الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة على تأثير العين فى المحسود:
أولا: من القرآن الكريم
.
فبين الله تعالى أن اليهود حملهم الحسد والبغى على الكفر برسالة النبى صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يرون أن النبوة ستكون فيهم وسيقاتلون مع النبى صلى الله عليه وسلم فيغلبون الذين كفروا فلما جاءت النبوة كما عرفوا لكنها كانت النبوة فى العرب حسدوهم فلم يؤمنوا. فالآية حجة فى إثبات الحسد وبيان سوء عاقبته. قال أبوعبيد القاسم بن سلام: (بغيا) حسدا بلغة تميم. (1)
وقال القرطبى: قوله تعالى: {بَغْياً} معناه حسداً قاله قتادة والسّدّى، وهو مفعول من أجله، وهو على الحقيقة مصدر. الأصمعيّ: وهو مأخوذ من قولهم: قد بَغَى الجرح إذا فسد. وقيل: أصله الطلب، ولذلك سُمّيت الزانية بَغِيّا. {أَن يُنَزّلُ اللهُ} في موضع نصب أى لأن ينزّل، أي لأجل إنزال الله الفضل على نبيّه صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن كَثير وأبو عمرو ويعقوب وابن مُحَيْصِن «أن يُنْزِل» مخفّفاً، وكذلك سائر ما في القرآن، إلا «وَمَا نُنَزّلُه» في «الحجر» ، وفي «الأنعام» «عَلَى أنْ يُنَزّلَ آيةً» .اهـ (2)
(1) رسالة لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم - سورة البقرة -
(2)
الجامع لأحكام القرءان عند تفسير الآية.
* وقال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة - 109).
قال الحافظ ابن كثير الدمشقى رحمه الله: يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم. اهـ (1)
وقال ابن تيميه رحمه الله فى هذه الآية: فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم. وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح، وهو خلق مذموم مطلقا وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم. (2)
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: بيان شدة عداوة اليهود، والنصارى للأمة الإسلامية؛ وجه ذلك أن كثيراً منهم يودون أن يردوا المسلمين كفاراً حسداً من عند أنفسهم ..
ومنها: أن الحسد من صفات اليهود، والنصارى.
ومنها: تحريم الحسد؛ لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"؛ واعلم أن الواجب على المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله، ولا يكره ما أنعم الله به على الآخرين، أو يتمنى زواله؛ لقوله تعالى:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله} [النساء: 32]؛ والحاسد لا يزداد بحسده إلا ناراً تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهاً لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنه يكره
(1) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 70، 71).
أن ينعم الله على هذا المحسود؛ ثم إن الحاسد أو الحسود. مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلاً فيها؛ لأنه لابد أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة؛ حتى لو فرضنا أنه تميز بأموال كثيرة، وجاء إنسان تاجر، وكسب مكسباً كبيراً في سلعة معينة تجد هذا الحاسد يحسده على هذا المكسب بينما عنده ملايين كثيرة؛ وكذلك أيضاً بالنسبة للعلم: بعض الحاسدين إذا برز أحد في مسألة من مسائل العلم تجده. وإن كان أعلم منه. يحسده على ما برز به؛ وهذا يستلزم أن يحتقر نعمة الله عليه؛ فالحسد أمره عظيم، وعاقبته وخيمة؛ والناس في خير، والحسود في شر: يتتبع نعم الله على العباد؛ وكلما رأى نعمة صارت جمرة في قلبه؛ ولو لم يكن من خُلُق الحسد إلا أنه من صفات اليهود لكان كافياً في النفور منه ..
ومن فوائد الآية: علم اليهود، والنصارى أن الإسلام منقبة عظيمة لمتبعه؛ لقوله تعالى:{حسداً} ؛ لأن الإنسان لا يحسد إلا على شيء يكون خيراً، ومنقبة؛ ويدل لذلك قوله تعالى:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة: 105] .. ومنها: بيان خبث طوية هؤلاء الذين يودون لنا الكفر؛ لقوله تعالى: {من عند أنفسهم} ؛ ليس من كتاب، ولا من إساءة المسلمين إليهم؛ ولكنه من عند أنفسهم: أنفس خبيثة تود الكفر للمسلمين حسدا. اهـ (1)
أقول: وقد يستشكل هنا أن الله تعالى مدح التنافس فى الخير فقال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} . وقال النبى صلى الله عليه وسلم " لا حَسدَ إلا في اثنتين رجلٍ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليلِ وآناء النهارِ ورجلٍ آتاه الله مالاً فهن ينفقه آناء الليلِ وآناء النهارِ ". وترجم عليه البخارى " باب الاغتباط في العلم والحكمة " فكيف يذم الله تعالى فعل اليهود ويسوقه فى معرض الإنكار مع أنهم حسدوا المسلمين على الخير
(1) تفسير سورة البقرة المجلد الأول عند تفسير الآية.
والإسلام والحسد فى الخير مشروع؟
فنقول: إن الحسد أو الغبطة هنا معناها تمنى النعمة وهى الإسلام أو العلم أو العمل الصالح مع عدم رجاء زوالها من صاحبها فهى بهذا القيد ممدوحة لكن هذا الشرط منعدم عند اليهود فهم يتمنون زوال نعمة الإسلام عن المسلمين ويتمنون أن لو لم تكن النبوة فى العرب أصلا بدليل قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا} فهم يتمنون ردتهم عز وجل الإسلام والعياذ بالله وهذا القيد فاصل بين الغبطة المحمودة والحسد المذموم. والله تعالى أعلم.
*
…
وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءاتاهمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وءاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} (النساء - الآية 54) قال ابن كثير: يعني بذلك حسدهم النبى صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. اهـ (1)
* وقال تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الأخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة - الآية 27).
قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين. اهـ (2)
* وقال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ. قَالَ يَابُنَىَّ لا تَقْصُصْ رء يَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (سورة يوسف عليه السلام الآيتان 4 - 5).
(1) تفسير القرآن العظيم عندتفسير الأية.
(2)
تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما فخشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له.
ولهذا قال له: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) أى يحتالون لك حيلة يردونك فيها. اهـ (1)
* وقال تعالى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ وَلَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . سورة يوسف عليه السلام الآيتان (67 - 68)
قال القرطبى - صاحب التفسير رحمه الله: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرَجُل واحد وكانوا أهل جَمال وكمال وبَسْطة قاله ابن عباس والضّحاك وقَتَادة وغيرهم. اهـ (2)
وقال الحافظ بن كثير رحمه الله: يقول تعالى إخباراً عن يعقوب عليه السلام، إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد إنه: خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه ، وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله
(1) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الآية.
(2)
التفسير الجامع لأحكام القرءان (4/ 3455) ط الشعب تجليد خاص.
{وادخلوا من أبواب متفرقة} قال: علم أنه سيلقى إخوته في بعض تلك الأبواب. وقوله {وما أغني عنكم من الله من شيء} أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه، فإن الله إذا أراد شيئاً لا يخالف ولا يمانع، {إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} قالوا: هي دفع إصابة العين لهم {وإنه لذو علم لما علمناه} قال قتادة والثوري: لذو عمل بعلمه. وقال ابن جرير: لذو علم لتعليمنا إياه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} .اهـ (1)
وذكر اسم بنيامين لعله مأخوذ من الإسرائيليات التى لاتصدق ولا تكذب كما فى الحديث - والله تعالى أعلم-
* وقال تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} الكهف الآية (39) والآية فيها تحصين من العين والحسد.
* وقال تعالى {وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ} القلم آية (51)
قال الحافظ بن كثير: قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما {ليزلقونك} لينفذونك {بأبصارهم} أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم، وفي هذه الَاية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. اهـ تفسير ابن كثير عند تفسير الآية.
*
…
وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ. مِن شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ. وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} سورة الفلق (1 - 6)
فقوله تعالى {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.} أصرح ما يكون دلالة على تأثير العين
(1) تفسير ابن كثير عند تفسير الآيتين.
فى المحسود ولولا ذلك لما ندبنا إلى الإستعاذة منها.
قال الفخر الرازى: من المعلوم أن الحاسد هو الذي تشتدّ محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل، فلذلك أمر الله بالتّعوّذ منه، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقّى كمه ديناً ودنيا، فلذلك لما نزلت هذه السورة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزولها، لكونها مع ما يليها - يعني سورة الناس - جامعة فى التعوّذ لكل أمر. (1)
(1) التفسير الكبير (32/ 195). وأنا حينما أنقل عن الرازى أنبه على أنى ما أنقل عنه إلا ما وافق الصواب فيه وإلا فقد كان الرجل متكلما معتزليا أشعريا يقدم العقل على النقل بل هو الذى حرر لهم هذا المذهب الخبيث وكان يؤول الصفات نسأل الله العافية وقد رجع قبل موته عن هذا أو بعضه لكن البلية من كتبه. وقد درست حاله وأمثاله فى كتابى أحكام أهل البدعة يسر الله إخراجه.