الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3014 - فصل فيما يحرم من المستبرأة
يَحْرمُ وطءُ المستبرأة، وجميعُ ضروب الاستمتاع، ويحرمُ جماعُ المَسْبِيَّة، وفي ضروب الاستمتاع وجهان، فإن قلنا: لا يَحْرمُ، انقدح أنْ يُلْحَقَ بالحائض فيما بين السرَّة والركبة، فعلى هذا لا يزيدُ حكم الاستبراء على حكم الحيض إلا أن تُستبرأ بالحمل، أو بالطهر على قولٍ، وإذا حرَّمنا الاستمتاع، فطهرت، ارتفع تحريمُ الاستمتاع، وبقي تحريمُ الحيض حتى تغتسل، وأبعدَ مَن قال: يستمرُّ تحريم الاستمتاع إلى الغسل.
3015 - فرع:
تباعدُ حيض المستبرأة كتباعُدِ حيض المعتدَّة، فإن قالت: حِضتُ، فله تصديقها، ولا يمينَ عليها؛ لأنَّ الأيمان إنَّما تتعلَّق بالخصومات، ولو نكلت لم يُفِدْ نكولُها، وإن قالت: لم أحِضْ، فقال: بل حِضْتِ، فالقولُ قولها، وليس له تحليفُها عند الإمام، فإنَّه لا يُعلَمُ ذلك إلا من جهتها.
3016 - فرع:
إذا ورث جاريةَ ابنه، أو جارية أبيه، فزعمت أنَّ المورِّث وطئها، لم يَلْزمْه تصديقُها، والورعُ أن يجتنبها؛ فإنَّ مراتب الورع كمراتب الظنون (1)،
(1) انظر في ذلك "شجرة المعارف والأحوال" للعز بن عبد السلام، بتحقيقنا (ص: 461)، الباب التاسع عشر في حُسْنِ العمل بالظنون الشرعيَّة، و (ص: 457) الباب العشرين في الورع، وفيهما أنَّ معظم الأحكام مبنيَّةٌ على الظنُّون، ويُعرِّف الورع:"بأنَّه حزم واحتياط لفعل ما يُتَوَهَّمُ من المصالح، وترك ما يُتَوهَّمُ من المفاسد وأن يُجعل موهومتها كمعلومتها عند الإمكان".
وعليها يُحمل قوله عليه السلام: "اسْتَفْتِ قَلبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ المُفْتُون"(1)، فإن
(1) لم أجده بهذا اللفظ. لكن أخرجه أحمد في "المسند"(18001) = (4/ 228)، وأبو يعلى (1586)، وغيرهما عن وابصة بن معبد الأسديّ، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئًا من البرّ والإثم إلا سألته عنه، وإذا عنده جَمْعٌ، فذهبتُ أتخطّى الناسَ، فقالوا: إليك يا وابصةُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليك يا وابصة.
فقلتُ: أنا وابصة، دَعوني أدنو منه، فإنّه من أحبّ الناس إلىّ أن أدنو منه.
فقال لي: "ادنُ يا وابصة، ادنُ يا وابصة".
فدنوتُ منه حتى مسَّت ركبتي ركبته، فقال:"يا وابصة أُخبرك ما جئتَ تسألني عنه، أو تسألني؟ ".
فقلت: يا رسولَ الله فأخبرْني. قال: "جئتَ تسألني عن البرّ والإثم".
قلتُ: نعم. فجمع أصابعه الثلاث، فجعل ينكتُ بها في صدري، ويقول:"يا وابصةُ استفتِ نفسك، البرُّ ما اطمأنّ إليه القلب، واطمأنّت إليه النفس، والإثمُ ما حاك في القلب وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناسُ وأفْتَوك".
قال السندي في تعليقه على "المسند"(29/ 524): قوله: "جئت تسأل عن البرّ والإثم": هذا من دلائل النبوة، لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم عما في ضميره قبل أن يتكلّم، ولعلّ غرضه السؤال في المشتبهات من الأمور التي لايعلم الإنسان فيها بتعين أحد الطرفين، وإلا فالمأمور به شرعًا من البر، والمنهي عنه كذلك من الإثم، ولا حاجة فيها إلى استفتاء القلب واطمئنانه".
وأمّا اللفظ الذي أورده المؤلف، فقد تعقبه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 358) (سورة الكهف الآيات 79 - 82): بقوله: "وقد جاء فيما يقولون "استفت قلبك وإن أفتاك المفتون" قال شيخنا [هو أبو العباس القرطبي صاحب "المفهم شرح صحيح مسلمٍ"]رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر يُقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما عُلم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنِّته، وأنفذ حكمته، =