المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة تبيّن من خلال هذا البحث أن بذرة الدراسات اللغوية العربية - أصول علم العربية في المدينة

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

الفصل: ‌ ‌الخاتمة تبيّن من خلال هذا البحث أن بذرة الدراسات اللغوية العربية

‌الخاتمة

تبيّن من خلال هذا البحث أن بذرة الدراسات اللغوية العربية لغة ونحواً كانت في المدينة، منذ وقت مبكر في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من أمراء بني أمية، لعوامل ساعدت على نشأة هذه العلوم، ومن أبرزها:

1-

ظهور اللحن وانتشاره.

2-

حماية القرآن من اللحن.

3-

محاولة فهم القرآن ودرسه.

وأرى أن الدرس اللغوي والنحوي بخاصة لا يعزى في وضعه لعالم بعينه، إنما هو جملة من الأنظار والملحوظات والإرشادات اللغوية التي أثارها جماعة من التابعين وأصحاب الذائقة اللغوية الرفيعة من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، فأسهموا جميعاً - بدرجات متفاوتة - في إرساء الأسس النحوية الأولى في المدينة، تم انتشرت هذه الملحوظات والأنظار، وتداولها المهتمون بالعربية في الأمصار، كالبصرة في بادئ الأمر ثم الكوفة، فكانت هذه الملحوظات النواة للنحو العربي الذي نضج في أواخر القرن الثاني.

وكان لبعض الشخصيات قدم راسخة في إرساء الأساس لبنيان العربية الشامخ، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي الأسود الدؤلي، وابن عباس رضي الله عنهما ونصر بن عاصم الليثي وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، وكان اشتهارهم في هذا الفن مع تقدم زمانهم مدعاة لأن يرفع الرواة والمؤرخون من شأنهم وينسبوا إليهم وضع العربية والنحو بخاصة.

وقد أهمل أمر اللغويين والنحاة في المدينة، وضاع كثير من نتاجهم وآرائهم وملحوظاتهم لأسباب بَيّنتها، تتلخص في انشغال المسلمين في صدر

ص: 381

الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح التي كانت تتوالى على المدينة صباح مساء، ثم أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم بغداد أيام العباسيين - إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركّزِها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيرا من نواحي الحياة في المدينة ومنها أخبار العلم والعلماء.

ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين، أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.

وهكذا يمكن القول: إن اللغة والنحو وأربابهما في المدينة مما طُويَ عنا أمره، فلا نعرف اليوم من أعلام العربية أو عنهم إلا القليل؛ مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغوي مفقود.

وقد وفقت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء يسير من تراثهم اللغوي الضائع، ومن هؤلاء: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومسلم بن جندب الهزلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الله بن ذكوان المعروف بأبي الزناد، وعبد العزيز القارئ الملقب بـ"بشكُسْت" وزيد بن أسلم العدوي، وعلي الجمل، والأصبغ بن عبد العزيز الليثي، ونافع بن أبي نعيم، وعيسى بن يزيد بن دأب، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، ومروان بن سعيد المهلبي، ومحمد بن مروان المدني، وعيسى بن مينا بن وردان.

ويبدو أنّ لنحاة المدينة ولغوييها مؤلفات مفقودة في اللغة والنحو وأنّ لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأنّ لهم مجالسهم اللغوية الخاصّة.

ص: 382

وأمكن لهذا البحث أن يقف على بعض الشذرات النحوية المتفرقة، كتابع المنادى، والفصل بين المضاف والمضاف إليه، وضمير الفصل، وإعراب حتى وما بعدها، والنداء والترخيم، والتقديم والتأخير، والصفة.

أما علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم فيمكن القول إنه نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن، كالتفسير على يد ابن عباس، الذي يعد صنيعه فيه نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن، مع العناية الواضحة بلغات القبائل، ومحاولة الإِحاطة بما في القرآن من المعرب.

وكان للمدنيين نشاطهم اللغوي من خلال المجالس العلمية التي كانت تعقد لشتّى العلوم كالتفسير والحديث والفقه واللغة.

وكانت العلوم الشرعية واللغوية تتداخل في تلك المجالس، ونقدّر أن علم العربية بفروعه المختلفة كغريب اللغة ولهجاتها، وأوّليات النحو كالفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر - مما كان يعرض في تلك المجالس.

وكان للغة مجالسها الخاصة كمجالس ابن عباس وأبي الزناد وابن هرمز ومروان بن سعيد المهلبي، وغيرهم.

وأرجو - في الختام - أن يكون لهذا البحث نصيب من الإِسهام في الكشف عن بدايات مجهولة لعلم العربية في عاصمة الإسلام الأولى، المدينة النبوية الشريفة.

ص: 383