المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من مؤلفات المدنيين في علوم اللغة - أصول علم العربية في المدينة

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

الفصل: ‌من مؤلفات المدنيين في علوم اللغة

وعلى الرغم من ذلك فإنه من الممكن جمع بعض الشذرات اللغوية المتفرقة مما تجود به بعض المصادر، أو مما يستنبط من قراءات بعضهم وتوجيهاتها.

وقد تبين لنا بعد البحث والتنقيب أن لنحاة المدينة مؤلفات في اللغة والنحو، وأن لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأن لهم مجالسهم اللغوية الخاصة.

ص: 341

‌من مؤلفات المدنيين في علوم اللغة

كانت الملحوظات النحوية والإِرشادات والتنبيهات والأنظار تصدر مدّة من الزمن عن جماعة من المهتمين بالعربية في المدينة مشافهة، وتنتقل عن طريق الرواية والسماع، ولم تكن فكرة تأليف الكتب قد تبلورت في أذهانهم.

ولما تطورت العلوم في نهاية القرن الأوّل وبداية القرن الثاني، وأخذت تتكوّن معالمها كالتفسير والحديث والعربية بدأت فكرة تدوين ملحوظاتهم أو معارفهم في أوراق لحفظها، ولم تلبث أن تحولت هذه الفكرة إلى نوع من التأليف عند بعض العلماء.

وكان نحاة المدينة ولغويوها من السابقين إلى تأليف الكتب النحوية، وهي إن ضاعت من يد الزمن فليس ذلك لها وحدها، بل ضاعت كتب عيسى بن عمر ويونس بن حبيب والرؤاسيّ وغيرهم.

ولا نكاد نعرف عن مؤلفاتهم في اللغة والنحو إلا الشيء القليل، ومن هذا القليل ما وصل إلينا، ومنه ما فُقِد ولا نكاد نعرف عنه شيء، ومما وصل إلينا رسالة صغيرة في لغات القرآن، برواية ابن حسنون بإسناده إلى ابن عباس، وقد نشرها الدكتور صلاح الدين المنجد.

ص: 341

والرسالة طريقة في بابها مرتبة على سور القرآن، يورد فيها مؤلفها ما في كل سورة من لغات عربية أو ألفاظ معربة لأمم مجاورة كالفرس والروم والأنباط السريان والعبرانيين.

وهو من هذه الناحية - كما يقول المحقق - يبين لنا مصادر القرآن اللغوية، ويلقي الضوء على لغات القبائل قبيل الإسلام، ويحدد نسبة ما أخذ القرآن من ألفاظ كل قبيلة من تلك القبائل، ثم من كل أمة إن صح أن بعض الألفاظ فيه أعجمية1.

وقد شك بعض الباحثين في نسبة هذا الكتاب إلى ابن عباس، وبسط القول فيه2.

ولابن عباس صحيفة في تفسير القرآن الكريم رواها عنه علي بن أبي طلحة، فيها من اللغة الشيء الكثير يتمثل في تفسير الغريب.

وقد كانت هذه الصحيفة موضع تقدير العلماء وعنايتهم، إذ قال عنها أحمد ابن حنبل:"بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً"3.

وذكر السيوطي أن هذه الصحيفة ثابتة عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة، وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه مرتباً على السور4.

ومن الواضح أنّ ابن عباس لم يكتب هذه الصحيفة في كتاب، وإنما نقلت عنه مشافهة، ثم دُوّنت فيما بعد، ومنها نسخة كانت بحوزة أبي طلحة كاتب الليث رواها عن معاوية بن أبي طلحة، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن

1 ينظر: اللغات في القرآن 5، 6 (مقدمة المحقق) .

2 ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية 90- 92.

3 الإتقان 2/223.

4 نفسه 1/150.

ص: 342

عباس، وهي عند الإمام البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها كثيراً في صحيحه كما أسلفت، وهي عند الطبري وابن أبى حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح1.

واهتم بأمر هذه الصحيفة بعض المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، فكتب عنها الأول كلمة ضافية2، وأخرجها الثاني في كتاب سماه:"معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاريّ" وأكثر ما فيه من هذه الصحيفة.

ويلحق بذلك ما روي عن ابن عباس مما دوّن بعده في مسائل عرفت بمسائل نافع بن الأزرقّ، وهي مسائل في تفسيرِ غريب القرآن بشواهد من شعر العرب، وهي أسئلة مشهورة أخرج الأئمة أفرادا منها بأسانيد مختلفة إلى ابن عباس، وأخرج أبو بكر الأنباري قطعة منها في كتابه "إيضاح الوقف والابتداء".

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير جزءاً منها من طريق جويبر عن الضحّاك بن مزاحم، ورواها السيوطي كاملة في كتابه "الإتقان".

أما ما فقد من تلك المؤلفات فلا نكاد نعرف عنه شيئاً، إلا ما ورد في إشارتين أحدهما في النحو لعليّ الجمل، الذي ذكره أبو الطيب اللغوي ووصفه بأنه "لم يكن شيئاً"3 ووصفه القفطي بأنه "لم يخلّ شيئا"4وقد ذكرت فيما مضى أن التحريف في هذين النصين وارد.

ومهما يكن من أمر هذا الكتاب فقد امتد أثره إلى الأخفش وهو من أعلام النحو في البصرة، إذ قال تلميذه أبو حاتم السجستاني في كتابه القراءات حيث

1 ينظر: فتح الباري 8/332.

2 ينظر: معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري (المقدمة) .

3 مراتب النحويين 158.

4 إنباه الرواة 2/38.

ص: 343