الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من قتل بعينه
صح فى الحديث أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر كما تقدم فهل تسرى أحكام القاتل على من قتل بعينه أم لا؟
فنقول وبالله التوفيق: لم يرد فى الشرع نص صريح فى تسوية من قتل بعينه بالقاتل بيده. وهذا أيضا غير معروف عند أهل اللغة فلا يقال للعائن أنه قاتل وإن قتل بعينه. وإذا تبين أن الحسد ذنب فذنب القاتل حقيقة هو الحسد وليس القتل. فإذا قسناه على القاتل الذى قتل بيده كان قياسا مع الفارق لا ينضبط شرعا ولا تجرى عليه الأحكام الشرعية. فالقصاص ههنا مسكوت عنه. ولا يصلح حمله على القتل الخطأ فتلزمه الدية بذلك ولكن للحاكم أن يعزره بما يرى من التغريم بالمال أو حبسه عن الناس لمنع ضرره يعنى يحبس فى بيته ويجرى عليه رزقه لاسيما إذا اشتهر بذلك. والله أعلم وعليه أن يتقى الله تعالى أن ينظر إلى من يخاف من عينه عليه. وأن يدعو له بالبركة وهو أدرى بحال نفسه من غيره قال تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء (93)
فليحذر من يعرف من نفسه الحسد أن يقتل بعينه أو أن يدخل فى وعيد الله تعالى -فى هذه الآية للقاتل على خلاف فى توبة القاتل العمد هما روايتان عن ابن عباس رضى الله عنهما وإن كان القول بعدمها مرجوحا والراجح أن من تاب يرجى أن يتوب الله عليه.
وصح فى الحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايزال المسلم فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما "(1)
وعنه أيضا رضي الله عنه موقوفا قال " إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه
(1) صحيح: أخرجه البخارى (6862) وأحمد (5648).
فيها سفك الدم الحرام بغير حله " (1)
قال الحافظ فى الفتح " قد اختلف فى جريان القصاص بذلك -يعنى على العائن - فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا انتهى ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا أنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة وأيضا فالذى ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلل الشخص ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين اه ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه والفرق بينهما فيه عسر ونقل بن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة قال النووي وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه. اهـ (2)
والحافظ كان قاضيا فيظهر أنه كان يقضى فى ذلك بمذهبه فهو شافعى المذهب وقد نقل عنهم أنهم لا يقتلون من قتل بحسده وهو أصح القولين لكن نقله للخلاف بشعر بجريمة الحاسد وأنه آثم بارتكابه للحسد حتى قتل صاحبه فلينتبه لهذا والله تعالى أعلم.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (6863) والحاكم وقال صحيح على شرطهما.
(2)
فتح البارى (16/ 20) ط الغد العربى ولا أدرى من هو القرطبى المذكور هل هو صاحب التفسير أم هو شيخه صاحب المفهم فى شرح صحيح مسلم