المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ال‌ ‌مقدّمة الحمد لله الذي خلق الإنسان، واختصه بنطق اللسان، وفضيلة البيان، - أصول علم العربية في المدينة

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

الفصل: ال‌ ‌مقدّمة الحمد لله الذي خلق الإنسان، واختصه بنطق اللسان، وفضيلة البيان،

ال‌

‌مقدّمة

الحمد لله الذي خلق الإنسان، واختصه بنطق اللسان، وفضيلة البيان، وجعل له من العقل الصَّحيح والكلام الفصيح منبئًا عن نفسه، ومختبرًا عَمّا وراء شخصه، وصلى الله على خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد؛ فقد صُنِّف في نشأة علوم العربيَّة الشَّيء الكثير، وأفردت الكتب لرجالاتِها، وجمعت أخبارهُم، وصُنِّفوا بحسب طبقاتهم، أو بيئاتهم، أو أسمائهم، فمنهم البصريون ومنهم الكوفيون ومنهم البغداديون.

ولم يشر أصحاب التَّراجم والطّبقات إلى بيئة المدينة اللغوية أو النّحويَّة، أو إلى نشأة النّحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.

ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن، بل نفى بعضهم عن المدينة أيَّ صلة بالنّحو أو اللّغة، ووصفها بالخلوّ من علماء ذلك العلم الَّذي يطلق عليه عند القدماء: العربيَّة.

يقول صاحب "المراتب" بعد حديثه عن البصرة والكوفة: "ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأمَّا مدينة الرَّسول صلى الله عليه وسلم فلا نعلم بها إماماً في العربية"1.

ونقل عنه ذلك جماعة من علماء التَّراجم المشهورين، كياقوت2 والسُّيوطي3.

ويقول ابن يعيش: "لا أدري لأهل المدينة مقالة في النَّحو"4.

1 مراتب النّحويين 55.

2 ينظر: معجم الأدباء5/2150.

3 ينظر: المزهر 2/414.

4 إنباه الرُواة 2/172.

ص: 275

ويقول الجاحظ من قبلهم: إنَّ اللَّحن في أهل المدينة فاشٍ وفي عوامّهم غالب1.

وُيروى عنِ الأصمعي أنَه كان ينفي عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشِّعر- أيضا- ويصف حالهم في زمانه في القرن الثاني ويقول: "أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة"2.

ثم نجد من المعاصرين من أصحاب المناهج العلميَّة من يقول: "وفي غير العراق كان الاشتغال بالعربية حقا جدّ ضئيل، فبينما كانت في البصرة والكوفة مدرستان خاصتان بالنَّحو، وحذت حذوهما بعد ذلك بغداد بمدرستها الَّتي نزعت إلى الجمع والتّوفيق بين المدرستين لم تقم بالمدينة- مثلاً- علوم اللُّغة على أساس وطيد"3.

ويقول: "ويجوز لنا بما تقدم أن نفترض أنّ اللغة العربية في المدينة لم تحظ بعناية خاصة"4.

ويقول: "إنَّ النَّحو وعلم اللَّغة لم يجدا بالمدينة تربة خصيبة"5.

ويقوله آخر: "فالبصرة أوّل مدينة عنيت بالنَّحو واللُّغة"6.

وبعد هذه الأحكام التي تصفى أهل المدينة بالضعف في العربية والبعد عن الاشتغال بفنونها، كاللًّغة والنَّحو ورواية الشِّعر نجد من يخالف هذه الآراء من القدماء، وهو ابن برهان النَّحوي (456 هـ) إذ يقول:"النَّحويون جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيّون وكوفيّون وبصريّون"7.

1 ينظر: البيان والتّبيين 1/146.

2 مراتب النّحويين 156.

3 العربية ليوهان فك75، 76.

4 نفسه 77.

5 نفسه 78.

6 ضحى الإسلام 2/284.

7 شرح اللمع 1/1، وينظر: إنباه الرواة 2/172.

ص: 276

ويقول أحد المعاصرين: "لو أنَّ منصفاً تتبع أصول النّحو الأولى لوجد أنّها نبتت في المدينة وظلت تنمو شيئا فشيئاً"1.

فيتبيّن بعد هذا أنّ نشأة العربية لغة ونحواً لم تزل يكتنفها شيء من الغموض، وأنّ ثمة حاجة للكشف عن رجالات هذا العلم في المدينة.

ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الَّذي رجوت أن أكشف من خلاله عن نشأة الدراسات اللُّغويَّة في المدينة، وأتعرف على أعلامه في هذه المدينة المباركة في القرنين الأول والثاني، وجعلته بعنوان "أصول علم العربية في المدينة" فجاء في أربعة فصول:

الأول: عوامل نشأة الدَّرس اللًّغوي.

والثاني: منشئ علم العربيَّة.

والثالث: من أعلام الدَّرس اللغوي في المدينة في القرنين الأول والثاني.

والرابع: من مظاهر الدّرس اللُّغوي في المدينة.

ولم أشَأ التَّفريق بين النَّحو واللُّغة، أو بين النَّحويين واللُغويين، فذاك متعذّر، لأنّ علوم العربيَّة متداخلة في القرنين الأول والثاني، قبل أن تنفصل فيما بعد.

وقد شغلني هذا البحث زمنا ليس بالقصير، وأنفقت فيه جهدا في البحث في المصادر، واستقصاء الأقوال، والتَّنقيب في تراجم الرِّجال من اللُّغويين والنّحاة والقرَّاء والمحدِّثين والأدباء، وكنت كمن يجمع اللآلئ من أعماق المحيط في صبر وأناة، حتَّى منَّ الله عليه بما تقرُّ به العين، ولذلك كانت سعادتي بإنجازه كبيرة، مع أني لا أدَّعي الإحاطة والاستيعاب.

1مجلة المنهل، العدد 499 ص 126.

ص: 277

فأرجو من الله أن ينفع به وألا يحرمني ثوابه، وآمل من زملائي الباحثين والمحققين أن يرقعوا ثقوبه ويستروا عيوبه، بإصلاح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم، فالإِنسان محل النِّسيان، وعلى الله التكلان، ومنه العون والتَّوفيق.

وكتب

عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعديّ

المدينة النَّبويَّة في: 20/12/ 1416هـ

ص: 278