المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب - العين حق

[محمد بن عبد المعطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد عن منهج البحث

- ‌تعريف الحسد

- ‌تعريف الأضم

- ‌تعريف الغبطة

- ‌تعريف الغل والحقد

- ‌تعريف العين

- ‌هل هناك فرق بين الحسد والعين أو هما سواء

- ‌ومجمل القول فى الفرق بين العين والحسد أن:

- ‌الأدلة على تأثير العين فى المحسود:

- ‌أولا: من القرآن الكريم

- ‌الأدلة على تأثير العين من السنة

- ‌ حديث أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ حديث أم سلمة رضى الله عنها

- ‌ حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا

- ‌ حديث عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضى الله عنه

- ‌ حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة رضى الله عنه

- ‌ حديث أبي هريرة رضى الله عنه

- ‌ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما

- ‌ حديث أبى ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه

- ‌ حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه

- ‌ حديث أبى أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رحمه الله

- ‌ حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه

- ‌ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌ حديث ابن عباس رضي الله عنه

- ‌ حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه

- ‌ حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌ حديث جابر رضى الله عنه

- ‌ أحاديث ضعيفة فى مسألة الحسد:

- ‌ حديث حابس التميمى رضى الله عنه

- ‌أقوال العلماء فى مسألة العين وتأثيرها

- ‌الأدلة على تأثير العين من جهة النظر

- ‌هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب

- ‌أعراض الحسد

- ‌مدى تأثير العين فى المحسود

- ‌حكم من قتل بعينه

- ‌كيف يقع الحسد

- ‌من يقع منه الحسد

- ‌علاج العين بالرقى

- ‌حكم الرقى

- ‌تعريف الرقى

- ‌مشروعية العلاج

- ‌هل الأصل فى الرقى التوقيف أو التجربة

- ‌ما ورد فى علاج العين:

- ‌الغسل للعائن:

- ‌الوضوء للعاين:

- ‌حكم الغسل والوضوء للمحسود

- ‌العلاج بالقرءان:

- ‌وأما الأحاديث فى الرقى بالمعوذتين فمشهورة كثيرة منها:

- ‌حديث عائشة رضى الله عنها

- ‌حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه

- ‌حديث جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه

- ‌حديث عبد الله بن خبيب رضى الله عنه

- ‌حديث ابن عابس الجهنى رضى الله عنه

- ‌حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه

- ‌العلاج بالرقى:

- ‌أولا: ما ورد من الرقى فى علاج العين والحسد بخصوصه:

- ‌ثانيا: ماورد فى رقى عامة

- ‌ثالثا: ما ورد فى العلاج بالدعاء وهو غير الرقى:

- ‌ما ورد فى كراهة تعليق الكتابة على الصبى:

- ‌ الإستشفاء بمام زمزم:

- ‌الوقاية من الحسد

- ‌الأول: الأذكار والرقى التى تعمل كالحصن ضد العين

- ‌ أن يستعيذ بالله من الحسد وشر الحساد

- ‌ قراءة أذكار الصباح والمساء

- ‌الثانى: ستر محاسن ما يخاف عليه من العين عن الحاسد

- ‌ ومن الستر أيضا قضاء الحوائج بالكتمان والسر

- ‌ثالثا: وما ينبغى تحصين العبد نفسه بالصلاة

- ‌حكم رقية الحيوان والجماد

- ‌وأما بدع علاج العين فيحضرنى منها الآن

- ‌ خاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب

‌هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب

؟

كثير من يعتقدون أن الحسد ليس فيه إلا أنه من خوارم المروءة أو من العادات الذميمة التى تنافى كرم الطباع ونحو ذلك من الأوصاف التى ليس فيها كثير ذم للحسد والصواب أن الحاسد عاص لله تعالى وآثم بفعله بل وبتعاطيه لأسباب الحسد ومقدماته والوسائل لها حكم المقاصد فى الشريعة كما هو محرر فى الأصول فلا ينبغى للعبد أن يغضب فى غير حقوق الله تعالى ولا يبغض إلا أن يكون فى الله ولا يحقد ولا يحسد فإن فعل أثم والحسد من المعاصى التى لها متعلق فى التحريم بذات الفعل ومآل الفعل فالمفسدة ظاهرة فى الفعل من حيث هو السخط بقضاء الله وحكمته فى تقسيم الأرزاق والطمع فى غير ما فى اليد وامتلاء القلب غيظا وحقدا بذلك حتى يفيض على العين فتحسد وتتمنى هلاك صاحب النعمة وزوالها عنه وهذا محرم لذاته ثم هو محرم لغيره باعتبار مآله ونقص إيمان الحاسد بحسبه وزوال النعم عن أصحابها والخراب أو العطب الحادث من جراء ذلك وانتشار البغضاء بين الناس حتى لا يأمن الرجل جاره بوائقه فلا يؤمن والعياذ بالله.

قال الله تعال {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء الآية (54)

قال القرطبى رحمه الله: قوله تعالى: "أم يحسدون" يعني اليهود. "الناس" يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به. وقال قتادة: "الناس "العرب، حسدتهم اليهود على النبوة. الضحاك: حسدت اليهود قريشا؛ لأن النبوة فيهم. والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛

ص: 56

رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. (1) وقال الحسن: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد. وقال عبدالله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله. قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي. ولمنصور الفقيه:

ألا قل لمن ظل لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في حكمه

إذا أنت لم ترض لي ما وهب

ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل. (2) ولأبى العتاهية في الناس:

فيا رب إن الناس لا ينصفونني

فكيف ولو أنصفتهم ظلموني

وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه

وإن شئت أبغي شيئهم منعوني

وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم

وإن أنا لم أبذل لهم شتموني

وإن طرقتني نكبة فكهوا بها

وإن صحبتني نعمة حسدوني

سأمنع قلبي أن يحن إليهمو

وأحجب عنهم ناظري وجفوني

وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك.

ولرجل من قريش:

حسدوا النعمة لما ظهرت

فرموها بأباطيل الكلم

وإذا ما الله أسدى نعمة

لم يضرها قول أعداء النعم

ولقد أحسن من قال:

(1) هذا الحديث: الحسد يأكل الحسنات. رواه أوداود ولا يصح.

(2)

تسمية ابنى آدم عليه السلام بقابيل وهابيل مأخوذ من أخبار بنى إسرائيل وهى لا تصدق ولا تكذب ولم يرد فى السنة ما يفيد باسميهما فنتوقف فى هذه التسمية فلا نسميهما إلا ابنى آدم ويكفينا ما فى شرعنا.

ص: 57

أصبر على حسد الحسود

فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها

إن لم تجد ما تأكله

وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: "ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين "[فصلت: 29]. إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد. وقال الشاعر:

إن الغراب وكان يمشي مشية

فيما مضى من سالف الأحوال

حسد القطاة فرام يمشي مشيها

فأصابه ضرب من التعقال. (1)

وفى الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً. (2)

وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (3)

(1) تفسير القرطبى الجامع (2/ 1821 - 1822) ط الشعب. والقطاة هى الهَوذَةُ: نوع من اليمام سريع الطيران ويتخذ له أُفحُوصَة فى الأرض وبيضه مُرقّط. والتعقال: انقباض شديد مؤلم فى العضلات يسبب وقوف الحركة وقتيا. فكأن الغراب فاته مقصوده لما حسد القطاة فلا هو على مشيته ولا استطاع أن يمشى مشيها وهذا من عقاب الله للحاسد قدرا وشرعا.

(2)

متفق عليه: أخرجه البخارى (6064 - 6066) ومسلم (2563 - 2564) وأحمد (7670 - 7815 - 8505 - 8876 - 9675 - 9728 - 9862 - 10001 - 10138 - 10271 - 10323 - 10566) ومالك فى الموطأ (1684)

(3)

متفق عليه: أخرجه البخارى (6065 - 6076) ومسلم (2559) ومالك فى الموطأ (1683) وأحمد (11663 - 12280 - 12640 - 12767 - 12941 - 13523) وأبوداود (4910) والترمذى (1935)

ص: 58

وعن أوسط بن إسماعيل البجلى قال: خطبنا أبوبكر رضي الله عنه فقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام الأول وبكى أبو بكر فقال أبو بكر سلوا الله المعافاة أو قال العافية فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا أخوانا كما أمركم الله تعالى. (1)

وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هى الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسى بيده أو والذى نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم. (2)

قال ابن القيم رحمه الله: أصول الخطايا كلها ثلاثة:

(1) حسن: أخرجه أحمد (5 - 18 - 35) وابن ماجه (3849) من طريق شعبة عن يزيد بن خمير عن سليم بن عامر عن أوسط .. ورجاله ثقات.

(2)

حسن لغيره: أخرجه أحمد فى المسند (1415) من طريق هشام بن حسان وأبى معاوية شيبان كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بن هشام عن الزبير بن العوام .. وهومنقطع بين يعيش والزبير رضى الله عنه فلم يسمع منه. ووصله الترمذى (2510) وأحمد (1433) من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن يعيش بن الوليد حدثه أن مولى لآل الزبير حدثه أن الزبير بن العوام .. وهو ضعيف أيضا فمولى آل الزبير مجهول. وله علة أخرى نبه عليها الترمذى رحمه الله فقال: هذا حديث قد اختلفوا في روايته عن يحيى بن أبي كثير فروى بعضهم عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن مولى الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن الزبير. اهـ وله شاهد عند الترمذى (2508) من طريق عبد الله بن جعفر المخرمي هو من ولد المسور بن مخرمة عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا .. وعثمان صدوق يهم وقال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية المخرمى عنه. اهـ قلت وقد غمزه الترمذى أيضا فقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه اهـ وهذه الطرق الثلاث تنجبر إن شاء الله لخلوها من متهم. وعزاه المنذرى فى الترغيب للبزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما وحسنه الالبانى فى صحيح سنن الترمذى (2038) وزعم بعض المنحرفين عن الشيخ أنه تناقض وضعفه فى ضعيف الجامع وزيادته (2957) فرجعت للجامع الصغيرفإذا بالشيخ قد حسنه وأحال على صحيح السنن! !

ص: 59

(1)

- الكبر وهو الذى أصار ابليس الي ما أصاره.

(2)

- والحرص وهو الذى أخرج آدم من الجنة.

(3)

- والحسد وهو الذى جرأ أحدا بني آدم على أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر والمعاصى من الحرص والبغى والظلم من الحسد. اهـ (1)

وقال فى نفس الكتاب فى الفائدة السادسة والتسعون: أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة.

فالكبر يمنعه الانقياد، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها، والغضب يمنعه العدل، والشهوة تمنعه التفرّغ للعبادة. فاذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد، واذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله، واذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع، واذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة.

وزوال الجبال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الأربعة عمن ابتلي بها، ولا سيما اذا صارت هيئات راسخة وملكات وصفات ثابتة، فانه لا يستقيم له معها عمل البتة ولا تزكو نفسه مع قيامها بها. وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة، وكل الآفات متولدة منها. واذا استحكمت في القلب أرته الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، والمعروف في صورة المنكر، والمنكر في صورة المعروف، وقربت منه الدنيا، وبعدت عنه الآخرة، واذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئا منها، وعليها يقع العذاب، وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها. فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا، ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبواب الشرور، فانها تمنع الانقياد والاخلاص والتوبة والانابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه.

(1) الفوائد ص (105)

ص: 60

ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنفسه، فانه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات، لم يتكبر ولم يغضب لها ولم يحسد أحدا على ما أتاه الله، فانه الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله، فانه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويحب زوالها عنه ويكره الله ذلك. فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته، ولذلك كان ابليس عدوه حقيقة لأن ذنبه كان عن كبر وحسد. فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده، والرضا به وعنه، والانابة اليه، وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها وينتقم لها، فان ذلك ايثار لها بالغضب والرضا على خالقها وفاطرها، وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعوّدها أن تغضب له سبحانه وترضى له، فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها، وكذا بالعكس.

وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن اعطاءها شهواتها أعظم أسباب حرمانها اياها ومنعها منها. وحميتها أعظم أسباب اتصالها اليها، فكلما فتحت عليك باب الشهوات كنت ساعيا في حرمانها اياها، وكلما أغلقت عنها ذلك الباب كنت ساعيا في ايصالها على أكمل الوجوه.

فالغضب مثل السبع اذا أفلته صاحبه بدأ بأكله، والشهوة مثل النار اذا أضرمها صاحبها بدأت بحرقه، والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فان لم يهلكك طردك عنه، والحسد بمنزلة معاداة من هو أقد منك، والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله. ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله. اهـ

ص: 61