحيد، والعمل لله تعالى.

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحقرنَّ أحدُكم أخاه، ها هنا التقوى، ها هنا

التقوى ". ثلاثاً، ويشير إلى صدره. رواه مسلم (2) من حديث أبي هريرة، وإنما كرَّر ذلك للتأكيد، وإنما أكَّده، لعدم اعتبار الأكثرين بذلك، وقد عقَّب ذلك على قوله: " لا يحقرنَّ أحدكم أخاه " لما تقرَّر أن الكرم: التقوى، فخافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يرى المؤمنُ المجتهدُ من هو دُونه في عملِ الظاهر، فيزدريه، ويظنّ أن ما كان في الباطن لزم ظهورهُ، فأوضحَ بهذا عظيمَ التفاوت في الباطن الذي

(1) أخرجه الترمذي (3328)، وقال: حسن غريب!، وصححه الحاكم 2/ 508، ووافقه الذهبي!. ولم يخرجه أبو داود كما ذكر المصنف رحمه الله. وأخرجه أحمد 3/ 142 و243، وابن ماجه (4299)، والنسائي في التفسير من " السنن الكبرى "، وأبو يعلى (3317)، والبغوي في " معالم التنزيل " 4/ 420، والعقيلي في " الضعفاء " 2/ 154، وابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " 4/ 476 - 477، كلهم من طريق سهيل القُطعي، عن ثابت، عن أنس. وسهيل ضعيف الحديث.

(2)

برقم (2564)، والحديث بتمامه: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا -عباد الله- إخواناً. المسلم أخو المسلم، =

ص: 316

يخفى، وزجرَ عَنِ الاستهانة والاستحقار بالمسلم، لجهالة باطنه. فالوليُّ مخبوءٌ في الناس لا يُدرى أيُّهم هو، كما أن الرضا مخبوءٌ في الطاعات لا يُدرى في أيِّها هو، والسُّخطُ -نعوذ بالله منه- مخبوءٌ في المعاصي، لا يُدرى في أيِّها هو.

ولذلك قال الله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11].

والذي يوضِّحُ ذلك أن المتقي في اللغة: هو من اتَّقى شيئاً ما، والاشتقاقُ يحصل بفعلٍ واحدٍ، كما يُسمَّى القاتل قاتلاً بقتل نفسٍ واحدةٍ، والعاصي عاصياً بركوب معصيةٍ واحدةٍ، فكذلك يُسمى المؤمنُ متَّقِياً باتِّقاء أعظم الذنوب، وهي جميع ذنوب الكفر على أكثر صورها، لكنه يجمعُها التَّكذيب بالله، أو شيءٍ من كُتُبِه، أو بأحدٍ من رُسُله، أو الاستهانة بشيءٍ من ذلك، فمتى وحَّدَ العبدُ ربَّه، وأخلص توحيده من النِّفاق، واتَّقى الكفر وجميع أنواعه، وأخلص في ذلك، فقد حصل في أدنى مراتب التقوى، بحيثُ تصحُّ منه العبادة، ويُرجى له قَبُولُها، وأن يخرج من جملة من لا تصح له عبادةٌ من أهلِ الكفر، وفيهم إن شاء الله يقول الله:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، لإجماع المسلمين على خطاب صاحب الكبيرة بالعبادات ووجوبها عليه وصحتها منه، لقوله تعالى:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54] الآية. فهذا حصرٌ لموانع القبول في الكفر، ولله الحمدُ.

ويدل على ذلك من السنة الصحيحة دلالةُ النُّصوصية:

الحديثان المقدَّمان في تفسير الإحسان: بإخلاصِ الإسلام من النِّفاق، أحدهما عن أبي هريرة، والآخر حديث عبد الله بن مسعودٍ، متَّفقٌ على صحَّتِهما.

= لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ها هنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. " بحسب امرىء من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم. كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ".

ص: 317

ويُرجى للمسلم -إن شاء الله- أن يدخل فيما وعد الله المتقين من المغفرة والرحمة، ويكون ذلك له وسيلةٌ إلى (1) التَّرقِّي إلى أرفعِ مراتب التَّقوى، حتى يتَّصِفَ بالأتقى الذي يُجَنَّبُ النار، ولا تمسُّه، لقوله تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17].

وقد أثنى الله على المتقين الذين يظنُّون أنهم ملاقوا ربِّهم، وأنهم إليه راجعون، وقال:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} [القلم: 34 - 36].

يوضِّحُه أنه (2) ربما عبَّر عنهم بعبارتين تدلُّ إحداهما على الأُخرى، كما قال في الجنة مرَّةً:{أُعِدَّت للمتقين} [آل عمران: 133]، ومرة:{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]، والإيمان متى تعدَّى بالباء إلى أمرٍ معيَّنٍ، لم يجُزْ تفسيره بالأعمال، لكن صاحب التقوى الناقصة لا يأمَنُ مِنْ (3) مطلقِ العذاب المنقطعِ حتى يُرحَمَ أو يُشفَعَ له، كما دلت السنة على تفصيلِ ذلك.

ولم تزل السنة تفصِّلُ مجملات (4) القرآن وتخصِّصُ عمومه في أركان الإسلام، وأكثر الأحكام، فما خصُّ هذه المسألة بعدم قبول السنة في تفاصيلها (5).

وقال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف: 67 - 70].

وأثنى الله على النصارى الذين آمنوا بالكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

(1) في (ف): " في ".

(2)

في (ش): " أنهم ".

(3)

" من " ساقطة من (ف).

(4)

في (ف): " مجمل ".

(5)

في (ش): " وتفاصيلها ".

ص: 318

بقولهم: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 84 - 85]. فجزاهم بالقول الصادق المُخلِصِ لله تعالى، فدلَّ على أن ذلك أدنى مراتب التقوى.

ويُقوِّي هذا ما ثبت في تفسير الظلم بالشرك (1) فإنه متى انتفى الظلم الموعودُ صاحبُه بالخلود لم يَبْعُدْ ثبوتُ التقوى الموعود صاحبها بالجنة، ولو بعد عذابٍ منقطعٍ، وقد ثبت تفسير الظلم بالشرك من حديث ابن مسعودٍ عند البخاري ومسلم من قول أبي بكر، وعند الحاكم في التفسير.

ومما يدلُّ على ذلك من كتاب الله تعالى قوله سبحانه في أول سورة البقرة [2 - 3]: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فهؤلاء أهل المرتبة الرفيعة من المُتقين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل، ثم عطف عليهم أهل المرتبة (2) الدنيا من المُتَّقين، فقال:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} [البقرة: 4]، ولذلك ذكرهم بعد أهل المرتبة الرفيعة، ليعلم أن غيرهم متَّقون (3)، وذكر بعدهم الكفار والمنافقين، وإلا، فحرف العطف كافٍ في إفادة ذلك كما سيأتي تقرير ذلك، وهذا مثل ما قال في سورة المعارج [26]:{والذين يُصَدِّقُون بيوم الدِّين} ، بعد قوله [22 - 25]:{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم} ، فلم يكن من هذه حالُه يَشُكُّ في يوم الدِّين، ولا يُوصَفُ بهذا الثناء بأرفع مراتب القرب لمجرد التصديق، وإنما هذا في معنى البيان لأقسام أهل الجنة الذين أجملهم في " الواقعة " و" الرحمن " وغيرهما.

ويدل عليه أمورٌ، منها: ذكرُ المصلين مرتين في سورة " المؤمنين "، وفي

(1) انظر ص 187 من هذا الجزء.

(2)

" الدنيا " ساقطة من (ف).

(3)

في الأصول: " متقين "، والجادة ما أثبت.

ص: 319

سورة " المعارج ". ففي الأولى وصفهم بالخشوع والدوام، وفي الثانية وصفهم بالمُحافَظَةِ فقط.

ومنها أنه قد جاء في غير آيةٍ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112] و [الأنبياء: 94].

ومنها أنه قد جاء كثيراً الوعدُ الجازم على أحد هذه الخِصَال مفرداً، كقوله في الصدقة:{إن تُقْرِضُوا الله قرضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لكم ويَغْفِرْ لكم} [التغابن: 17]، وفي الجود:{ومن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] و [التغابن: 16]، وفي الجهاد:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الآية.

وفي الإيمان بالله: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]، مع ما تقدم من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح الصحيح في حديث " أربعون خصلة، من عَمِلَ بواحدةٍ منها دخل الجنة، أعلاها منيحةُ العنزِ "(1)، وحديث الذي دخل الجنة في غُصْنِ شوكٍ أماطه من طريق المسلمين (2)، وحديث البَغِيَّةِ التي غُفِرَ لها برحمة كلبٍ عاطشٍ سقتهُ شَرْبَةَ ماءٍ (3)، وكلها في الصحيح، وشواهدها متواترةٌ عن أئمة هذا الشأن، وحديث:" فقد غفرتُ لك بخوفِكَ لي "(4)، مع موافقته لظواهر آياتٍ كثيرةٍ في

(1) تقدم تخريجه ص 371 من هذا الجزء.

(2)

أخرج مالك 1/ 131، وأحمد 2/ 286 و341 و404 و485 و533، والبخاري (652) و (2472)، ومسلم (1914)، والترمذي (1958)، وأبو داود (5245)، وابن ماجه (3682)، وابن حبان (536) - (540) من حديث أبي هريرة مرفوعاً:" بينما رجل يمشي بطريق، وجد غُصن شوكٍ على الطريق، فأخذه، فشكر الله له، فغفر له ".

(3)

أخرج أحمد 2/ 507، والبخاري (3467)، ومسلم (2245)، وابن حبان (586) من حديث أبي هريرة:" إن امرأة بغيّاً رأت كلباً في يومٍ حارٍّ يطيفُ ببئرٍ، قد أدلَعَ لسانه من العطش، فنزعت له، فسقته، فغُفِرَ لها "

(4)

انظر 1/ 191 ت (4).

ص: 320

المغفرة للخائفين مثل: {ولمن خاف مقام ربه جنتان] [الرحمن: 46].

وعن أبي الدرداء حديث في تقريرها على ظاهرها على شرط الصحيح (1)، وكذلك:{ذلك لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8] وأمثالها.

وعن عمر: لما نزل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]، إلى عشرِ آياتٍ، قال صلى الله عليه وسلم:" من أقام هذه العشرَ آياتٍ، دخل الجنة " رواه الترمذي والنسائي (2).

وستأتي سائر الأدلة على أن الواو في هذه العواطف للمغايَرَة، كما أنها كذلك في آياتِ الوعيد عند الخصوم، قد مضى ذلك فيحرر.

ومن هذا قوله تعالى: {أُعِدَّتْ للمُتَّقين} ، ثم بيَّن أنها قسمان، فقال في القسم الأول:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [آل عمران: 134].

وقال في القسم الثاني: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

وأصرح منها قسمتُهم إلى ثلاثةِ أقسامٍ في قوله تعالى: {ثُمَّ أورَثْنا الكتابَ

(1) انظر " تفسير الطبري " 27/ 146، و" البغوي " 4/ 273 - 274، و" ابن كثير " 4/ 297، و" الدر المنثور ": 7/ 707، و" مجمع الزوائد " 7/ 118.

(2)

الترمذي (3173)، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 8/ 83. ورواه أيضاً أحمد 1/ 34، وعبد بن حميد (15)، والعقيلي في " الضعفاء " 4/ 460، والبغوي (1376)، وصححه الحاكم 1/ 535 و2/ 392، كلهم من طريق عبد الرزاق، وهو في " مصنفه " (6038)، وفيه يونس بن سليم، لم يرو عنه غير عبد الرزاق، ولم يوثقه غير ابن حبان. وقال النسائي: هذا حديث منكر، لا نعرف أحداً رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه، وقال العقيلي: " لا يتابع على حديثه، ولا يعرفه إلَاّ به.

ص: 321