الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة على تأثير العين من جهة النظر
.
ليس المقصود من هذه الترجمة إثبات حقيقة العين من جهة المعقول أو من جهة النظر فلست ولله الحمد ممن يقدمون العقل على النقل بل أحمد الله تعالى على السنة وطريقة السلف كما أحمده على الإسلام وهذا منقول عن السلف ألحقنا الله تعالى بهم ولكن أتكلم على بعض ما فى الأشياء من خصائص يعتبر بها على وقوع التأثير ثم الكلام على منهج السلف فى ذلك والرد على أهل البدعة من باب النصيحة والله ييسر لنا بمنه وكرمه: فمن أسرار الله فى خلقه ما أودعه فيهم مما يقف العقل أمامه حائرا فأنت ترى الرجل أمامك يداعبه النعاس فإذا بك تشعر بحاجتك إلى النوم وهذا أمر مشاهد وكذا فإنك ترى الرجل يتثاءب فإذا بك تتثاءب مثله وهذا كثير واقع والمسلم مندوب إلى أن يدفع التثاؤب ما استطاع. وترى الرجل يتمطى ويشد جسمه من الخمول فإذا بك يدب فيك الكسل ويذهب نشاطك أدراج الريح وترى الرجل يتقيأ فيغلبك القئ من غي استدعاء .. فبعد هذا كله لا يسعنا إلا الإيمان بإن فى النفوس خصائصا لا يعكر عليها جهل جاهل وفكر معاند ومن تلك الطبائع تأثير العين وأنها حق وأن لنظرة العائن تأثير بإذن الله وتقديره فى نفس المحسود.
قال ابن القيم رحمه الله: أخبرنى بعض حذاق الأطباء قال: كان لى ابن أخت حذق فى الكحل فجلس كحالا ـ يعنى اشتغل بالصنعة يداوى الناس ـ فكان إذا فتح عين الرجل ورأى الرمد وكحله رَمَدَ هوَ وتكرر ذلك منه فترك الجلوس قلت فما سبب ذلك؟ قال: نقل الطبيعة فإنها نقالة قال وأعرف آخر كان إذا رأى خراجا فى موضع من جسم رجل يحكه فحك هو ذلك الموضع خرجت فيه خراجه قلت: وكل هذا لابد فيه من استعداد الطبيعة وتكون المادة ساكنة فيها غير متحركة فيتحرك لسبب من هذه الأسباب فهذه أسباب
لتحرك المادة لاأنها هى الموجبة لهذا العارض. اهـ (1)
قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: إن الإجابة عن كيفية إصابة العين والكشف عن حقيقة ذلك فعلا ومسببا ليس بالعمل الميسور، ولم يزل ذلك خفيا حتى اليوم .. وهذا من الناحية المنهجية، متعذر أو ممتنع، لأنه تأثير غير محسوس، وغير المحسوس لا يمكن إدراكه بالحس، وإنما الحس يدرك آثاره، ويحكم بوجوده أو عدمه، أما كنه عمله وتفاعلاته، فلا .. مثله كالروح في الجسم، وتيار الكهرباء، وتلك الأشعات الحديثة، تردك آثارها ويتصور وجودها من تلك الآثار .. وقديما قالوا: كتأثير المغناطيس في جلب الحديد، أما ما هو المغناطيس فليس معلوما بماهيته .. ومن هذا الباب تأثير عين العائن فيمن أصابه بعينه .. ومع ذلك فقد اجتهد العلماء رحمهم الله تعالى في العصور المتقدمة في الكشف عن حقيقته، ونقل عنهم رحمهم الله ما قالوه، وهو ما بين موجز ومطول، مع اختلاف وجهات النظر، شأنهم في ذلك شأنهم في المسائل الاجتهادية، ولا سيما الخفي منها عن الحسى (2)
وقال الدكتور فهد بن ضويان السحيمي مدرس فى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في منظومته العلمية لنيل درجة الماجستير: لم يرد فى الشرع ما يبين كيفية الإصابة بالعين، ولسنا مطالبين بمعرفة ذلك، ولا متعبدين به، فكل ما أخبر به الشارع وجب علينا الإيمان به والتسليم ولو لم نعقل الحكمة أو الكيفية. وإن علمت فذلك مما يزيد في الإيمان وهو خير على خير. والذي يمكن معرفته من كيفية الإصابة بالعين هو أن العائن إذا رأى ما يعجبه ولم يبرك قد يخلق الله من الضرر للمعين ما يشاء إذا شاء أما ما ذكره بعض العلماء: من أن كيفية الإصابة بالعين هو: انفصال قوة سمية من عين العائن أو جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فهذا أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا
(1) زاد المعاد (3/ 155) ط المنار
(2)
العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (24)
يجزم بنفيه والله أعلم (1)
وسئل الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله: إذن فما هى العناصر التى يتم بها الحسد؟ .فأجاب: هناك عنصران: قوة طبيعية فى الحاسد، وشئ إرادى وهو أن يتمنى أن يضر نقول: لماذا فعل الله هذا؟ أقول: ولماذا يعطى ربنا بعض الناس قوى مادية يستطيعون بها أن يطغوا تلك هى الفتنة، وذلك هو الابتلاء، والله تعالى علمنا أن نستعيذ منه، إذن لابد أن يكون له ضرر وشر، سواء فهمناه أو لم نفهمه. (2)
قلت: وبيان هذا أن الله تعالى أودع فى الأشياء خصائص لا تنفك عنها إلا بإذن الله تعالى وجعل لذلك أسباب ومسببات فمن جاء بالسبب أتته النتائج وهذا من سنن الله تعالى فى الكون فجعل فى النار خاصية الإحراق وجعل فى الماء خاصية السيولة والميوعة وجعل فى الأرض خاصية الجذب وجعل فى المغناطيس خاصية جذب الحديد وجعل فى بعض أعين خلقه من الجن والإنس خاصية الحسد وأمورا أخرى مودعة فى المخلوقات كنقل الطبيعة وغيرها وكل هذا مخلوق لله تعالى فالله هو خالق الأشياء وأسبابها ومسبباتها فهو خالق العباد وخالق أفعالهم. وللبخارى رحمه الله كتاب خلق أفعال العباد وإنما افتتحت هذه المسألة ردا على الأشاعرة والشئ بالشئ يذكر.
وأفصل المسألة ببعض بسط فأقول: ما ذكرته هو الذى عليه سائر أهل العلم ولم يخالف غير الأشاعرة فهم ينكرون أن يكون شيء يؤثر في شيء ويقولون بأن
(1) أحكام الرقى والتمائم ص (94)
(2)
فتاوى الأزهر رقم (316) والشيخ الشعراوى ليس عالما ولم يكن على منهج السلف لكنه شيخ من الدعاة وكان على مذهب المتصوفة وإن لم يدع إلى بدعهم فليس هو من غلاتهم والله أعلم بحاله.
الأسباب علاقات لا موجبات فالرجل إذا كسر الزجاجة ما انكسرت بكسره عندهم وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تحرق ما احترق بسببها وإنما احترق عندها لا بها فالإنسان إذا أكل حتى شبع لكنه ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل! . وقالوا إن فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهرى مخلوق. فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا وإنما المسألة اقتران فحسب ولهذا فالعين عندهم لا تحسد فالحسد عندهم يوجد عن اقتران رؤية العين للمحسود وإيجاده بقدرة قديمة وليس هو مخلوقا حتى لا يكون الله محلا للحوادث! ! فليس ثم حسد ولا عين ولكن اقترن حدوث الحسد باقتران وقوع البصر على المحسود. وليس الحسد من كسب العبد مع قوهم بأن له كسبا يجازى من أجله ويثاب عليه! ! والعجيب أنهم يكفرون من خالف قولهم هذا والأعجب أنه لم يقل به غيرهم! ! فهم يكفرون سائر الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن متونهم فى العقيدة التى ما تزال تدرس إلى اليوم:
والفعل فى التأثير ليس إلا
…
للواحد القهار جل وعلا
ومن يقل بالطبع أو بالعلةِ
…
فذاك كفر عند أهل الملةِ
ومن يقل بالقوة المودعةِ
…
فذاك بدعى فلا تلتفتِ (1)
ومعنى المتن أن من يقول بنقل الطبيعة أو بتأثير العين فى المحسود وأنها السبب فهو كافر عندهم ومن قال بأن فى العين قوة مودعة سببت الحسد فهذا مبتدع عندهم أيضا مع قولهم فى الإيمان بالتصديق فقط يعنى من صدق فهو مؤمن من أهل الجنة وإن لم ينطق بالشهادة ويصل بل وإن لم يعمل خيرا قط ثم من خالفهم فى هذه الجزئية إما مبتدع ضال وإما كافر! !
(1) راجع شرح الكبرى (184) شرح أم البراهين ومنظومة الدردرير (240)
وأصل مذهب القوم أنهم لا يثبتون صفة الخلق لله تعالى فيقولون الكون حادث وكل حادث فلا بد له من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان .. الخ
فهم يصفون الله بأنه قديم (1) مع كون هذا لم يرد لا فى الكتاب ولا فى السنة. ويعدلون عن وصفه بالخالق جل وعلا وكل ما استخدموه من كلام الفلاسفة من الجوهر والعرض والجسمية .. كل هذا مبتدع ما تكلم به السلف وقد فروا من قولهم مخلوق وخالق حتى لا يلزمهم الفلاسفة بأنهم استدلوا بالدعوى على نفسها! ! ومع هذا فالفلاسفة يقولون: الكون قديم ولا نسلم أنه حادث، فالأشاعرة كما قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا. اهـ فهم يقولون بأن الحرق يُخلق بقدرة ربانية قديمة. ولا يقولون هو من خصائص النار يعني خلق الله للحرق ليس على الحقيقة وإنما على المجاز. وإلا كان الله تعالى محلاً للحوادث، وهو تعالى منزه عن ذلك. ولذلك لم يجعلوا الخلق من الصفات المثبتة لله سبحانه.
فالحسد عندهم يوجد عند اقتران رؤية العين للمحسود وإيجاده حصل بقدرة قديمة! ! أما مذهبنا فى هذا فهو مذهب أهل السنة وهو مذهب السلف فالْخَلْقُ صفةٌ من
(1) قال ابن أبى العز الحنفى شارح الطحاوية: وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرءان هو المتقدم على غيره فيقال هذا قديم للعتيق وهذا حديث للجديد ولم يستعملوا هذا الإسم إلا فى المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم .. لكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى كلها فلا يكون من الأسماء الحسنى وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له بخلاف القديم والله تعالى له الأسماء الحسنى. اهـ من شرح الطحاوية ص (55)
صفات الله الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، وهي من صفات الذات وصفات الفعل معاً. ومن أسماء الله تعالى الخالق والخلَاّق.
قال الله تعالى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ واَلأمْرُ} الأعراف (54)
وقال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} الحجر (86)
وقال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} سورة ق (16)
وقال تعالى {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِيءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} الحشر (24) والأدلة من السنة شئ كثير فماذا نصنع وقد ابتلينا بمن ينكر المعلوم من الدين بالضرورة لذا نقول: إعرف الحق تعرف أهله.
فهذه نبذة سريعة أردت من خلالها الدعوة إلى تعلم العقيدة والاهتمام بها فإنما العلم بالتعلم وكثير من الناس ما يهتم بدراسة العقيدة ويظن أنه على علم بها وهو ما سأل عنها مرة فى عمره ولا قرأ فيهاكتابا واحدا ومن ثم تجد الشرك والبدعة يعملان فى الأمة عملهما.
ولا يظن أنى قد بعدت عن موضوع الكتاب بل ما خرجت عن مقصوده وإن كنت أطلت شيئا فبالقدر الواجب الذى ينبغى أن يكون وليست هذه المسألة بأقل شأنا من علاج المحسود بل هى أكبر منها وأعمق أثرا وإن كانت من دقائق العلم التى لا يجوز امتحان الناس بها خلافا للأشاعرة الذين يكفرون من لم يقل بقولهم فيها وليعلم الناظر فى كتابى هذا وجوب التحذير من البدع وأصحابها نصيحة لهم وللعامة وشفقة على المخدوعين بهم فنحن معذورون فى ذكر كل هذا ذلك بل لم نستوف حقنا بعد. وقد تكلم عليها ابن القيم فى غير كتاب من كتبه بل قد ألفت فيها مؤلفات مفردة مثل كتاب: الإقتران والتاثير لمختار طيباوى. وكتاب عقيدة العادة عند الأشاعرة.
قال ابن القيم رحمه الله: ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد
على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرولهذا قال من قال من أهل العلم تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم وظنوا انهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله وتنزيهه عن كل كمال ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ونظير من نزه الله في أفعاله وأن يقوم به فعل البتة وظن انه ينصر بذلك حدوث العالم وكونه مخلوقا بعد أن لم يكن وقد أنكر اصل الفعل والخلق جملة ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب! ! فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به وأنت لا تجد كتابا من الكتب أعظم إثباتا للأسباب من القرآن ويا لله العجب إذا كان الله خالق السبب والمسبب وهو الذي جعل هذا سببا لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببيه الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم وإغراق الماء على كليمه وقومه وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها وإن شاء خلى بينها وبين اقتضائه لآثارها فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه.
ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق والماء لا يغرق والخبز لا يشبع والسيف لا يقطع ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ولا هو سبب لهذا الأثر وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا قالت هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به كما تراه عيانا في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان. اهـ (1)
(1) شفاء العليل ص (189)
وأردت هنا أيضا التنبيه على عقيدة الأشاعرة الضالة لأنهم يلبسون على الناس أنهم هم أهل السنة وتجد فى الكتب التى تدرس فى أزهر مصر اليوم أن منهج أهل السنة هو خليط من منهج الأشاعرة والماتريدية فهم يكذبون بهذا وقلما وجد رجل يدافع عن مبتدعة إلا وهو منطو على بلية وله خبيئة سوء نعوذ بالله من ذلك. وأنبه أيضا إلى أن الكذب يتعلق بالضبط لا بالعدالة فلينتبه إلى هذا لأنه ليس قدحا كما هو معلوم عند أهل العلم لاسيما إن كان الكاتب لم يحرر المذهب جيدا فلا بأس أن نقول كذب بمعنى أخطأ لكن إن كان يقصد الباطل والتلبيس ويدعو إليه فهذه علامة نفاق وهوى فى القلب نعوذ بالله من ذلك فإن كان قائله لا يعرف ما يقول فهذه مصيبة وما كان له أن يتكلم وإن كان يعرف ثم يكذب ويدلس فالمصيبة أعظم ونسأل الله العفو والعافية. والأشاعرة إنما هم فرقة ضالة وكذلك الماتريدية ولا أدع المجال هنا بدون التنبيه على بدعهم ومعتقداتهم وهل هم يوافقون فى ذلك أهل السنة أم لا؟ والشئ بالشئ يذكر كما أسلفت نسأل الله العلم النافع وأن يثبتنا على دينه وسنة نبيه فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
أراد الأشاعرة أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب قال الرازى الذي عجز هو عن فهمها: إن الإنسان مجبور فى صورة مختار. اهـ
كلامهم فى السببية وأفعال المخلوقات كما فى مسألتنا فى الحسد.
التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم "نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة" ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليد والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء
عندهم. وانظر كتاب " الله " لسعيد حوى وكتب الباقلانى وقد رد عليهم فى هذا الحافظ بن حجرفى الفتح
الأشاعرة ينفون أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة فلم يثبت الأشاعرة الحكمة مع الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة فالله عندهم ليس بحكيم جل وعلا! ! ولهذا يرون جواز التكليف بما لا يطاق وقالوا بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة افجر الكفار.
لهم كلام مخالف لعقيدة السلف فى النبوات وعصمة الأنبياء ومعجزاتهم لا أطيل بذكره.
الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية قال صاحب الجوهرة:
وفسر الإيمان بالتصديق
…
والنطق فيها لخلف بالتحقيق.
يعنى أن الإيمان بالتصديق فقط واختلفوا فى النطق بالشهادة ورجح الشيخ حسن أيوب فى تبسيط العقائد أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطى. فأبوطالب مسلم من أهل الجنة عندهم وربما إبليس وفرعون وسائر الكفرة الذين صدقوا دون قول وعمل! ! !
الأشاعرة لا يقولون بأن القرءان كلام الله غير مخلوق بل يقولون كلام الله معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء.
ويستدلون بقول الأخطل النصرانى:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً.
فسبحان الله العظيم كيف يردون الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفة العقل تارة وبدعوى أنها أخبار آحاد لا يؤخذ منها عقيدة ثم يحتجون بمثل هذا! !
والعجيب أن المعاصرين يصرحون بهذا من أن شارح الجوهرة أراد أن يستره فقال: يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا فى مقام التعليم. وراجع شرح الباجورى
على الجوهرة ومتن الدردير تعلم يقينا لماذا تأخر النصر عنا! ! ؟
يتطرفون جدا فى الرد على المبتدعة حتى يخرجوا عن الصحيح حتى أنه يمكنك أن تقول إن عقائدهم هى من ردود الفعل ومن محاولات التوفيق بين المذاهب المبتدعة! ! ولا أطيل المقام بذكر أمثلة فما مضى يكفى.
الأشاعرة لا يثبتون من صفات الله تعالى إلا صفات سبع فقط بزعم أن هذه الصفات السبع دل عليها العقل فأثبتوها لدلالة العقل عليها، وأما ما سواها فإن العقل لا يدل عليها فيجب أن نؤول، فهم ما يثبتون بدلالة الكتاب ولا السنة والصفات التى أثبتوها هى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والقدرة والإرادة وأنكروا سائر الصفات الواردة فى الأسماء الحسنى التسع وتسعين! ! وأنكروا صفات الوجه واليدين والعين والنزول والمجئ والإستواء والعلو والفوقية وغيرها.
فهذا بعض ما عند القوم وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم وهى حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟ .إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟ . وإلى أي عقيدة رجعوا؟ . (1)
(1) راجع رسالة منهج الأشاعرة للشيخ سفر الحوالى حفظه الله.